السبت 27/أبريل/2024

البحث عن نظام شرق أوسطي جديد مشابه للنموذج الآسيوي

البحث عن نظام شرق أوسطي جديد مشابه للنموذج الآسيوي

قدم رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ديفيد عبري، لرئيس الوزراء أيهود باراك أخيراً الخطوط العريضة لمنظور إسرائيلي بشأن النظام الشرق أوسطي الجديد، بناء على النموذج الجنوب شرق آسيوي الذي كان باراك تحدث عنه قبل شهور قليلة كمقدمة لملء الفراغ الاستراتيجي بعد إنهاء حالة الحرب بين إسرائيل وجاراتها .

وستقوم الحكومة الإسرائيلية بتطوير هذا النموذج، غير الأوروبي، بموازاة محادثاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وإذ يوجد شبه إجماع في المؤسسة الحاكمة في إسرائيل على عدم التوقيع في المستقبل المنظور على ميثاق دفاع مع واشنطن يحد من استقلاليتها العسكرية، فإن إسرائيل تسعى جاهدة إلى الحصول على الحد الأقصى من الدعم الاستراتيجي الأمريكي للنظام الشرق الأوسطي الذي ستقترحه وتأمل إسرائيل بأن تدفع بمنظورها الاستراتيجي الجديد إلى أمام وتبدأ تنفيذه من خلال المفاوضات المتعددة الأطراف التي سيصار إلى تفعليها قريباً، بما فيها مسائل الاقتصاد والأمن والمياه الخ، والتي ستحتاج هي الأخرى لضمانات ومساعدات أمريكية وغربية .

ديفيد عبري هو حلقة الوصل والتواصل بين ليكود والعمل، وهو العسكري الذي يمثل حالة الإجماع الإسرائيلي على ترابط الجيش والمؤسسة الحاكمة وتداخلهما، ويعكس أهمية العقيدة العسكرية في التفكير الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي أن عبري، كان مستشاراً لوزير الدفاع إسحاق مردخاي في حكومة بنيامين نتنياهو وبدأ العمل منذ 1998 على بلورة عقيدة عسكرية جديدة للجيش، وكذلك على مبادئ عقيدة أمنية استراتيجية لإسرائيل وكان من الطبيعي أن ينتقل عبري إلى رئاسة مجلس الأمن في مكتب باراك لإتمام مهمة التنسيق بشأن العقيدة الجديدة التي بات بعض ملامحها واضحاً.

وتبقى مبادئ العقيدة العسكرية مرتبطة عضوياً ومؤسساتياً بالعقيدة الإستراتيجية، لأنه في فترة السلام تتوقع إسرائيل أن تتعدى حال الحرب والتجهيز لها، إلى حال من الردع والانضباط الإقليمي عن طريق نظام شرق أوسطي جديد .

جاء ذلك انطلاقاً من أن إسرائيل لا يكفيها أن تكون قوة عسكرية متقدمة ومتجانسة في المنطقة العربية للحفاظ على أمنها، ولن تكفيها اتفاقات السلام لدرء أخطار حرب جديدة أو تساعدها على تحقيق مصالحها الإقليمية وفي المستقبل أن هذه المنطقة لن تقبل ولن تتحمل فراغاً استراتيجياً بعد إنهاء حال الحرب هذه، وهي ستتحول آجلاً أم عاجلاً باتجاه وضع إقليمي جديد من دون استشارتها أو دون أن تلعب هي دوراً مهماً في صياغة العلاقات الإقليمية بعد اتفاقات السلام، لذلك، يجب أن تتهيأ، وبمساعدة واشنطن، لملء الفراغ الاستراتيجي .

وعليه فإن إسرائيل ستسعى إلى إقناع العرب بقبول المعادلة الآسيوية (عش واترك غيرك يعيش) التي تسمح بمقدار من التعاون الاقتصادي الإقليمي من دون الربط مثلاً بين الملف الأمني والتعاون الاقتصادي، مثلما تصر القاهرة في ما يختص بالموضوع النووي، وتدعو الصيغة الجديدة إلى تشكيل هيئة مشاورات وتعاون ثقافي، ولكن بدون سياسة الإملاء، مثلما هو الأمر في السوق الأوروبية المشتركة باعتبار أنها (لن تنجح في الإملاء على العرب) ومن دون التدخل في شؤون الآخرين الداخلية مما يمكن أن يسمح بتدخل عربي في شؤون إسرائيل الداخلية بطلب من الأقلية العربية فيها مثلاً، وباراك يرى استراتيجية إسرائيل تراوح بين الشرق الأوسط الجديد غير الواقعي في رأيه، الذي اقترحه شمعون بيريز وبين إسرائيل (الكتيبة الغربية) التي عرفها وبناها إسحاق رابين وسهر على تطوير قوتها العسكرية وتعميق علاقتها بالغرب الأمريكي .

ومن هنا فإن باراك يبحث خلال هذه الفترة عن صيغة إقليمية جديدة يحاول أن يبلورها بالتفصيل بالتعاون مع الولايات المتحدة، ويناور باراك ما بين سورية ومصر ليقنع كلاً منهما بأنه شريك ملائم لتشكيل المحور الرئيسي أو النواة الصلبة للنظام الإقليمي الجديد بالتعاون مع واشنطن وأنقرة. وكانت حكومة بيريز أكدت لدمشق أنها تفضلها على الآخرين وتعترف بأهمية انضمامها للتشكيلة الجديدة باعتبارها تنبع من موقعها الاستراتيجي، في حين أن الولايات المتحدة فاتحت مصر بإمكان تثبيت المحور الإسرائيلي – المصري كنظام شرق أوسطي جديد، علماً بأن من الصعب تمرير مخططات إقليمية من دون دور لمصر فيها .

وبما أن غالبية الدول العربية المجاورة (عدا مصر) التي تعاني من ركود اقتصادي ومن تدهور متزايد في مستوى المعيشة وتتأخر في اللحاق بركب العصر، بل يعاني بعضها من ضيق مادي يؤدي إلى تكاثر حالات الجوع، تعتبر إسرائيل أنها بمساعدة الولايات المتحدة ستكون قادرة على اجتذاب عدد لا بأس به من الدول العربية وعلى رأسها الأردن وفلسطين، وإنها تستطيع أن تنجح في مناورتها بين القاهرة ودمشق لاجتذاب واحدة منهما أو الاثنتين، نحو محور إقليمي جديد) .

ويبقى الاعتماد على الولايات المتحدة هو في صلب العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة وهي تدعو إلى عولمة المنطقة عن طريق أمركتها وأسرلتها ضمن ميكانيزمات النظام الإقليمي الجديد، وإسرائيل المعولمة في أمركة اقتصادها ومجتمعها قادرة على أن تلعب دوراً طليعياً في تقديم المصالح الثنائية الأمريكية الإسرائيلية عن طريق نظام شرق أوسطي جديد، وهي في نهاية المطاف تأمل بأنه سيضع سقفاً للتنافس العسكري يضمن من جهة تفوق إسرائيل ويربط من جهة ثانية تطور اقتصاديات المنطقة وتحركها في فناء العولمة بالاقتصاد الإسرائيلي والأمريكي، ما يعني تطوير حال عربية جديدة من الاعتماد الاقتصادي والاستراتيجي .

وفي هذه الحال إن التأكيد الإسرائيلي على دور التطبيع والحدود المفتوحة يستهدف تحديد دور الدول والنيل من سيادتها لصالح الأسواق المفتوحة وانتقال رؤوس الأموال حيث فرص التحرك والتأثير لأمريكا وإسرائيل كبيرة، ما يعني تعدي حال الردع والتهديد العسكري إلى استراتيجية الاحتواء الاقتصادي وفي الحالتين فإن التشديد على العسكر والأسواق مقدمة للنظام الجديد الذي يستبعد دوراً طليعياً للمجتمع المدني أو السياسي، وهذا سيعني الابتعاد أكثر فأكثر عن التوجه الديمقراطي في العالم العربي لمصلحة سياسة الاعتماد الاقتصادية الجديدة وبدلاً من أن يكون التعاون الإقليمي في النطاق الشرق الأوسطي الجديد مقدمة لتنمية المنطقة والاستثمار في شعوبها ومجتمعاتها لضمان سلام دائم وشامل على النمط الأوروبي، فإن إسرائيل “النبتة الغريبة” – الكتيبة الغربية – تسعى إلى إدارة المنطقة عن طريق تثبيت علاقات القوة وتعميق الهيمنة الاقتصادية التي ستشكل القاعدة المتينة للإستراتيجية الإسرائيلية والخطوط العريضة لعقيدتها المقبلة .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات