الأحد 28/أبريل/2024

النظام الإقليمي العربي لماذا تخلف وكيف يفعّل؟

النظام الإقليمي العربي لماذا تخلف وكيف يفعّل؟

صحيفة الخليج الإماراتية

انفض اجتماع وزراء الخارجية العرب من دون حسم خلافاتهم، التي رحلوها للقمة عند اجتماعها أواخر الشهر الجاري، وحين تغيب الدعوة للتكامل في برامج القمم المتوالية على مدى العقود الأربعة الماضية، ولا تفعّل اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي مضى أكثر من نصف قرن على استكمال توقيعها برغم تعاظم التحديات الداخلية والخارجية. ففي ذلك الدلالة القاطعة على أن النظام الإقليمي العربي، الذي تجسده جامعة الدول العربية، لم يتخط صناع قراره واقع التجزئة والتخلف والتبعية الموروث عن المرحلة الاستعمارية. وبالتالي عجز عن أن يشكل الدرع الواقية ضد المداخلات والضغوط الدولية والإقليمية، وأن يكون قاعدة البناء الديمقراطي والتنمية المستدامة والتقدم العلمي والمعرفي، كما هي حال معظم الأنظمة الإقليمية المعاصرة.

وأن يكون النظام الإقليمي العربي عاجزاً عن أداء دوره التاريخي، ومتخلفاً عن مواكبة العصر، يغدو منطقياً القول بأن أخطر التحديات التي تواجه العرب، كأمة وكأقطار وكهيئات مجتمع مدني وكأفراد، ليس مخطط الإدارة الأمريكية للانتقال بالوطن العربي من التجزئة القطرية إلى التفتيت العرقي والطائفي والعشائري، لتقيم على الأنقاض العربية “الشرق الأوسط الجديد” ولا هو إجماع صناع القرار الصهيوني على تبني لاءات أولمرت بعدم الانسحاب لحدود 1967 وتقسيم القدس وعودة اللاجئين، أو هو التغلغل الإيراني في العراق المحتل وما ينذر به من تفجر الفتنة المذهبية في عموم المشرق العربي. ذلك لأن التحديات الثلاثة، ما كانت لتبلغ ما بلغته لولا الفراغ العربي نتيجة تخلف النظام الإقليمي العربي وقصور صناع قراره عن توظيف الإمكانات المادية المتاحة والقدرات البشرية المتوفرة في تقديم الاستجابة الفاعلة للتحديات الداخلية والخارجية، وتفعيل مقومات الوجود القومي لأمة عريقة التاريخ، غنية الموروث الحضاري، معروفة تاريخياً بقدرتها الفذة على دحر الغزاة والنهوض من الكبوات.

ولطالما سئلت بماذا تعلل تخلف وقصور النظام الإقليمي لأمة تمتلك كل مقومات التكامل القومي، وتختزن طموحاً وحدوياً متجذراً في فكر قطاع غير يسير من نخبها ووجدان أغلبية جماهيرها، وعلى نحو ليس له نظير بالنسبة لبقية الأنظمة الإقليمية المعاصرة، خاصة الاتحاد الأوروبي؟ وفي تقديري أن ذلك إنما يعود بالدرجة الأولى لافتقار المجتمعات العربية للكتل التاريخية ذات المصلحة بالوحدة والتكامل والمؤثرة في صناعة القرار. ويعود ذلك لتخلف الصناعة وارتباط الأسواق العربية بالأسواق الخارجية، وبالتبعية ضعف حوافز قيام السوق العربية المشتركة. ولأن النظام الإقليمي العربي متخلف وعاجز عن مواكبة العصر لا تعكس ممارسات ومواقف صناع قراره تعاطياً موضوعياً مع المتغيرات والمستجدات العربية والإقليمية والدولية. وفي فلسطين والعراق مثالان واضحان.

ففي أعقاب اجتماع وزراء الخارجية أكد أمين عام الجامعة عدم الاستعداد لتغيير مضمون مبادرة القمة، وفي اليوم التالي قال إن التغيير رهن بقرار عربي، فيما ذكرت بعض المصادر أن الوزراء لم يأتوا على ذكر حق العودة بموجب القرار 194 على غير ما اعتادوه.

وفي الأمرين ما يدعو للقلق، خاصة ووزيرة خارجية “إسرائيل” طالبت بإلغاء الإشارة لحق العودة من مبادرة قمة بيروت المراد إحياؤها. وذلك في وقت يعيش فيه صناع القرار الصهيوني السياسيون والعسكريون تداعيات نكستهم في لبنان وخسارة الكيان الصهيوني قوة ردعه التي طالما أرهبت صناع القرار العربي. وما يعنيه ذلك من توفر فرصة تطوير مبادرة القمة لترتقي لمستوى ما أحدثته المقاومة اللبنانية والفلسطينية من تحول في ميزان القدرات والأدوار بحيث لم يبق مختلاً لمصلحة الصهاينة كما كانت عليه الحال سنة 2002، فضلاً عن أنه عندما تقارن مبادرة قمة فاس 1982 بمبادرة قمة بيروت يتضح أن الأخيرة تضمنت تنازلات أكبر ل”إسرائيل” ومطالب عربية أقل. مما يدل دلالة واضحة على القصور المريع عن استثمار انجازات المقاومة ونكسة العدو.

وليس ينكر أن قوات الاحتلال بقيادتها الأمريكية دمرت دولة العراق، وأنها عززت مواقع القوى السياسية المهددة وحدة ترابه الوطني ونسيجه المجتمعي وانتماءه العربي وتفاعله التاريخي مع قضايا أمته. ومع أن ذلك من بعض معالم الواقع العراقي، غير أن المعلم الأول والأهم إنما يتجلى بالحضور الفاعل لقوى الممانعة والمقاومة الوطنية العراقية، التي بشهادة الاستراتيجيين الأمريكيين، وضعت الطموحات الإمبراطورية الأمريكية على شفا جرف.

وبرغم ذلك نجد جامعة الدول العربية تضفي المشروعية على حكومة من جاؤوا في حمى قوات الاحتلال، وتدير الظهر للقوى الملتزمة بتحرير العراق ووحدته وطناً ومجتمعاً، واستعادة سيادته وتأكيد التزامه القومي، في تجاهل تام للمأزق الأمريكي وإبداعات المقاومة.

وبالعودة للواقع العربي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، يتضح أن الشعوب العربية لم تكن مهددة بفتن طائفية، ولا كان للمشاعر دون الوطنية: العرقية والطائفية والعشائرية بروزها المستفز كما هي الحال اليوم. مما يعني في التحليل الأخير أن الأمة كلها، وليس التيار القومي العربي وحده، هي التي خسرت فاعلية الفكر والعمل القومي. في حين لم يستفد من انحسار المد القومي سوى القوى الإقليمية والدولية و”إسرائيل” الطامعة بأرض العرب وخيراتهم المستباحة في غياب الدرع القومية المانعة.

وإن يكن هذا هو الواقع العربي فإن النخب الفكرية والسياسية العربية، المعنية بالحاضر والمستقبل العربي، مسؤولة تاريخياً عن التوعية بخطورة واقع التجزئة، وأهمية إعادة الاعتبار لدعوة العروبة ومطلب التكامل القومي، باعتبارهما الدرع الواقية وسبيل تحقيق مصالح وطموحات أغلبية المواطنين العرب ما بين المحيط والخليج. ودون ذلك ترك الأبواب مشرعة للتحديات الدولية والإقليمية، وإبقاء الأقطار العربية عرضة للتفجرات التي والت التحذير منها تقارير التنمية الإنسانية العربية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال السنوات الأربع الماضية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامواصلت قوات الاحتلال عمليات الاقتحام والمداهمة لقرى ومدن الضفة الغربية، فجر الأحد، وسط عمليات اعتقالات وتصدي...