الخميس 09/مايو/2024

أما آن للإضراب أن ينكسر ؟!

لمى خاطر

 

شهران كاملان مرا على بدء ذلك الإضراب الأسود الذي شل مفاصل الحياة الفلسطينية الأساسية ممثلة بالتعليم والصحة، وكانا كافيين جداً ليدرك المرء حجم الاستهتار وانعدام المسؤولية الوطنية لدى أولئك الذين لم يتورعوا عن المقامرة بمستقبل الأجيال وحياة المرضى وعن توظيف الإضراب كأداة ضغط تضاف إلى الضغوطات الخارجية التي لا تعد ولا تحصى والتي لا تستهدف كلها سوى تجفيف آخر رمق من الإرادة الفلسطينية وتحويل شعبنا كله إلى قطاع من المتسولين لا يتوانى عن تقديم أي مقابل لقاء لقمة خبزه.. !!

 وقبل أن يتنطع الانقلابيون للتشدق بكذبة حرصهم على حقوق الموظف وقبل أن يجعلوا من أنفسهم ضحايا (التخوين والتكفير).. تلك الكذبة السمجة التي أطلقوها ثم صدقوها ولم يملوا من اجترارها.. قبل كل ذلك نود أن نسألهم ما يلي:

أي منطق هذا الذي يبيح لكم أن تهدموا مستقبل جيل بأكمله مقابل مصالح حزبية رخيصة لا يختلف منصفان على حقيقتها؟!

لماذا تتعامون عن حقيقة المطلوب من الحكومة لضمان وصول الأموال إليها كما كانت تصل لسابقاتها؟! وكيف يمكن تفسير ذلك التناقض الفج الذي تغوصون فيه حين تدعون أنكم لا تطالبون الحكومة بالاعتراف بإسرائيل (لحفظ ماء وجوهكم ليس إلا ) ثم تتناسون أن مطالب الرباعية تنص بوضوح على أنها لن تتعامل إلا مع حكومة مفصلة تماماً على المقاس الصهيوأمريكي ومجردة من كل الصفات الوطنية ؟!

لماذا تغفلون حقيقة أن إسرائيل هي من تحتجز الأموال الفلسطينية وليست الحكومة؟! وفي المقابل لماذا لم نشاهد لكم تحركاً واحداً ضد إسرائيل (ولو من باب رفع العتب) أو ضد مؤسسات المجتمع الدولي وأمريكا؟! بل لماذا تغضون الطرف عن دور الرئاسة التي تتحرك بكامل حريتها، وتبيح لنفسها أن تذعن لأمريكا ومحاصري شعبنا بينما تتنكر للحكومة وتقلب لها ظهر المجن؟!

كيف يمكن أن يتصور عاقل أن العالم سيرفع حصاره الظالم عن شعبنا في الوقت الذي ظفر فيه بفئة داخلية حملت على عاتقها (مسؤولية) الضغط على الحكومة وتخريب الحياة اليومية وتعطيل مصالح الناس أملاً في دفع الحكومة إلى الرضوخ أو السقوط ؟!

كيف يغيب عنكم أن حراككم المشبوه لا يأتي إلا في سياق التماهي مع المخططات الصهيونية والأمريكية بعد أن صرتم أداة طيعة في يد أمريكا..! كيف لا؟ أوليست أمريكا من تسيل لكم الملايين لكي تسند بها قوامكم في مواجهة حماس؟

أوليست أمريكا من تبدي قلقها من تراجع مكانة (الرئيس) وتحث إسرائيل على معاونته، وتفتح لرجاله المعسكرات التدريبية ؟!

أبقي بعد كل ما جرى ويجري يومياً شك في خلفيات الإضراب وأبعاده وكيف أن القائمين عليه استغلوا حاجة الموظفين أبشع استغلال لدفع الأمور الداخلية نحو الهاوية ؟!

 وأية هاوية أعمق من تعطيل قطاع التعليم الذي يفترض أن يظل محافظاً على استمراريته حتى في أصعب الظروف ورغم كل العوائق وأن يبقى بعيداً عن أية تجاذبات سياسية ؟!

أي وضع ماساوي أقسى من رؤية الطلاب مشردين في الشوارع ومن إيجاد هوة بينهم وبين التعليم، ومن دفعهم نحو التسيب وعدم الانضباط؟!

ألا تكفي حالة الانفلات وغياب القانون التي هي في الأساس صنيعة الأيدي المشبوهة نفسها التي تحرض الآن على تصعيد الإضراب وتصد أية محاولة لتجاوزه، وتحميه بقوة السلاح خاصة في مدن الضفة حيث تتحرك تلك المجموعات السوداء تحت سمع وبصر الاحتلال بل وبمباركته أيضاً..!

فأي شيء أحب على قلب الاحتلال من رؤية تلك العصابات التجهيلية القميئة تعيث في المؤسسات فساداً وتحقق لإسرائيل حلمها بتجهيل أبناء فلسطين والمساهمة في إسقاط أي نظام لا يوافق المقاس الصهيوني المطلوب ؟!

ولكن العتب ليس على هؤلاء.. ليس على من ارتضى لنفسه أن يصبح أداة لإسرائيل ومطية لأمريكا..

بل على بعض المعلمين الذين ساهموا في إنجاح الإضراب ووصوله إلى ما وصل إليه، ولم يستشعروا منذ البداية حجم الخطر الذي يتهدد مستقبل جيل بأكمله..

فبعض المعلمين للأسف وجدها فرصة مناسبة للتخلص من هموم التدريس، وبعضهم انكفأ على مصلحته الخاصة، أما من استمر في دوامه في المدارس فلم يملك أن يغير كثيراً، وحين نجحت مؤخراً بعض المدارس في استئناف مسيرتها بجهود معلميها وإرادتهم واجهتهم إشكالية غياب قسم من الطلبة من جانب أو إرهاب العابثين وإجرامهم من الجانب الآخر..!

الخطر الذي يجتاح فلسطين ويهدد مستقبل أبنائها أخطر مما نتصور، وإن كنا عند أول أزمة وعند أول امتحان كبير قد سلمنا قيادة الدفة لفئة غير مسؤولة وخضعنا لمنطق العصابات فماذا يا تراه سيكون الحال عند مواجهة امتحانات قادمة أمر وأقسى؟!!

سؤال كبير بحجم المأساة.. والإجابة عليه تتطلب أولاً يا حكومتنا ويا كل شرفاء فلسطين إدراك أن معركة الصمود المريرة لا تتطلب فقط القدرة على التحمل حتى آخر رمق، بل العمل بموازاة ذلك على الإمساك بزمام المبادرة وعلى اجتراح كل الوسائل التي تدعم الصمود وتعزز ثقافته وتحول دون ترك الوطن نهبة لهوى المفسدين ولعبث عصاباتهم..

نعرف أن الأمر ليس بالهين وخاصة في الضفة حيث يستقوي المخربون بالاحتلال، ولكن لا بد من التكاثف مع كل الحريصين من أبناء شعبنا وخاصة في ظل تنامي القلق لدى الأهالي من استمرار هذه المأساة، ولا بد من تصعيد حالة إصرار مضادة تكون كفيلة بإعادة المياه إلى مجاريها وقطع الطريق على كل من لم يألف إلا التحرك وفق مصالحه الحزبية ومنفعته الشخصية، فقد آن لهذا الوباء الذي ترعرع على الفساد حتى استشرى في مفاصل شعبنا ومؤسساته أن يجابه بعلاج حاسم لكي نضمن الخلاص منه إلى الأبد !

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

هل أوقفت واشنطن تزويد إسرائيل بالأسلحة؟

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام بتصريح علني لافت، خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن الراعي الأول لحرب الاحتلال الدامية على قطاع غزة، يعلن فيه أن بلاده لن...