الجمعة 10/مايو/2024

حكومة الوحدة والحصار على فلسطين

رشيد ثابت

ها قد تشكلت حكومة الوحدة في فلسطين؛ وتجسد اتفاق مكة حقيقة واقعة؛ وهذا الأمر يتيح الآن ما تأخر عاما كاملا؛ وهو رفع رسالة موحدة باسم فلسطين للعالم أجمع مفادها أن الشعب الفلسطيني يرفض المقايضة على حقوقه وثوابته بالرغيف والقرش المغمس بالذل.

كان من الممكن لحكومة الوحدة ان تتشكل منذ عام؛ وكان من الممكن الاكتفاء بحكومة تشكلها حماس الفائزة بالأغلبية والممثلة لها؛ لكن بسبب تآلف لوبي موحد من الرافضين لتداول السلطة؛ والفاسدين؛ و”أصدقاء” إسرائيل الفلسطينيين فقد نجح هؤلاء في استغلال مشاعر قطاع مهم من الجمهور الفلسطيني ليشارك في خطة شرخ الوحدة الفلسطينية وتأخير عمل الحكومة الفلسطينية المشكلة ديمقراطيا عاما كاملا. وحدها حماس تنازلت عن حقها في الحكم وحدها بأغلبيتها؛ حتى تتحقق هذه الوحدة ويتم الحفاظ على الثوابت في الوقت ذاته.

انه وان كان هذا الكلام الآن صفحة طويت على مستوى الأحداث؛ فإنه من الضروري جدا أن لا تطوى الصفحة على صعيد العظات والعبر واستخلاص النتائج؛ سواء بخصوص سلوك الفريق الفلسطيني المتورط بمشاريع التفريط أو بخصوص سلوك العرب الرسميين والمجتمع الدولي بخصوص التعامل مع فلسطين وتحديدا بخصوص القضية الأكثر ضغطا وهي الحصار على فلسطين.

على الصعيد الفلسطيني؛ يجب على الحكومة أن تعمل من أجل فلسطين. صحيح أن هذه بديهية ما كانت لتستحق التسجبل عند شعب معافى وأمة حية؛ الا أن الحقيقة تبقى أن بعض أجنحة الحكومة متوقع منهم أن يعودوا لعاداتهم القديمة في التخريب والكولسة والاصطفاف مع اسرائيل؛ أو العالم العربي الرسمي أو أمريكا؛ وتنتقل حالة خلاف الرئاسة مع الحكومة في العام المنصرم الى حالة صراع في داخل الحكومة الواحدة. على حماس والعناصر الوطنية في الحكومة الحؤول دون حدوث هذا وقمعه إعلاميا وسياسيا بنجاعة وذكاء يسابق الجنوح للفرقة وخدمة الأجندات الصهيونية عند بعض المستعدين لذلك والمعروفين بسيمائهم وأقوالهم وأفعالهم.

يساعد حماس في هذه المهمة وجود بعض الأصوات غير الحماسية والتي تقدم أداء يبقى أفضل من أداء فريق التسوية التفريطي – وان كان لا يرقى لأن يصنف من مدرسة المقاومة بطبيعة الحال – ومثل هذه الأصوات يجب أن تشجع ويتم التعاون معها. والحقيقة أن هناك بعض المؤشرات الايجابية من قبيل تصريح وزير الإعلام مصطفى البرغوثي مؤخرا والذي هو للأسف أول صوت إعلامي فلسطيني لا ينتمي لحماس يتحدث لإسرائيل بشيء من الندية والاستعلاء ويحذرها من مغبة الاستمرار في حصار الشعب الفلسطيني والكيد له.

هذا فلسطينيا؛ أما عربيا فتتحمل السعودية بطبيعة الحال مسؤولية إتمام دورها من اتفاق مكة؛ ومساعدة الفلسطينيين على الخروج من العزلة؛ لأن استمرار الحصار بعد تجسد اتفاق مكة يشكل لطمة لدور السعودية ويشكل إشارة لا مناص من قراءتها على أنها موت النظام الرسمي العربي. ويقع في دائرة مسؤوليات السعودية ومصر وسوريا أن يدعموا الحكومة الموحدة؛ وأن لا يقوم هذا النظام بخفض سقف الحكومة قسرا عن طريق الشروع في تقديم مبادرات سلام فيما إسرائيل تتطاول بكل صلف. أيضا يجب أن يضطلع الإخوة الكبار بإسكات صوت بعض قاصية الغنم ممن هم ملكيون أكثر من الملك ورباعيون أكثر من الأربعة؛ من طراز النظام الأردني وغيره من الحريصين على تلبية شروط أولمرت وبيعها عربيا مقابل صك بدون رصيد!

على الدم العربي إذا أن يكون أكثر حرارة من نفط بحر الشمال في النرويج الباردة؛ النرويج التي اختارت أن تكون جارة لفلسطين واستجابت لندائها الحر الموحد الديمقراطي أسرع من بني أبينا وبني أمنا!

والحديث عن النرويج يقود للحديث عن مواقف المجتمع الدولي. بالنسبة لأوروبا؛ فالفذلكة اللفظية بخصوص قيام الحكومة بتصرفات “تعكس” شروط الرباعية لا يجب أن تعني لنا شيئا. أما إن شرعت أوروبا في التصرف بنزق وطيش والمراهنة على شق الصف أو البحث عن خيارات غير مهنية – من قبيل الحديث مع وزراء فتح دون وزراء حماس – فعلى وزراء حماس والوزراء الوطنيين أن يتصدوا لهذا السلوك بحزم؛ ويجب ان يكونوا واضحين أمام الأوروبيين في أن فلسطين ليست عطنا للجمال؛ وليست الأمور سائبة للحد الذي يملي فيه خافيير سولانا على الشعب الفلسطيني خياراته؛ كما فعل بكل قلة ذوق وانتهازية وهو يعلن ضياع فرصة حماس في مؤتمر صحافي عقده منذ نحو أشهر ين يدي عميد الفساد في فلسطين محمد دحلان!

أما أمريكا آكلة الأكباد وحامية الأوغاد فعليها أن تفهم أن فلسطين ليس لديها ما تخسره من عدم رضا رعاة البقر عنها؛ وأن هذا أصلا لن يكون جديدا بحال؛ وأن نيل رضا أمريكا وربيبتها إسرائيل ليس قضية مدرجة على جدول أعمال شعب الجهاد والمقاومة بأي حال؛ رضيت بذلك حسناء الزنج وأحمق تكساس المطاع أم سخطا!

ولأن شعبنا شعب المقاومة والجهاد فإن مفتاح الصمود وعنوان التمسك بالثوابت سيكون في الحرص على هذه المقاومة والذود عن سمعتها؛ والذود عن حقنا فيها؛ سواء بحماية كوادرها والاستمرار في الحشد لها والإعداد لها؛ أو في استمرار توفير التغطية السياسية القوية لفصائلها الكبيرة والصغيرة؛ ولعملياتها حين تقرر الفصائل وضمير هذا الشعب وأصحاب المشروع المقاوم أن الرد المسلح ضرورة. ومن المهم للغاية أن تبقى المقاومة غاية فلسطين وسلاحها الماضي في تحصيل الحقوق؛ وهذا يجب أن يترتب عليه المزيد من شرعنة عملها وتحويله إلى شأن رسمي؛ عن طريق سن قوانين ترعى الشهداء والجرحى والأسرى؛ وتساعد فصائل المقاومة على البناء العسكري والروحي؛ وتساعدها بتوفير الأجواء لها لتلتقط أنفاسها وتعيد بناء قواها دون أن تخسر الغطاء السياسي.

هناك الكثير من الملفات التي نتطلع لدور الحكومة الفلسطينية في حلها؛ والتي فقط بالنظر إلى طريقة معالجتها يمكن تقييم تجربة الوحدة والحكم عليها. تبدأ هذه الملفات من طريقة إدارة فك الحصار ولا تنتهي من فك أزمة الضفة التي صارت رهينة محبسي إسرائيل والزعران؛ وملف الانفلات الأمني وغيرها من الملفات؛ لكن الموقف من المقاومة والطريقة التي ستتبع في فك الحصار عن فلسطين والحرص على منع المفرطين من تقديم المقاومة ورقة في صفقتها سيكون أول اختبار نرجو التوفيق فيه لحزب المقاومة وحماس وكل شرفاء شعبنا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات