السبت 04/مايو/2024

أربع سنوات من جرائم الحرب في العراق

عمر نجيب

فجر يوم عيد الأضحى 30 ديسمبر 2006 اغتال حلفاء الولايات المتحدة في بغداد وبأمر منها الرئيس العراقي صدام حسين بعد مهزلة قضائية أمام محكمة صورية نصبها وكونها الاحتلال، وذلك رغم مختلف النداءات الدولية والإدانات لمنع تنفيذ الجريمة، وقد كشفت وسائل إعلام عدة أن الرئيس الأمريكي بوش تابع عبر شبكة تلفزية مغلقة أعدتها الأجهزة السرية الأمريكية في مزرعته، وكذلك تابعه رئيس الوزراء البريطاني بلير الذي كان يقضي عطلة رأس السنة الميلادية في ولاية فلوريدا عملية القتل مباشرة. المحللون أشاروا إلى ان عملية القتل وتوقيتها حملت العديد من الدلالات والرسائل التي تعكس طرق تفكير وهواجس بوش والمحافظين الجدد الذين يسيرون سياسة القوة الأولى في العالم، وأكدوا انها تصفيات جسدية تتم في اطار عدوان شامل على الامة العربية الاسلامية القصد منها تدمير الروح المعنوية للعرب والمسلمين بعد فشل المخطط الامريكي الطائفي الايدلوجي في صياغة شرق اوسط جديد.

سيد البيت الأبيض وأتباعه أرادوا أن يوجهوا إهانة للمسلمين وخاصة أهل السنة في عيدهم وأن يطيحوا بآمالهم في انكسار الاحتلال وعودة العراق إلى لعب دوره القومي القيادي على الساحة العربية، وتصوروا أن اغتيال الرئيس العراقي سيحبط المقاومة العراقية ويشتت صفوفها ويسهل تمرير مشروع التقسيم وإشعال نار حرب أهلية شاملة..

بعدها بأيام قليلة ويوم 15 يناير 2007 وبنفس اسلوب عصابات الجريمة المنظمة وطقوس وعقليات القرون الوسطى خلال الحروب الدينية بأوروبا تم التخلص من اثنين من أكبر أعضاء نظام البعث فقتل برزان التكريتي بفصل رأسه عن جسده وشنق عواد البندر.

فجر يوم الثلاثاء 20 مارس اعدم نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان الكردي الأصل ومؤسس الجيش الشعبي سنة 1970، واحد ابرز المعارضين لعمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل الوهمية التي تولتها الامم المتحدة، تم ذلك في نفس الوقت الذي حلت فيه الذكرى الرابعة لبدء الاجتياح الأمريكي للبلاد، وبعد ساعات من خطاب الرئيس بوش الذي حاول فيه أن يواجه معارضى عدوانه على العراق ويطلب من مواطنيه المزيد من الصبر لمواصلة الحرب للوصول إلى النصر السراب الذي طالما وعد به منذ سنة 2003. الاغتيال الجديد جاء في نفس الوقت الذي تظاهر الملايين في الولايات المتحدة وعبر مختلف دول العالم للتنديد بجريمة الحرب الأمريكية في العراق وللمطالبة بسحب قوات الاحتلال، كما تصادف مع استمرار المعركة في الكونغريس الأمريكي حول تحديد جدول زمني للانسحاب ومنع بوش من ارسال مزيد من الجنود الى المستنقع العراقي حيث يحصدون الموت والإعاقة والأمراض النفسية ويرتكبون كل أنواع الجرائم.

الموقف الذي يجد فيه بوش نفسه الآن لا يحسد علية فقبل ثلاثة أيام من الذكرى الرابعة لإعطائه الأمر ببدء غزو بلاد الرافدين، صوتت يوم 17 مارس لجنة برلمانية أمريكية لصالح انسحاب القوات الأمريكية من العراق في العام 2008 على أقصى تقدير، وذلك ضمن الموازنة المخصصة لتمويل العمليات العسكرية الأمريكية في العراق وأفغانستان.

وكان الديمقراطيون الذين اصبحوا يملكون الاغلبية في الكونغرس الامريكي قد ضموا مطلب انسحاب القوات الامريكية من العراق، الى الموازنة التي ستكمل تمويل الحرب على العراق وافغانستان في العام 2007. وقد ايدت لجنة القروض في مجلس النواب بأغلبية 36 صوتا مقابل 28 معارضا الموازنة المخصصة للقوات الامريكية في البلدين للعام الحالي، والتي يخصص بموجبها مبلغ 120 مليار دولار للعمليات العسكرية. وكان البيت الأبيض قد أعلن أن جورج بوش سيستخدم الفيتو في حال تم الإبقاء على الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق.

محللون نفسيون وخبراء سياسيون ومؤرخون أشاروا الى أن اختيار بوش مواعيد وطرق التخلص من أعدائه في العراق يعكس عقلية يهيمن عليها التعلق بالأساطير الدينية المسيحية والتوراتية والتقاليد الوثنية الموروثة من عهد الظلمات حين كانت القرابين البشرية تقدم من صفوف الأعداء الى آله الديانات الوثنية أملا في تحقيق النصر والازدهار ودوام العزة.

أوهام بوش عن النصر وعكس دوران عجلة التاريخ في معركة العراق، تتكسر منذ سقطت مؤقتا البوابة الشرقية للأمة العربية، فوضع الاحتلال لأقدامه في بغداد كان بداية انطلاق حرب تحرير شعبية ضخمة وبطولية ضد جيوش التحالف الصهيوأمريكي وانصارهم، حرب جعلت الأمريكيين يرون في معركتهم في الفيتنام ذكرى أقل عتمة وترهيبا. أسر ثم استشهاد صدام حسين ورفاقه لم يوقف المقاومة العراقية بل زادت قوتها وأصبح العراقيون أكثر اصرارا على سحق المحتل وأنصاره وحتى هؤلاء الذين كان يمكن تصنيفهم بغير المبالين أو من غير أنصار البعث تحولوا الى مقاتلين ومقاومين للاحتلال بعد أن رأوا كيف عاث المحتل فسادا وتخريبا في بلدهم وكيف نهب ثرواتهم. ويقول محللون كيف يمكن أن توهم واشنطن ولندن وأذنابهما، ليس العراقيين وحدهم بل العالم كله بأنهم يقيمون في بغداد نظاما ديمقراطيا يكون مثالا لباقي دول الشرق الأوسط، وذلك بعد أن اعترفت المصادر الرسمية الغربية أنه تمت سرقة 86 مليار من الأموال العراقية خلال سنوات الاحتلال الأربع، وأنه تم قتل 650 ألف عراقي على يد المحتل وأنصاره، وأن 5 ملايين عراقي هجروا من ديارهم وأصبحت غالبية العراقيين تعيش تحت خط الفقر، وأن المدارس والجامعات التي كانت تخرج العلماء والأطباء وغيرهم غدت فارغة وتحولت الى فخاخ للموت، وان الكهرباء والمياه والمستشفيات التي كانت تعمل بكفاءة حتى في ظل القصف والحصار الذي دام 12 سنة أصبحت من ذكريات الماضي، وان ظاهرة أطفال الشوارع التي كانت منعدمة في ظل عراق ما قبل الاحتلال أصبحت تضم أكثر من 320 الفا الآن. اللائحة طويلة وهي كلها جرائم حرب وضد الإنسانية يجلس قادتها والآمرون بتنفيذها على كراسي السلطة، ولكن غدا لناظره لقريب فدماء شعب العراق وشعب فلسطين وأفغانستان وباقي شعوب هذه الأمة الذين كانوا ضحايا الاستعمار الجديد لن تذهب سدى.

الأوضاع في العراق لن تتحسن لبوش وعملائه بل ستزداد سوءا يوما بعد يوم، ليس لان القوات الأمريكية غير كافية من حيث العدد والعتاد، وإنما لأن الشعب العراقي يرفض الاحتلال والمشروع السياسي الذي أتى به، وهو المشروع الذي كرس التقسيم، وفجر ما حاولوا أن يطوروه إلى الحرب الأهلية، ووضع في الحكم مجموعة من الطائفيين الحاقدين لا هم لهم غير تصفية حساباتهم الثأرية، ونهب اكبر قدر ممكن من ثروات البلاد. وقانون النفط العراقي الذي صاغته المجموعة الحاكمة في العراق بإيعاز أمريكي هو النموذج الأبرز على مدى غرق هؤلاء في الفساد وتبديد ثروات البلاد، وبيعها بالكامل لشركات النفط الأمريكية والغربية العملاقة.

اغتيال قادة العراق تحت غطاء الأحكام القضائية ونسف كل مكتسبات الشعب السياسية والاقتصادية جزء من منطق الثأر والانتقام من جانب التحالف الصهيوأمريكي الذي لم يغفر قصف العراق لإسرائيل بالصواريخ سنة 1991، ولم ينس أن النظام العراقي السابق هو الذي أمم الثروات النفطية، وأعادها إلى سلطة الشعب، وأنهى احتكار الشركات الأجنبية، وحافظ على هوية العراق العربية الوطنية، ووحدته الترابية.

ولعل جزءاً من عزاء ضحايا مجرمي القرن الحادي والعشرين يوجد في آخر تقارير البنتاغون الأمريكي الذي يعكس التشاؤم والكآبة لمسيري الحرب، فمستوي عمليات المقاومة ارتفع إلى ألف عملية في الأسبوع، بمعدل 140 عملية في اليوم، كما بلغت حصيلة الضحايا اليومية مائة قتيل وجريح ومن ضمنهم المرتزقة الذين يجندهم الجيش الأمريكي من خلال 22 شركة أمن خاصة ولا تتضمنهم البيانات الرسمية للجيش الأمريكي.

وذكرت مصادر صحافية أمريكية أن هذه الأرقام تمثل اقل من نصف العدد الحقيقي للضحايا، وتحدث التقرير عن وجود ضعف كبير في اداء ما يسمى بقوات الامن العراقية التي تعاني من عمليات اختراق. وقال التقرير ان القوات العراقية التي جندها الاحتلال بدأت تجلس في المقعد الخلفي منذ الخريف الماضي، حتى قبل ان يقوم بوش بالموافقة على استراتيجية الأمن الجديدة في بغداد. واشار الى ان الجيش الامريكي أخذ يقود عمليات عسكرية بنسبة اكبر من العراقيين، مع ان الجيش العراقي قام في بداية العام الماضي بسلسلة من العمليات الكبيرة نسبيا وبإسناد أمريكي إلا أن تحولا حدث بعد ذلك حيث زادت نسبة العمليات المشتركة وانتهت لكي يقود الأمريكيون العمليات بنسبة 72 بالمائة.

لا يحتاج الأمر إلى مناكفة أو عناد من جانب بوش ومحافظيه الجدد، الهزيمة حلت بهم في العراق ومعها بدأ تساقط أوراق الإمبراطورية، وكما اعترف بوش بنفسه ومعه أولمرت رئيس وزراء إسرائيل فإن الهزيمة في العراق خطر على الولايات المتحدة وأكبر تهديد لوجود إسرائيل. أبناء شهداء اليوم وأمس في العراق وخارجه سيحاكمون غدا مجرمي الحرب الحقيقيين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات