السبت 04/مايو/2024

انتصار لا انتحار !!

أسامة العربي

مع تولي عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين لإدارة شؤون المسلمين كاد له الأمراء من بني عمومته من بني امية استعجالا منهم للإصلاح في شأن الأمن ورد المظالم التي ارتكبها ممن سبقه ، فجاءه ولده عبد الملك بكل ما يحمل من حماس وغيرة على الانحراف الذي أحدثه ممن سبق والده واستحثه في إسراع الخطا نحو الإصلاح قائلا ((“مالك يا أبت لا تنفذ الأمور فوالله ما أُبالي لو أن القُدور غَلَت بي وبك في الحق!!)). فتى حديث عهد بالدنيا ، لم تصقله الخبرة ولا يملك حكمة الكبار في تفحص مداخل المكائد ، فجاء جواب الحكمة على لسان عمر رضي الله عنه جواب الوعي والنضج قائلا “لا تَعْجل يا بني. فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة. وإني أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة، فيدعوه جملة، فيكون من ذا فتنة”

ما أظلمنا لذواتنا ولهذه الأمة ان غابت سيرة هذا العلم من حياتنا ، لم تكن قد تراكمت الانحرافات قرونا كما حالنا ويأتيه بقلب المؤمن الواعي المبصر ، ولم (( يغتصب المجتمع )) كالحال الذي نحن بصدده ،حيث تناوب المغتصبون عليه من كل حدب وصوب ،داخليا وخارجيا ومن فوقه ومن أسفل منه ومن على جنباته حتى ضاقت أساسيات الفرد الحياتية كالحرية إلى أضيق الزوايا ،وهناك من تأقلم مع هذا الحال والآلة الإعلامية تصدح بأذنيه ان كل شيء على ما يرام وهناك من يفكر عنك !!

انشغل الكثيرون مع تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة بالتصنيف الحزبي لهذه الحكومة أهي إسلامية ام علمانية وانشغل المتفيقهون بنحت الاسماء ولم يدركوا ان الفلسطيني المنتهكة انسانيته في كل تفاصيل حياته من قبل الكيان العنصري الغاشم هدفه الأول الحصول على هذه الإنسانية المنتهكة بصواريخ الاحتلال وآلات الدمار وعلى الحواجز وبالسجون ، فالسعي نحو تثبيت هذا الفلسطيني ووضعه الاجتماعي والإنساني بمختلف الأصعدة بوجه هذا الكيان له من الأولوية ما يفوق الشعارات ، فلقد تخلصت الدول العربية من الاستعمار وورثت مجتمعا منحلاً اقتصاديا واجتماعيا فما هي النتيجة؟ خرج المستعمر من الباب ودخل من الشباك ،الأنكى البحث عن تطبيق الشريعة الإسلامية بتصور ناجم عن رغبة بدون الالتفات الى ما يسود من اوضاع وعادات اختزنت في طيات تركيبة المجتمع ، وقد قالها بن نبي الهروب من الاستحقاقات بالذهاب الى الحقوق وترك الواجبات .

فتح باب تطبيق الشريعة على مصراعيه وكيف يمكن تطبيقها ليكون مدخلا للنيل من حماس ومن ادارتها ومحاولة يائسة لاستقطاب بعض افرادها ، وقد فتح هذا الباب من يريدون للتغيير ان يكون وفق وصفه جاهزة وفق وصفة الشيف (……) واختصروا الطريق والقوا عن انفسهم أعباءها وجعلوا الإمساك بالحكومة والرئاسة هي الخلاص ،والقوا بكل الإمكانيات في سبيل تحقيق هذا الهدف بغض النظر على القدرة على تحقيق هذا الهدف ناهيك عن المحافظة عليه ، شغلوا أنفسهم بمقارعة رأس الافعى وتركوا الأفاعي تنشر سمومها في كل اركان المجتمع ليرثوا مجتمعا غير قادر حتى على المواصلة ولو خطوة واحدة .

ترديد شعارات وتبديد دماء وإمكانيات ، ومن الشعارات التي لا يلقوا لها بالا ملة الكفر واحدة ، حسنا ان كانت ملة الكفر واحدة فضرب رأس الأفعى سيكون بلا نتيجة ، فمتى تهشم راس الافعى لن تنتظرك ملة الكفر حتى تقيم دولتك لتغطي الفراغ السياسي الدولي الذي أنشأته ،ولن يكون بمقدورك وفق امكانياتك ان تحتل هذه الصدارة ، بلا تفوق علمي وبلا نهضة شاملة ، ومن ابجديات السياسة الدولية ان هذا العالم لن يكون يوما بلا قوة مسيطرة ، اذن وفق هذه الابجدية تضرب راس الافعى لتقوم افعى متأهبة للانقضاض على هذا العرش العالمي ، وبما أن ملة الكفر واحدة ستعاود الكرة عليك ، خطا نحو الصفر دائما والهدف البحث عن ملجأ ،
وملخص الأمر هو سعي نحو الانتحار دوما وإن أسموه انتصارا ، وسيبقى الدوران في حلقة مفرغة ديدنهم والدماء ثمن لهذا الدوران .

لا شك ان سوء ادارة الانظمة الحاكمة في البلاد العربية وهذا التسلط الذي نشهده وتضييع حقوق المجتمع وحصر الحريات العامة في أضيق الزوايا قد ساهم بشكل مباشر في وجود هذا النهج ، ولا شك انه ليس الوحيد بل سوء الفهم للنصوص الشرعية ساهم مساهمة فعالة ، وللأسف ما زالت بعض الأنظمة تتحالف مع هذه الفكرة في توطيد اركانها في المجتمع وما نشهده من احداث في مصر من تقييد للحريات العامة وسجن من يؤمن بالتغيير السلمي للمجتمع والحجز على الاموال الا تغذية وبيئة مثالية لتكاثر اتباع هذا النهج ، وان بقي الحال على ما هو بلا فتح للحريات العامة وإنصاف فئات المجتمع فلا شك بأن الحكام يعدون لجولة من الإيغال في دماء المجتمع، أي انتحار تسير له الأنظمة وهذه الفئة ؟ ونحن بأمس الحاجة لانتصار وليس انتحار !!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات