الجمعة 10/مايو/2024

لا بد من خارطة طريق فلسطينية

أ.د. محمد اسحق الريفي

ازدادت قناعة الأمريكيين والأوروبيين بضرورة الإسراع في البحث عن حل للصراع العربي الصهيوني الذي يشكل أهم عوائق إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفقاً للرؤية الأمريكية، ويسود الاعتقاد في أوساط الصهاينة بأن المناخ الدولي مهيأ لتسوية القضية الفلسطينية، خاصة أن الدول العربية “المعتدلة” لديها رغبة ملحة في مثل هذه التسوية، لذلك ستشهد الأيام المقبلة جولات جديدة للتسوية لم يتهيأ الفلسطينيون لخوضها ومواجهتها.

كل حلول التسوية التي طرحت منذ العام 1993م لتسوية القضية الفلسطينية، بما فيها اتفاقيات أوسلو وخارطة الطريق، كانت تهدف إلى إقامة نظام حكم ذاتي فلسطيني تقتصر مهمته على إدارة حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وقد تضمنت المراحل الأولى لتلك الحلول شروطاً تقتضي وقف المقاومة الفلسطينية قبل البدء في تنفيذ المراحل التالية، مع تأجيل القضايا الجوهرية الأساس إلى المراحل النهائية لحلها من خلال مفاوضات يكون فيها الطرف الفلسطيني الأضعف.

فالمقصود من حلول التسوية المطروحة أن يتخلى الشعب الفلسطيني عن مقاومته ويتجرد من كل أسباب القوة والصمود في وجه الاحتلال، حتى إذا ما حان وقت بحث القضايا التي تمثل جوهر القضية الفلسطينية ولب الصراع مع الاحتلال؛ دخل الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات المرحلة النهائية ضعيفاً لا يملك ما يضغط به على الاحتلال، فتضيع الحقوق الفلسطينية…

كما اشترطت كل الحلول المطروحة على سلطة الحكم الذاتي المنبثقة عنها إثبات ولائها الكامل لكيان الاحتلال من خلال كبح المقاومة الفلسطينية وحفظ أمن كيان الاحتلال الصهيوني، كما تقتضي تلك الحلول على السلطة الفلسطينية إثبات قدرتها على السيطرة الكاملة على الشعب الفلسطيني والأخذ بزمام أمره في الاتجاه الذي يحدده الاحتلال والمجتمع الدولي.

وقد دأب الاحتلال في كل مرة على خرق الاتفاقيات المعقودة بينه وبين منظمة التحرير الفلسطينية والتنكر لتعهداته والتزاماته تجاه السلطة الفلسطينية بذريعة عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وعجزها عن السيطرة على الشعب الفلسطيني، وفي أحيان كثيرة لجأ الاحتلال إلى تصعيد التوتر باعتداءاته واجتياحه وتوغله المتكرر للمدن والقرى والبلدات الفلسطينية لسد الطريق على المراحل التالية للحلول المطروحة.

وحيث أنه بات من المؤكد للجميع استحالة القضاء على المقاومة الفلسطينية ما لم يتم القضاء على الاحتلال، فإن الحكمة تستوجب على قوى الشعب الفلسطيني وفصائله وضع خارطة طريق فلسطينية تستجيب للطموحات الفلسطينية وترفض الانجرار وراء إملاءات المجتمع الدولي وخارطة الطريق الأمريكية وغيرها من الحلول المطروحة لتصفية القضية الفلسطينية.

ويعزز هذا الاتجاه أن الإدارة الأمريكية والأطراف الدولية الأخرى المشاركة في اللجنة الرباعية تسعى إلى الانتقال إلى البحث في تفاصيل الوضع النهائي وحل القضايا الجوهرية، كوضع القدس، واللاجئين، والاستيطان، والأمن، والمعابر والحدود، وذلك بعد إعلان مبادئ للتسوية في خلال ستة أشهر كما صرح بذلك افرايم سنيه نائب وزير الحرب الصهيوني عمير بيرتز، بحسب ما ورد في صحيفة الجيروزالم بوست.

وما جاء رفض رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، السيد محمود عباس، للحلول المؤقتة، خلال مؤتمر صحفي بمشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية رايس في رام الله الأسبوع الماضي، إلا تمشياً مع التوجه الدولي وتوجه حكومة الاحتلال، رغم أن السيد عباس حاول أن يستغل تصريحه في تسجيل موقف إيجابي لاستعطاف الشعب الفلسطيني وإظهار الحرص على مصالحه العليا!!

لذلك لا بد لكل الفصائل والقوى الفلسطينية الفاعلة والشريفة أن تعد العدة للتصدي للجولات الجدية التي تهدف إلى إنهاء القضية الفلسطينية، وذلك بتصليب الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتوحيد الصفوف والمواقف، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وعدم التفريط بالثوابت، وعدم التنازل عن الحقوق، والعمل على استمرار المقاومة طالما استمر الاحتلال.

ومع أن وصول حركة المقاومة الإسلامية «حماس» إلى الحكم والسلطة كان من الممكن أن يصبح عامل قوة وورقة ضغط بيد السلطة الفلسطينية لرفع سقف المطالب الفلسطينية والضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي؛ قامت هذه السلطة، جرياً وراء حسابات فئوية ضيقة وتساوقاً مع مشاريع الاحتلال والمجتمع الدولي، بشق الصف الفلسطيني وتقزيم القضية الفلسطينية وإشعال الساحة الفلسطينية بصراعات دموية داخلية أدت إلى إضعاف الموقف الفلسطيني بدرجة كبيرة.

ولم يتوقف ذلك الانزلاق الخطير عند هذا الحد من التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني وطموحاته، بل ساهمت السلطة وتيارها الانقلابي الذي وصفه هاني الحسن بالتيار المتأسرل في الحملة الأمريكية والصهيونية الرامية إلى تشويه صورة المقاومة الفلسطينية والتشكيك في نواياها وأهدافها، كما أنها ساهمت، من خلال مشاركتها في الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية، بفاعلية في توهين صمود الشعب الفلسطيني وسد الطريق أمام برامج الإصلاح…

ويبدوا أن السيد محمود عباس ما هو إلا موظف لدى اللجنة الرباعية تقتصر مهامه على محاولة إجبار الحكومة الفلسطينية على الانصياع لشروط الرباعية ومطالبها الجائرة بحق شعبنا ونضاله وتضحياته، ولم يأل السيد عباس جهداً في محاولة الالتفاف على خيار الشعب الفلسطيني لإنجاز المهام الموكلة إليه، ضارباً بعرض الحائط التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا ومعاناته وطموحاته، ومتجاهلاً مطالبه بالإصلاح وإنهاء حالة الفلتان الأمني ومعاقبة المفسدين.

لا يوجد أمام الشعب الفلسطيني سوى وضع خارطة طريق فلسطينية للخروج بموقف موحد يحافظ على الحقوق والثوابت، وأول خطوة في هذه الخارطة هي تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس وثيقة الوفاق الوطني ووضع برنامج ممانع ومقاوم لكل محاولات إنهاء القضية الفلسطينية، ثم يأتي بعد ذلك خطوة حاسمة تتمثل في تمكين الحكومة الفلسطينية من إنجاز برامجها للإصلاح ومساعدتها على فرض القانون والنظام والتصدي للفلتان ومحاسبة المفسدين ومعاقبتهم قضائياً، وهذه الخطوات كفيلة بكسر الحصار عن الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده في وجه الاحتلال.

بغير هذا سيجد الطرف الفلسطيني نفسه عاجزاً عن المطالبة بحقوقه أمام تغول الاحتلال المدعوم دولياً، وبغير هذا سيثبت الشعب الفلسطيني أنه يلدغ من جحر واحد مرات ومرات!!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات