الجمعة 10/مايو/2024

ظاهرة سياسية.. القياس مع الفارق .. !!

إيمان رمزي بدران

حين تتضارب الأفكار، وتتصارع المبادئ وتتدافع بشكل عجيب ترى مجموعة من الظواهر السياسية والنفسية الملفتة للمراقب من بعيد ، وفي عصر أصبح للإعلام فيه كلمة الفصل ، وأصبح هو الخصم والحكم والشاهد على الحوادث معا وفي آن واحد ؛ تبرز جوانب شتى لشخصية السياسي والإعلامي في مزيج غريب لا ينفك ، فمن الإعلاميين من يمثل فكرا سياسيا وإن أخفى ذلك بعباءة المهنية والموضوعية .

وفي الشأن الفلسطيني برزت ظاهرة نفسية أخذت أبعادها السياسية منذ أشهر وربما لم تبرز من قبل، لأن الواقع السياسي السابق كان عبارة عن عملة من وجه واحد، مهما حاولت أن تسوق نفسها فهي ذاتها بذات العيوب وذات العورات ! و مع اختلاف الواقع السياسي الفلسطيني وبروز معادلات مختلفة لتصبح الساحة الفلسطينية متعددة الأقطاب بعد أن كانت تحكم بالقطب الواحد أصبحت هذه الظاهرة النفسية ذات صدى سياسي وإعلامي لا يمكن إخفاؤه !

وبدأت هذه الظاهرة بالوضوح شيئا فشيئا ، حتى أصبحت سمة واضحة لبعض السياسيين والإعلاميين الفلسطينيين ، ولنعد بالذاكرة منذ بداية أزمة الأموال وحين قام الأستاذ سامي أبو زهري الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس بإدخال الأموال من معبر رفح لأول مرة ، قامت الدنيا ولم تقعد ، وارتفعت هذه الأصوات لتبرز معها  معادلة للقياس عجيبة ، بل ومنقلبة عن منطق سياسي مقلوب ، حيث سمعنا حينها من يقول أنه قام بتهريب الأموال إلى الداخل ! قياسا على من قام سابقا بتهريب الأموال من الداخل !!

وتطورت هذه الظاهرة من الناحية الإعلامية والسياسية لتعمم هذا القياس على كثير من الجوانب ، فمثلا عممت على الناحية السياسية في وثيقة الوفاق الوطني حين ادعت بعض الأطراف أن الوثيقة اعتراف بشرعية الاحتلال في قياس مغلوط بين مسألة التعاطي بإيجابية مع التفاهمات الوطنية وبين التنازل عن الثوابت ، وانسحبت على مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية ، وتحليلات الإعلاميين لتصريح الأستاذ خالد مشعل الأخير حين قال أن إسرائيل واقع ونتعامل معها على هذا الأساس، فقاسوها على ما كان سابقا من التنازل تلو التنازل من القيادات السابقة وهو قياس مع الفارق أيضا .

و ينسحب هذا القياس على الجوانب المالية والإدارية، فأصبح كل من عين من قبل هذه الحكومة محسوب على حزبها، ولو كان انتماؤه مخالفا لها ! قياسا على ما كان يجري من محسوبيات وترهل إداري على مدى العقود الخالية .

وكل هذا لم يكف ، بل وصل التيه والضياع في الفكر والمنهج لدى بعض السياسيين والإعلاميين إلى التشهير الشخصي بالآخرين، لا لجرم فعلوه بل لمجرد كونهم لم يقعوا في ذات المنحدرات الأخلاقية والإنسانية والوطنية كمن سبقهم ، فالقياس مع الفارق يلازمهم أينما حلو وكيفما ارتحلوا !!!.

وليس ما حصل على قناة العربية مع الأستاذ إسماعيل هنية رئيس الوزراء إلا أحدى حلقات هذا المسلسل الهزلي ؛ الذي يحاول البعض من خلاله أن يلصقوا كل مفاسدهم الأخلاقية والدينية والسياسية على غيرهم ، بما يشكل نوعا من الإسقاط النفسي الذي تحول لدى فئة من السياسيين إلى منهج سياسي راسخ ومتبع .

نعم إنها ظاهرة الإسقاط النفسي، فزعيم العصابة يظن الكون عصابات متصارعة، واللص يخال الدنيا لصوصا تسرق بعضها، والكذوب لا يثق بكلام أحد، والفاسق المنحل يحسب كل الناس مثله، وصدق فيهم قول القائل: ” رمتني بدائها… وانسلت” !!!

وأجدى الطرق لذلك إنما يكمن في الوعي الكامل لما نسمعه في وسائل الإعلام، وتشجيع الإعلاميين المهنيين الذين يهمهم نشر الحقيقة والتنوير بما تتعرض له قضيتنا من مخاطر جمة ، ومنعطفات خطرة ينبغي التوقف عندها مليا ، والتبصر بالعواقب والنظر بروح وطنية شاملة وأخلاقية عالية والترفع عن لغط القول والتشهير غير المبرر ، وسد الطريق على المتربصين بقضيتنا وثوابتنا ، وكشف زيفهم ، وإزالة الغشاء عن مهاتراتهم وألاعيبهم ، ومن ثم السير يدا بيد وكتفا بكتف نحو المستقبل .
 
* عضو رابطة أدباء بيت المقدس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات