السبت 04/مايو/2024

المشروع التحرري الفلسطيني والظلمات الثلاث

أ.د. محمد اسحق الريفي

رغم كل الشكوك التي أثيرت حول دخول حماس المعترك السياسي ومشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية ببرنامجها المعلن؛ نستطيع القول أن حماس قد حققت نقلة نوعية على الصعيدين السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية إقليمياً وعالمياً، كما أنها وضعت أسس الحفاظ على إنجازات الشعب الفلسطيني وآليات توظيفها في خدمة قضيته العادلة، الأمر الذي سيسهم في إنضاج مشروع التحرر الفلسطيني والارتقاء بمستوى التعاطي معه عربياً وعالمياً لصالح تحقيق طموحات شعبنا.

فلقد استطاعت حماس بدخولها المعترك السياسي أن تجد للشعب الفلسطيني موطئ قدم في الخطوط الأمامية المتقدمة لجبهة الصراع مع الاحتلال ورعاته، وذلك بعد نجاحها في اختراق الدائرة المحلية للصراع المباشر مع المشروع الغربي الصهيوني والانطلاق بفاعلية إلى العمل في الدائرتين الإقليمية والعالمية لهذا الصراع.  كما نجحت حماس في كسر الجمود الذي أصاب القضية الفلسطينية؛ بعد أن بقيت سنوات طويلة تراوح مكانها أسيرة لإرادة الاحتلال الصهيوني وخططه وإطماعه، فأصبحت الآن هماً يقض مضاجع القوى العظمى المعادية للشعب الفلسطيني ومن أهم عوامل الاستقرار الإقليمي والعالمي.

ويجدر بنا عند تقييم الحالة الفلسطينية الراهنة أن نقرأ الواقع المحلي والعربي والعالمي قراءة صحيحة ودقيقة، فهناك ظلمات ثلاث تحيط بمشروع حماس الذي يهدف إلى تحرير الأرض وتحقيق المصير، وهي: ظلمة الوقوع تحت قهر الاحتلال الصهيوني وعدوانه المستمر، وظلمة حالة العجز الشعبية والرسمية التي أصابت الأمة العربية والإسلامية وتسلط أنظمة شمولية بوليسية عليها، وظلمة انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على العالم من خلال نظام عالمي أحادي القطب مدعوم بتحالفات عالمية معادية لأمتنا وشعوبنا.

وعلى أساس هذه الظلمات الثلاث التي يتم إنضاج المشروع التحرري الفلسطيني وتطويره فيها؛ يجب فهم حجم التحديات التي تواجه مسيرة الشعب الفلسطيني وصعوبة التقدم إلى الأمام نحو التحرير ونيل الحقوق، فقد أدى النجاح الذي أحرزته حماس على الصعيد المحلي وحصولها على ثقة الجماهير الفلسطينية إلى انتقال حماس تلقائياً إلى التعاطي مباشرة مع الظلمتين الأشد حلكة، الأمر الذي جعلها في مواجهة غير متكافئة مع القوى العالمية المتغطرسة والقوى الإقليمية المتواطئة معها؛ حيث تصدى المجتمع الدولي ببشاعة للشعب الفلسطيني وشدد الخناق والحصار عليه.

ولذلك فقد أصبحت حماس في موقع يصعب عليها الانسحاب منه والتراجع عن مبادئها ومواقفها لما سيؤدي إليه ذلك من خسارة للشعب الفلسطيني وإحباط لمسيرة جهاده، بالإضافة إلى ما يمثله ذلك الانسحاب والتراجع من ضربة قاصمة للمشروع الذي تضطلع حماس بحمله وإنجازه.

ورغم صعوبة الموقف وعظم التحديات؛ استطاعت حماس أن تقرأ الواقع بذكاء، وأن تدرك حجم التآمر على القضية الفلسطينية ومدى العجز العربي والإسلامي ومدى قسوة المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والتي كادت تمزق نسيجه الاجتماعي وتوقع به في شرك الاحتراب الداخلي الذي سعى الاحتلال ورعاته إلى استدراج شعبنا إليه، فتمكنت حماس من احتواء المؤامرة وتفادي الاقتتال واختراق التآمر الدولي المتمثل في الحصار الظالم والعزلة التامة لممثلي الشعب الفلسطيني.

ومع كل هذا التقدم الذي أحرزه الشعب الفلسطيني على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية؛ لا تزال الطريق طويلة، فالقوى المعادية لطموحات الشعب الفلسطيني لا تزال تحاول احتواء حماس وترويضها وإخضاعها لشروطها، ولا تزال الظلمات الثلاث تحجب النور عن الدولة الفلسطينية التي تستكمل مراحل نموها في رحم الجهاد والمقاومة والصبر والمصابرة والثبات والإصرار.

فالمجتمع الدولي الداعم للمشروع الصهيوني لا يزال يتمسك برفضه لبرنامج حماس ومشروعها ومواقفها، ولا يزال الاحتلال يتربص بشعبنا الدوائر ويرفض الاعتراف بحقوقه، ولا تزال الإدارة الأمريكية تحيك المؤامرات وتضع الخطط لقلب موازين القوى محلياً لصالح الموالين لها بدعمهم اقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً، وذلك من أجل سحب البساط من تحت أقدام حماس وتوريطها في مواقف تؤدي إلى تقليص شعبيتها وزعزعة الثقة بها.

فتطمح الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني في تبني حماس مواقف استسلامية تجعل الفرق الوحيد بينها وبين مناوئيها مقتصراً على إمكانية جلب مساعدات المجتمع الدولي وهباته إلى الشعب الفلسطيني وفك الحصار الظالم عنه وتخفيف معاناته، وعندها، وفي ظل قسوة المعاناة التي يعاني منها أنباء شعبنا وشدة الظلم الواقع عليه، ستجد فئات كبيرة من أبناء شعبنا نفسها مضطرة لتأييد شركاء الاحتلال والأمريكان، وبهذه الطريقة، ومع إطلاق حملة تشويه شرسة ضد حماس، يظن الأمريكيون أنهم سينجحون في تقويض حماس وعزلها.

والحقيقة أن حماس قد وضعت في برنامج حكومة الوحدة من المحددات والشروط ما يضمن إفشال الخطط الأمريكية والصهيونية الرامية إلى احتوائها أو إضعاف مواقفها، تتعلق هذه المحددات والشروط بقضايا أساسية للصراع العربي الصهيوني، وهي الهدنة والتفاوض والحصار، فقد رهن برنامج حكومة الوحدة استمرار الهدنة وتوسيعها بوقف الممارسات والإجراءات الصهيونية التي تعكس الأيديولوجية الصهيونية، مما سيعمل على لجم المشروع الصهيوني وتحجيمه.

أما بالنسبة للتفاوض؛ فقد ضمنت المحددات والشروط التي وردت في برنامج حكومة الوحدة عدم الانزلاق في مستنقع أوسلو جديدة، وذلك بربط قبول نتائج المفاوضات بإنجاز برنامج حماس للإصلاح والتغيير والذي سيؤدي إلى إعادة بناء هياكل منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاح مؤسساتها وإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني على أسس جديدة تتفق مع خيار الشعب الفلسطيني وطموحاته وإرادته.

ومن المؤكد أن يزيد الاحتلال من إجراءاته وممارساته الإجرامية التي تهدف إلى زيادة معاناة شعبنا المرابط، وذلك في إطار سعي الاحتلال إلى مقايضة الحقوق الفلسطينية بتخفيف تلك المعاناة عن شعبنا، وهذا ما يصر شعبنا وحكومته على رفضه والإصرار على زوال الاحتلال والمعاناة التي يسببها لنا من خلال صبر شعبنا ومقاومته وثباته، فمعاناة شعبنا من جرائم الاحتلال هي النار التي ستنضج مشروعنا التحرري وتؤجج فينا الحمية وتحثنا على العمل الدءوب بعزيمة لا تلين وإرادة لا تنكسر.

إن الظروف الدولية الراهنة تشير إلى أن المشروع الصهيوني سيشهد تراجعاً كبيراً بالتزامن مع ترنح المشروع الإمبراطوري الأمريكي تحت ضربات المقاومة العراقية الباسلة، كما أن هذه الظروف تؤكد عدم قدرة الغرب على تحمل شدة وطأة كابوس تناقضات القيم والمبادئ الغربية الذي يعاني منه الغرب بدعمه للاحتلال الصهيوني وتأييده له على حساب حقوق شعبنا وكرامته، فقد وضع شعبنا الفلسطيني الدول الغربية على المحك في مفترق الطرق بين التشدق بالقيم والمبادئ التي تحترم الحقوق والحريات الإنسانية وبين دعم احتلال غير شرعي يمتهن الحقوق والكرامة الإنسانية لشعبنا الفلسطيني ويمارس أبشع الممارسات الإجرامية والعدوانية بحقه.

فنحن نعيش صراعاً حضارياً يعتمد الفوز فيه على الانتصار في صراع العقول والقلوب، والصورة البشعة للغرب المعادي لحقوق شعبنا توقظ القلوب الغافلة وتثير فيها الرعب من غرب يدعم احتلال مجرم جاث على صدور شعبنا منذ عشرات السنين وسبب له أعظم مآسي العصر، وسواء أتمادى أعداء شعبنا في إلحاق أشد أنواع الظلم به أم كف ظلمه عنه، فسيكون شعبنا عامل نصر لأمتنا في صراعها مع الحضارة الغربية المتوحشة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات