السبت 04/مايو/2024

كيف نفهم الموقف الفرنسي من الحكومة الفلسطينية؟

أحمد الفلو

يتمحور الموقف الفرنسي الأخير من حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والقاضي بمقاطعة وزراء حماس حول فكرتين رئيسيتين أولاهما الجذور الثقافية التاريخية المعادية للعرب والمسلمين و التي كانت ومازالت تهيمن على تفكير وتوجهات القوى السياسية الفرنسية وثانيهما ذلك الإفراط في التبعية السياسية الفرنسية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية .

ولا يمكننا فهم المواقف السياسية الفرنسية إلا من خلال فهم المكونات الأساسية للثقافة والتراث والأدب والتي تشكل بمجموعها المضمون الفكري والنمط المعرفي للدولة الفرنسية شعباً و حكاماً حيث ارتبطت المواقف العنصرية البغيضة لفرنسا بالمجابهات والمواجهات عبر التاريخ وكونت ذلك الكم الهائل من الكراهية والحقد على العرب والمسلمين ولقد تم ترسيخ أحداث تاريخية مثل معركة بواتييه ومعركة رونسفو و الحملات الصليبية الثمانية في أذهان الناشئة الفرنسية في المدارس والجامعات على أنها ضمن(( أهم ثلاثين يوماً صنعت فرنسا )) وتمجد القضاء المبرم على الهمجية الإسلامية والظلامية المحمدية والتي تعتبر مثل هذه الانتصارات ما هي إلاّ انتصار للحضارة على الهمجية وما زالت أخيلة وعقول الساسة الفرنسيين حتى يومنا هذا محشوة بصورة العصابات الدموية الإسلامية المدمرة و المتوحشة وهي تتحطم أمام بسالة حماة الصليب ودفاعات الفرنجة وبسؤال بسيط جداً موجه لأي فرنسي من الذين يحملون بعض الذكريات المدرسية: تأتي بواتييه عام 732 دائما في رأس قائمة التواريخ المعروفة إلى جانب تتويج شارلمان عام 800 ومعركة مارينيان في 1515 .                   

يوضح ستيفان دنيس الصحافي في “لو فيغارو”، بكل هدوء أن ليس على الغرب أن يخجل من الحملات الصليبية. وحجته الرئيسية ) (لم أسمع يوما عربيا يعتذر لأنه وصل إلى بواتييه!)) أخيرا، وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة شاهدنا على جدران المدن: “مارتيل 732، لوبن 2002” و في صف الأدب الفرنسي ((أغنية رولان)) من خلال سلسلة كتب “لاغارد وميشار” الذائعة الصيت والقصة تروي بطولات الفارسين الكارولنجيين رولان وأوليفييه في مواجهة العرب المتعصبين الذين يفوقونهما عددا. وإذا كان لا احد يشكك في صحة حدوث معركة رونسفو إلا أن المعروف منذ زمن طويل أن رولان سقط وهو يواجه محاربين من… الباسك.. وقد كتب فيكتور هوغو في “أسطورة القرون”: ((شاهد الأتراك أمام القسطنطينية فارسا عملاقا/ درعه من الذهب الأخضر/ يتبعه أسد داجن/ كان محمد الثاني تحت الأسوار/ نادى عليه: من أنت؟/ فقال العملاق: اسمي الجنازة/ وأنت اسمك الهلاك/ اسمي تحت الشمس هو فرنسا/ سأعود في الضياء/ حاملا الخلاص والحرية)). 

إن ثماني حملات صليبية متتالية استمرت أكثر من قرنين من الزمن قامت بها فرنسا بدور قيادي وأساسي عبرت عن تفكير ظلامي حاقد كامن في لب الثقافة الفرنسية ومدلولات مكوناتها ضد العرب والمسلمين ومحاولة تركيعهم وإذلالهم ومحو عقيدتهم الإسلامية من الوجود و السعي إلى السيطرة على مقدساتهم في مكة والمدينة والقدس وبعدها أتى احتلال الجزائر عام 1830 وبقية دول المغرب العربي ومحاولات الاستيطان الفرنسي في الجزائر وطمس وجود اللغة العربية والمعروف بالفرنسة وهي التي كبدت الجزائر مليون شهيد من أبنائها وكذلك احتلال الصومال و سوريا ولبنان وكأن كل هذا الحقد والتوحش لم يكن كافياً لفضح حقيقة أكذوبة مصطلح بلد الحرية ويبدو أن المقصود بهذا المصطلح هو حرية المواطن الفرنسي بالسير فوق جثث العرب و المسلمين وقد بلغ الاستعلاء واحتقار العرب إلى حد أن ترفض فرنسا حتى تقديم اعتذار شفهي عن المجازر والفظائع ضد الإنسانية التي ارتكبتها في الجزائر في الوقت الذي تصدر التشريعات ضد كل من ينكر الهولوكوست النازي لليهود وكذلك الإدعاء بوجود مجازر تركية ضد الأرمن وهذا ما يؤكد وجهة النظر القائلة بأن فرنسا الصليبية الصهيونية تتخفي وراء شعار فرنسا العلمانية.

إن السياق التاريخي للأحداث يقودنا بسهولة إلى حقيقة أن فرنسا ما بين العامين 1954 – 1967 كانت المزود الرئيسي بنظم السلاح المتطورة لإسرائيل واتخذت حكومة فرنسا في ذلك الوقت سياسة مساعدة واسعة لإسرائيل، التي كان أعداؤها في ذلك الزمن أعداء فرنسا أيضا كما أنها أنشأت مفاعل ديمونا في صحراء النقب وساعدت إسرائيل في مجال إنتاج الأسلحة الذرية وكانت فرنسا من أوائل الدول التي وقفت ضد الخيار الشعبي الفلسطيني وضد الديمقراطية في فلسطين و شاركت في الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني وتطالب فرنسا الآن الشعب الفلسطيني الضحية بقبول وضع الرقبة الفلسطينية تحت السكين الإسرائيلية وبالوضع الذي تراه اللجنة الرباعية مناسباً لذبح الفلسطينيين . أما الآن فإن فرنسا تمارس الدور التاريخي الصليبي ذاته ضد العرب والمسلمين وتعلن مقاطعتها التامة لوزراء حماس في حكومة الوحدة الوطنية لا لشيء إنما لكونهم من حركة المقاومة الإسلامية ولكي تكسب رضا السيد الأمريكي فهل سيأتي اليوم الذي نرى فيه مولد الجمهورية الصليبية الصهيونية الفرنسية قريباً ؟.
 
* كاتب فلسطيني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات