عاجل

الإثنين 13/مايو/2024

الظاهر و الباطن في استطلاع رأي اللاجئين 2003

الظاهر و الباطن في استطلاع رأي اللاجئين  2003

منذ فترة و الجدل دائر حول الاستطلاع الذي تم من أجل استطلاع آراء اللاجئين حول قضايا الحل الدائم ، حيث انقسمت الآراء و المواقف حول الاستطلاع فهناك من ينادي بضرورة التروّي و التفكير بالنتائج التي خلص إليها على اعتبار أن المركز و مديره مشهود لهما بالكفاءة العلمية البحثية و هم أهل “مكة” في هذا المضمار ، و هناك من يشكّك و يذهب إلى اتهام القائمين على الاستطلاع بالتزوير و التضليل ، و محاولة إرضاء أطراف و مواقف سياسية ، على اعتبار أن هذا الاستطلاع ما كان ليكون لولا أُريد له مثل هذه النتائج .

الموضوع يرجعني إلى “بيار بورديو” و ما كان يقوله و يكرّره دائماً في مؤلفه حرفة عالم الاجتماع من أنه “بقدر ما لا يوجد تسجيل كامل الحياد فإنه لا يوجد أيضاً سؤال محايد” ، و بالتالي الباحث الذي لا يخضع أسئلته للاستجواب العلمي فإن تحليله للأجوبة لن تكون حيادية و ستبدو مشوّهة تماماً كما أراد حين قام على نحو مقصود بتشويه الأسئلة ، و بالتالي فالاستطلاع و الجدل الدائر حوله يطرح و بجدية ضرورة التفكير بالأسئلة و صياغتها و هل حقاً أُجري عليها تدقيق منهجي حيادي ، أم أُريد لها أن تصاغ بهذا الشكل لتقود المبحوث من حيث لا يدري إلى بحر متلاطم من الأجوبة التي ستلتصق به ، و هنا لا بد من الإتيان على ملاحظات حول الاستطلاع و ما جاء به ليس من باب التخوين أو التكفير ، و لكن من باب الأمانة العلمية التي تحتم على كافة الباحثين الفلسطينيين التمعن و النظر بشكل دقيق للاستطلاع و مستوياته المختلفة و كافة مراحله نتائجه .

1) التمويل : من حقّنا كباحثين و كلاجئين أن نستفسر عن مصادر التمويل ، و هل حقاً أن هذه المصادر حيادية أم أن لها أجندة خاصة و رؤية خاصة لكيفية حل موضوع اللاجئين ، فشخصياً شاركت بأكثر من بحث أثناء دراستي و بعدها هنا فلسطين ، و في دولة الدراسة تونس ، و كنت أشاهد وقاحة الممول و هو يفرض شكل الأسئلة التي بالضرورة ستفرض نوعية الإجابات ، فهل حدث هذا في استطلاعنا موضوع النقاش ؟ لا أحد يمكن أن يجيب عن السؤال أفضل من الأسئلة نفسها و نتائجها ، و لا تحتاج أي استمارة إلى الكثير من الحذلقة لمعرفة إن كانت تروّج الأفكار أم هي حيادية أم موجّهة من أطراف أخرى ، و الجدل هنا يجب أن يتسع لا ليتم نقاش موضوع اللاجئين فقط بل النقاش يجب أن يطال علمية العلم و هل هناك صرامة و رقابة منهجية على الأبحاث التي تجرى في مجتمعاتنا و حولها و بالتالي على كل المهتمين أن يعيدوا قراءة الاستبيان بتمعن .

2) تمثيلية العينة : الاستطلاع تم في كلّ من الأردن قطاع غزة و الضفة الغربية و لبنان ، و يتحدث الاستبيان في أحد ملاحقه أن عدد اللاجئين هو الرقم المسجل لدى الأونروا و البالغ 4025684 و الموجودون في الأقاليم الأربعة التي تمثّل أماكن عمل الأونروا ، و لكن أين ذهب أصحاب الإقليم الرابع “سوريا” الذين لم يمثلوا في الاستطلاع ؟ ، و ما هو مصير اللاجئين في العراق و مصر و الخليج و أوروبا و الولايات المتحدة و أمريكا اللاتينية و كافة أماكن الشتات الفلسطيني ، إن الحديث في الاستبيان يدور على أن اللاجئين هم زهاء أربعة ملايين لاجئ في حين أن الحقيقة أن اللاجئين هم أكثر من سبعة ملايين ، كيف لنا أن نتحدث عن عينه ممثلة مهما كانت التقنيات المستخدمة في اختيارها و نحن نلمس استثناءً لأعداد هائلة من اللاجئين من كونهم لاجئين ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى لماذا أُعطي اللاجئين نسباً متساوية من حجم العينة في كلّ من فلسطين و الأردن و لبنان مع العلم بأن نسبهم مختلفة و متفاوتة من المجموع العام لعدد اللاجئين فهم على التوالي 38 % ، 42 % ، 10 % كما جاء في إحصائية الأونروا للعام 2002 بالتالي من الضروري أن يكون تمثيلهم بالعينة يعكس تمثيلهم بالنسبة للعدد الكلي للاجئين المسجّلين على أقل تقدير إن تعذّر الحصول على العدد الكلي للاجئين في كافة أنحاء العالم .

إضافة لكل ما سبق فقد تم إسقاط اللاجئين داخل الخط الأخضر المعروفين باسم أبناء القرى المهجرة ، و لم نلحظ أي تمثيل لهم داخل العينة ، و هي محاولة تنسجم و تتماشى مع الموقف (الإسرائيلي) حول رفض التطرق لهم باعتبارهم يعيشون ضمن الدولة (الإسرائيلية) ، و باعتبارهم شأن داخلي (إسرائيلي) .

هذا الضعف في التمثيل أساسي يجعلنا نقف ملياً أمام أعداد الأفراد المبحوثين في الضفة الغربية على سبيل المثال و البالغ عددهم 482 ، و نتساءل كيف تم إغفال النظر لمخيمات كبلاطة و العين و نور شمس و الفارعة و عقبة جبر و بيت جبرين و عسكر الجديد و قدورة و غيرها من المخيمات غير المعترف بها من قبل وكالة الغوث ، فنجد أحياناً أنه تم أخذ ثلاث مخيمات من نفس المحافظة ، و أحياناً لم يتم النظر لسكان المخيمات في محافظة كاملة كجنين ، و أحياناً أخرى لم يتم النظر للاجئين سكان المدن تماماً كما حدث مع أريحا ، لا أدري كيف تمت القرعة أو اختيار العينة العشوائية المنظمة ، و أيضاً بالنسبة للمبحوثين تم الإعلان عن أن المبحوث هو رب الأسرة أو من ينوب عنه ، فلماذا لم يبرز لنا الاستطلاع متغيرات العمر و الجنس و المستوى التعليمي لدى المبحوثين ، إن هذه المرونة حول من هو المبحوث و فكرة الإنابة و عدم التحديد العمري و الجنسي و التعليمي ، و بناءً على التجربة العملية تجعل من الباحث الميداني يستسهل و تترك له هامشاً ليختار من يقوم بالإجابة على الاستبيان ، عدا كون العينة من حيث الحجم صغيرة جداً ، فمثلاً على مستوى التجمع السكاني كيف يمكن لعشرة أفراد أن يعكسوا ميولات و مواقف الآلاف من البشر ، و كيف يمكن أن تقنع اللاجئين في المخيمات التي لم تكن جزءً من العينة بأن عدم تمثيلهم في جاء محض صدفة عشوائية قررتها الطريقة و المنهج ، في حين أن قرى تحتوي على عشر لاجئين كقرية تل تم اختيار جميع أفراد اللاجئين فيها ليصبحوا أفراد في العينة .؟!!

3) اقتراح طابا : البحث يسعى و على نحو محموم لجس النبض و عمل ما يمكن تسميته بالديمغوجيا أو أدلجة و بث ثقافة أو اقتراحات جديدة ، فالبحث مبني على اقتراح سياسي يتم الترويج له و هو ما يعرف باقتراح طابا ، ففي مفاوضات طابا 2001 قدّم الجانب الفلسطيني اقتراحاً للحل و الذي يشمل على رؤية و آليات للحل ، و قد قدّم الجانب (الإسرائيلي) رداً غير رسمي على المقترح الفلسطيني و الذي يحمل في طياته الكثير من المغالطات و التجاوزات لحقوق اللاجئين ، والاستطلاع يتبنى من حيث الصياغة و المضمون الرد (الإسرائيلي) و يحاول أن يجد لهذا الرد موطئ قدم في ذهنية اللاجئين المبحوثين ، و كان من باب الحيادية و العلمية أن يتم الإعلان في مقدمة الاستطلاع من أنه استطلاع يهدف لقياس مواقف اللاجئين من المقترحات (الإسرائيلية) المقدمة في طابا بشكلٍ غير رسمي .

4) فكرة تبادلية الأراضي : الاستطلاع يحاول و بشكلٍ ملفت للانتباه  التحايل على طموحات اللاجئين عبر طرح فكرة “هل ترغب بالعودة إلى أراضي في 48 و التي سيتم مبادلتها لتصبح جزءاً من الدولة الفلسطينية ، و هذه الصيغة المبهمة جعلت النسب في التعاطي مع هذه السؤال عالية نوعاً ما ، رغم أن اللاجئين في هذا السؤال تم التغرير بهم فهم لا يعرفون معنى التبادلية في الأراضي و ربما ظن الكثير منهم أنهم سيعودون إلى مناطق قريبة من يافا و الرملة و الناصرة و قريبة من قراهم و أراضيهم ، أو ربما ظنوا أنهم سيعودون إلى أراضيهم مباشرة و من ثم سيتم تحويلهم خلال العملية التبادلية إلى الدولة الفلسطينية ، و لم يدركوا بأن المقصود بهذا الأراضي المعروضة للتبادل هي أراضي صحراوية قرب الحد الجنوبي لقطاع غزة ، و التي تختلف قيمتها المادية و الجغرافية و التاريخية ، فهي أراضي جرداء مقترح مبادلتها بأراضي بمنتهى الأفضلية كالتي يقام عليها تجمع المستوطنات المحاذية “لمستوطنة أرائيل” .

5) هل العودة هي للأرض التي طرد منها اللاجئين أم أنها عودة للدولة الفلسطينية ؟ : العودة للدولة الفلسطينية هي للذين نزحوا عام  1967، و لكن عند الحديث عن لاجئين منذ العام 48 و الذين يجري اقتراح حلول لمشكلتهم في الانتقال للدولة الفلسطينية كحلّ دائم فهذا يسمى توطين أو دمج أو إعادة توطين ، و لا يمكن أن يطلق عليه عودة ، فالعودة هي للأرض و البيت و مصدر الرزق التي طرد منها اللاجئ عام 48 ، و لكن الاستطلاع يحاول أن يخلق نوعاً من ثنائية العودة و كأن الانتقال للعيش داخل الدولة الفلسطينية يوازي شرعياً وقانونياً “العودة” للبيت في أرض  48، و كان الأجدر عند طرح السؤال أن يتم كالتالي : “هل ترغب بالعودة إلى مناطق 48 أم ترغب بالتوطين أو الانتقال في الدولة الفلسطينية ؟” ، إن التلاعب بالمفاهيم كما أعلنا منذ البداية قد يقود أو بالضرورة سيقود إلى إجابات مغلوطة و لا تعكس طموح اللاجئين و لا رغباتهم و لا مشاعرهم ، هذا بالإضافة إلى أن الاستطلاع يمارس نوعاً من العنف الرمزي اتجاه اللاجئين فهو يحاول تنفير اللاجئين من العودة إلى أراضي عام 48 و على نحو ملحوظ تقول الأسئلة للاجئ إنك إن عدت هناك فسوف تحمل الجنسية (الإسرائيلية) و الهوية و تخدم في الجيش و يطبق عليك القوانين (الإسرائيلية) و تقيم في دولة يهودية .

و يلاحظ أن الاستطلاع و طوال مدة الأسئلة يطغى عليه الميل نحو معالجة كافة الموضوعات التي قد تنشأ في حال قبول اللاجئين بالانتقال للدولة الفلسطينية و تسعى الأسئلة لمعالجة قضايا السكن و المستوطنات كمكان بديل و التعويضات ، و قد تم إغفال معالجة القضايا التي قد تنشأ بالضرورة عن عودة اللاجئين إلى مناطق 48 ، فلم نلحظ أي سؤال أو خيار هل ستعود للمدن و القرى الموجودة أم ترغب بمدن جديدة مخصصة للعائدين في مناطق 48 .

و المبكي المضحك في هذا الاستطلاع هو أنك تقرّر سلفاً أن العودة للأراضي عام 48 هي عودة جزئية ، و لكن في نفس الوقت تخيّر اللاجئين ، و هذا تناقض بنيوي على مستوى الحل و الاقتراح و انعكس في الاستطلاع و في تحديد الأجوبة ، و كل ما بنيَ عليه من إجابات هي أوهام ، فأنت قرّرت سلفاً فلماذا هذا التخيير .

6) تغييب العلاقة الوثيقة ما بين العودة و التعويض كحقّين متلازمين : فالاستطلاع يستبعد احتمالية العودة مع التعويض و هو يقرّر سلفاً إما عودة أو تعويض ، و في أحسن الأحوال توطين و تعويض ، فلم نلحظ أي خيار يتحدث عن أن اللاجئين الذين سيعودون إلى بيوتهم عام 48 سوف يعوّضون ، و الاستطلاع يظهر التعويض و كأنه عن الممتلكات و الأراضي في حين أن التعويض يتجاوز هذا الفهم إلى مستويات متعددة ، فهو تعويض عن الأضرار النفسية و الألم ، و عن الفرصة الضائعة و عن عدم استغلال الأرض طيلة السنوات التي كان اللاجئ فيها لاجئاً ، و هو تعويض عن البيوت و الممتلكات المدمرة .

و الاستطلاع يطرح موضوع التمثيل و هو قضية قانونية شائكة تفوق قدرات اللاجئين عن فهم أبعادها ، فعادة المفوضية اللاجئين هي التي تقوم بتمثيل اللاجئين حول العالم ، و لكن في الحالة الفلسطينية هناك شيء مختلف فهناك جدل كبير على المستوى القانوني حول الموضوع ، و لكن سياسياً تم حسم الموضوع باعتبار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد .

و يثير الاستطلاع تخوّفات من مدى قدرة فهم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات