الثلاثاء 21/مايو/2024

وماذا بعد الاجتراء على المسجد الأقصى ؟

وماذا بعد الاجتراء على المسجد الأقصى ؟

ماذا بعد الاجتراء على المسجد الأقصى ؟

 ماذا بعد الاجتراء على المسجد الأقصى كي ندرك حجم التحدى لهذه الأمة الذي يمثله الصهاينة والأمريكان وكي ندرك أننا لسنا على  مستوى المسئولية وأن  موقفنا فى مصر وعدد آخر من البلدان العربية والإسلامية  يغضب الله ، ومن نكون نحن حتى نستطيع أن نتحمل غضب الله سبحانه وتعالى .

ما حدث يوم وضع حجر الهيكل من المفترض أن يكون علامة فارقة ، فقد قررت  محكمة “إسرائيلية” عليا بحق اليهود فى وضع حجر أساس الهيكل فى حرم المسجد الأقصى . ورغم أننا لانحترم ولانعترف بالكيان الصهيونى ولا بمحاكمه ، ولكن إصدار هذا الحكم يكشف الموقف “الإسرائيلي” من هذه القضية المركزية لكل من عمت بصيرته، فقضية هدم الأقصى وبناْء الهيكل الذى يسمونه هيكل سليمان ، وسليمان منه براء ، لم تعد مسألة  جماعات يهودية متطرفة ، وإنما أصبحت الموقف الرسمي للكيان الصهيونى.

لقد حمى الأقصى الفلسطينيون بأجسادهم واضطر اليهود الى وضع الحجر بصورة رمزية أمام المسجد الأقصى وسحبه وسقط سبعون جريحا فلسطينيا وأصيب 12 جنديا صهيونيا فى معركة الشرف والفداء ولولا ذلك لتم تثبيت حجر الأساس داخل الحرم ذاته. ولكن من قال لكم أيها المسلمون أنكم يمكن أن تهنئوا بهذه النهاية المؤقتة . إن المسجد الأقصى ليس مسئولية الفلسطينين فحسب ، إنه مسئولية  كل المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها ومسئولية مسيحيي الشرق الذين يعادون الصهاينة والذين تتعرض مقدساتهم لنفس التهديدات فى القدس وفلسطين .

العدوان على الأقصى لن يتوقف ، والعدوان على فلسطين مستمر منذ قرن من الزمان …. فلسطين التى وصفها القرآن الكريم بأنها الأرض المقدسة .. أرض الأنبياء..

فلسطين التى شاء الله أن تكون مركز الكرة الأرضية.. فى دائرة واحدة ممتدة من الحرم المكى الى الأقصى. “سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذى باركنا  حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ” صدق الله العظيم

الفلسطينيون بحكم وجودهم على هذه الأرض هم فى خط المواجهة الأول.. وهم  مأمورون بالدفاع عن الأقصى.. ولكن هذا لا يعفي باقي المسلمين.. و المسئولية الدينية تبدأ بالأقرب فالذي يليه حتى نصل الى الفلبين شرقا و المغرب غربا ..  بل وحينما يوجد مسلم فى أي بقعة على الأرض. ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار  وليجدوا فيكم غلظة ) وبالتالى فإن مسئولية المسلمين الملاصقين لفلسطين هى المسئولية الأولى .. وقد ذكرت ذلك مرارا من قبل .. ولكن كلما حمي الوطيس في الأرض المقدسة .. كلما رأيت من واجبي ان أعيد التذكير بهذا المعنى القرآنى الجازم.. (وذكر فإن  الذكرى تنفع المؤمنين) و المسألة ليست مسألة حجر أساس يوضع لبضع دقائق .. ثم يتم سحبه تحت  الضغط الجماهيرى الفلسطينى .. نحن أمام اعتداء على كل فلسطين.. بهدف  تفريغها من اهلها .. بوضعهم فى حالة من الجحيم المستمر .. و النزيف المتواصل .. فإما أن يرحلوا .. وإما ان يقبلوا بحياة الذلة و المسكنة.. وأن يكونوا  مجرد خدم – حاشا لله – لليهود .. وقد اختار الشعب الفلسطيني خيار الإيمان و العزة و الكرامة .. واخترنا نحن خيار الذلة و المسكنة .. وهذا لا يجوز شرعا ،  لأن القرآن الكريم لم يفرق بين المسلمين .. فالمسئولية واحدة و متساوية بشكل  تضامني  .. فما معنى أن يكون هناك أكثر من مليار و ربع مليار مسلم يهتفون  ” الله أكبر” بينما يتحكم فى مصائرهم 15 مليون يهودي .. ما موقع هؤلاء المسلمين من عقيدتهم و دينهم و الحال هكذا ؟!

ولكن المسئولية كما ذكرت يمكن أن تتفاوت من حيث الموقع المكانى .. وعلى  سبيل المثال يقول العراق: أعطونى منفذا لمواجهة “إسرائيل” .. فيجب ألا يسخر  أحد من ذلك .. ولكن يعلن المحيطون بفلسطين موافقتهم على ذلك .. حتى يبرئوا  ذمتهم أمام الله .. كما أن للعراق سوابق فى أنه فعل ذلك من قبل.. وشارك فى  الحروب مع الكيان.

أعني أن المواقع الملاصقة لفلسطين لابد أن تكون مراكز جهادية .. حتى يمكن  أن تستقطب القوى الجهادية للأمة بأثرها وتقيم الحجة على المسلمين جميعا ..

طالعت ببالغ الأسى تقريرا اقتصاديا عن البنوك الإسلامية و أن قيمة رؤوس  الاموال التى تديرها مابين 150-200 مليار  ، بينما ذكر الراحل فيصل الحسينى أن الدفاع عن القدس لا يحتاج إلا لخمسين مليون دولار سنويا.. وتنفق الدول العربية عشرات المليارات من الدولارات فى شراء أسلحة لا  تستخدم .. ومع ذلك يعانى أهلنا فى فلسطين من الفاقة.. ويعاني جهادهم من نقص  التمويل .. وتعانى جيوش دول المواجهة من النقص فى السلاح المتطور .

نحن لا تنقصنا الإمكانيات المالية أو المادية أو البشرية .. لمواجهة هذا الكيان  القزم ، فهو ليس كيانا عملاقا ، إلا بتخاذل حكام المسلمين و استكانتهم ، إن كل  الإمكانيات الصهيونية العالمية و الولايات المتحدة .. لا تكفي لحماية هذا الكيان  إذا نحن عزمنا أمرنا على المواجهة الجادة .. ويكفى أننا نملك فى الصفوف  الأمامية هذه القنابل البشرية المتجولة .. المستعدة فى كل لحظة للاستشهاد فى  سبيل الله .. وحتى لا نعمم الإدانة و التقريع .. فلابد أن نؤكد أن سوريا تقوم  بواجبها فى حدود إمكانياتها .. وكذلك لبنان .. خاصة حزب الله المجاهد ..

وكذلك إيران .. و العراق .. ويتجه الموقف السعودى الى مزيد من التصلب أما العقدة فكانت ولاتزال فى الموقف الرسمي المصري..

الموقف الإسلامي الشرعي مما يجري على أرض فلسطين  .. يعنى إعلان الجهاد رسميا ضد الكيان الصهيونى .. وهناك فرق بين إعلان الجهاد و تحديد  لحظة الحرب .. علما بأن الحرب يمكن أن تفرض علينا فى أي لحظة .. إعلان  الجهاد يعنى تعبئة الأمة لمواجهة الكيان العدوانى الذى لا يعرف إلا لغة القوة..

وهذا يعني:

قطع العلاقات مع الولايات المتحدة و الكيان باعتبارهما دولتين معاديتين  محاربتين للأمة .

إعادة الأمة الى خط سيرها الطبيعى بإعادة التعبئة المعنوية و الثقافية و الإعلامية و التعليمية للشعب .. على أساس انتمائنا لمصر و العروبة و الإسلام  وليس على أساس الشراكة الأوروبية أو العولمة الامريكية .

وهذه القرارات او التوجهات او السياسات العليا اخطر و اصعب من قرار الحرب .. ولكننا لا نبحث عن الطريق السهل .. فالحياة فى حد ذاتها .. حياة مشقة و مكابدة .. ( لقد خلقنا الانسان فى كبد ) .. ولكننا نبحث عن طريق الله ..  أن نكون أهلا للرسالة التى حملنا إياها.. إذا كنا نؤمن به سبحانه و تعالى حقا.. إن الحاكم الذى يروّج أوهاما لشعبه عن الرخاء وحياة الدعة و الرفاهية .. غير  صادق ..لأنه ربما يتحدث عن رخائه ورفاهيته هو.. والامم التى تسيطر على  العالم لا تعرف حياة الرغد وسهولة العيش كما نتصور ( و الإحساس بسهولة  العيش مسألة نسبية ).. فعندما يسافر سائح سطحي الرؤية لأوروبا او أمريكا و  يقارن بين مستويات المعيشة عندنا و عندهم .. يتصور أنهم يعيشون فى الجنة حيث لا يظمأ الإنسان ولا يعرى .. و الحقيقة عكس ذلك ..إنهم يكدحون و يشقون – فى أغلبيتهم العظمى – وإلا لما تمكنوا من التحكم فى مصائر العالم ،  وهذه سنة الله فى خلقه .

وبالتأكيد نحن لا نعيش الآن حياة الرخاء أو الرفاهية  ( عدا شريحة المترفين ) ولا يوجد فى الأفق ما يوحى بذلك .. بل إن الأوضاع الاقتصادية الكلية تشير الى حالة من الإفلاس العام .. ولا يوجد مخرج حقيقى منها ، طالما لا توجد خطة  لتعبئة القوى الإنتاجية ..

إن الحديث عن مواجهة عدوانية الكيان .. و الدفاع عن المسجد الأقصى.. أشبه باللغز إذا لم تكن البلاد سائرة على المحاور المشار إليها آنفا.. وهى يمكن  أن تلخص فى محور واحد قرآني (موالاة المؤمنين دون الكفار و المشركين ) كلمات قليلة ولكنها تحوى فى داخلها الدستور الربانى للإصلاح الشامل.

ان الأمر يحتاج لثورة شاملة فى المفاهيم و الأداء .. وهذا لن يأتي  دون جراح ومتاعب و آلام.

كما لا يمكن أن يشفى المريض بدون دواء مر أو عملية جراحية .. و الخوف  من العلاج و آلامه ..إلى حد الامتناع عنه.. يؤدى حتما الى الموت .. فتحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة سياسيا و اقتصاديا و عسكريا ، يعنى  إحداث مشكلات كثيرة لأن المجتمع تم ترتيبه على هذه التبعية .. ولكن الخوف  من هذه المشكلات.. وعدم التوكل على الله وعلى الأمة فى حلها .. يزيدنا تبعية  ويجعلنا نعاني من آلام الموت البطىء .. بدلا من آلام العلاج.. لاحظوا ما يحدث للجنيه المصرى .. و البورصة .. و الشركات المفلسة .. الخ الخ .. جزء  من هذه المشكلات راجع الى عدم رضاء الولايات المتحدة عن بعض مواقفنا و  لرغبتها الدفينة فى إبقائنا ضعفاء .

 وقد حذرنا القرآن من ذلك  وأن الله يمكن أن يستبدل بنا أقواما غيرنا ثم لا يكونون أمثالنا. ( وإن تتولوا  يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) محمد 38 .. وهذا هو الاحتمال الأسوأ . أما الاحتمال الأقل سوءا ان يكون العلاج أكثر صعوبة و إيلاما ومشقة و طولا ونحن ليس لدينا الخيار بين الموت و العلاج المتأخر ، ( وربك يخلق ما يشاء  ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله و تعالى عما يشركون) . فنحن مأمورون بالجهاد كتوجيهات مستمرة ..كثوابت.. ولكن تتعدد أشكال الجهاد  و الصبر على مكاره الحصار الاقتصادي الأمريكي المتوقع إذا حزمنا أمرنا  على السير فى طريق الاستقلال .. سيكون من أسمى أشكال الجهاد ..

 إن  الانفصال عن الولايات المتحدة سيسبب آلاما بكل تأكيد ..  “ولنبلونكم بشىء  من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات  و بشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون  أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة و أولئك هم المهتدون ”

ولكن ذلك سيكون فى المدى القصير .. لأن الانفصال عن الولايات المتحدة عندما  يأتى من دولة فى حجم مصر .. سوف يحدث فورة و نهضة عظمى فى العالمين  العربى و الإسلامى .. والدول التى سترى أن فى مصلحتها ألا تعادينا .. وسيعاد  ترتيب المعيشة على صورة يرضاها الله ورسوله.. و سيحق علينا ساعتها قول  الله ( ولو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ) ، فالابتلاءات قدر محتوم على الجميع .. ولكن الفائزين هم الذين تأتى ابتلاءاتهم  فى طريق الإصلاح و الفلاح .. فسينالون أجرهم فى الدنيا و أجر الآخرة أعظم .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات