الخميس 23/مايو/2024

هكذا أنقذت حركة حماس مخيمَ عين الحلوة

أحمد الحاج

يحكي مصدر مطلع في حركة حماس القصة الكاملة لإنقاذ مخيم عين الحلوة بعدما كادت تبتلعه تماماً المعارك الأخيرة. ويتحدث بتفاصيل عن الكواليس التي رافقت زيارة الدكتور موسى أبو مرزوق، نائب رئيس حركة حماس في الخارج، وما جرى خلال اللقاءين اللذين جمعا قيادة الحركة برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، والمشرف على الساحة اللبنانية في الحركة عزام الأحمد.
قبيل المعارك الأخيرة التي اندلعت في 29/7/2023، بين جماعة (الشباب المسلم) وحركة (فتح)، تجمعت معطيات ومؤشرات مقلقة لدى قيادة حركة (حماس) في لبنان، أولها خطة متكاملة تُعرض في الأروقة الدولية، ويجري الترويج لها داخلياً، ملخصها تسليم السلاح الفلسطيني في لبنان مقابل منح الفلسطينيين بعض الحقوق الإنسانية. وخرج الطرح من صيغته النظرية إلى البحث في البنود العملية، بل ووضع جدول زمني للتسليم، وخطواته، ومن هي الفصائل الفلسطينية التي سوف تسلّم سلاحها أولاً، والمخيمات والمناطق الجغرافية التي سيشملها التسليم تباعاً.
ثاني المؤشرات هي التهديدات الإسرائيلية العلنية لقيادة فصائل المقاومة الفلسطينية في لبنان، ونشر معلومات في الصحف العبرية، بغض النظر عن مدى صلابتها أو سيولتها، عن مواقع فلسطينية يجري التدريب فيها، لاستخدام جنوب لبنان بهدف قصف الأراضي الفلسطينية المحتلة، واتهام قيادات فلسطينية بأنها تعمل من لبنان في تقديم دعم لوجستي للمقاومة في الضفة الغربية. ثالث المؤشرات هو ظهور مقالات متناثرة تتحدث عن أن مخيم عين الحلوة يمثّل عائقاً أمام عمليات توزيع الغاز في حال اكتملت عمليات استخراجه من جنوب لبنان.
هذه المعطيات التي تجمعت على طاولة قيادة حركة (حماس) في لبنان، أثارت المخاوف الكثيرة من استهداف مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات لبنان، وغيره من المخيمات، تمهيداً لتنفيذ المشروع الكبير، باقتلاع الوجود الفلسطيني في لبنان. وبدأت القيادة بالتواصل مع الفصائل الفلسطينية لتثبيت الأمن داخل مخيمات وتجمعات الفلسطينيين. وعلى نحو مفاجئ تحدُث عملية اغتيال لتزيد بحيثياتها مخاوف الحركة. إذ يقوم محمد زبيدات، المعروف بلقب الصومالي، باغتيال أحد عناصر جماعة (الشباب المسلم)، بادعاء الثأر لأخيه الذي اغتيل في شهر آذار/مارس على يد عنصر من الجماعة، مع أنه جرى وقتها مباشرة تسليم المتهم بعملية الاغتيال ويُدعى خالد علاء الدين. لتُطرح علامات استفهام جدية حول الهدف من عملية الاغتيال التي نفذها الصومالي، خصوصاً بعد رفض تسليمه للأجهزة الأمنية اللبنانية.
وتبع ذلك اغتيال أبو أشرف العرموشي، فشكلت حركة (حماس) مباشرة خلية أزمة على المستوى القيادي في لبنان، تتواصل على مدار الساعة مع خلية أزمة على المستوى القيادي المركزي وفيها ممثلون عن قيادة حركة (حماس) في لبنان. واستثمرت في تواصلها على المستوى الداخلي اللبناني أو الفلسطيني، نقاط قوة تمتلكها، منها أنها لم تشارك من قبل في معركة داخلية في لبنان، وهي من الفصائل الفلسطينية القليلة التي لها علاقات مع أطراف الأزمة، وخبرت من قبل الكثير من الحلول في مفاصل خطيرة بالساحة الفلسطينية في لبنان.
رغم الخروقات المتتابعة لوقف إطلاق النار قبل زيارة أبو مرزوق لبيروت، إلا أن قيادة حركة (حماس) في لبنان، نجحت في تحقيق عدة أمور من خلف الكواليس. أولها أنها استطاعت حصر المعارك في أحياء محددة في مخيم عين الحلوة، ومنع تمددها إلى أحياء أخرى رغم محاولات استدراج فصائل فلسطينية وإسلامية عديدة للمعركة، ولو تمددت المعارك لما كان يمكن حصر الأضرار، وصعبت عملية وقف إطلاق النار أكثر، ولكانت الكارثة مضاعفة. كما استطاعت الحركة دفع أطراف لبنانية عديدة إلى ساحة الحل، أو على الأقل ممارسة الضغوط على الأطراف المتحاربة لمنع الانفجار الشامل.
مع استمرار إطلاق النار، واستخدام أسلحة عديدة وحديثة، وتشعب الأزمة التي وصلت حدودها إلى داخل الواقع السياسي اللبناني، أرسلت حركة (حماس) الدكتور موسى أبو مرزوق إلى لبنان، فهو إضافة إلى الموقع الذي يشغله كنائب لرئيس حركة (حماس) في الخارج، له وزن مؤثر في تاريخ ومسار الحركة، ويملك لغة دبلوماسية أهّلته ليلعب دوراً مهماً في العديد من المحطات والحوارات.
قيادة الحركة في لبنان وضعت أبو مرزوق بتفاصيل أكثر عن الوضع المتأزم: (فتح) التي تعيش تشنجات غير مسبوقة، دفعتها إلى اعتبار أي تظاهرة في المخيمات تدعو إلى وقف الاقتتال تحدياً لها ومهاجمتها ومنعها، حالة ثأرية تعيشها (فتح) تمنعها من التفكير السياسي، هجماتها العسكرية متواصلة ومتكررة وكل ضحاياها من (فتح) مما يصعّب الحل أكثر، مساندة خطابية من بعض القوى اللبنانية تزيد حماسة (فتح) للمعركة، وكل ذلك وفق حديث خلف الأبواب عن خطة تسليم السلاح الفلسطيني، وانزعاج لبناني شعبي واضح من المعارك التي تزيد احتمالات الانفجارات الداخلية في لبنان، وسط فراغ سياسي.
قصد أبو مرزوق وقيادات حمساوية من لبنان السفارة الفلسطينية في بيروت، وهناك كان الاجتماع مع عزام الأحمد وقيادة (فتح). لم يكن اللقاء متشنجاً، كان صريحاً، وإن علت النبرات في بعض مفاصله. شرح الأحمد موقف حركته ورؤيته للحل، وإن بدا متشدداً، ومصراً على “اجتثاث ظاهرة الشباب المسلم”. ردُّ أبو مرزوق كان مطوّلاً. قال إن وفد (حماس) جاء إلى السفارة ليسمع كلاماً مغايراً “لن أتحدث عن المعركة وتفاصيلها والقرارات المتصلة والأخطاء التي ارتُكبت، لكني أقولها بصراحة هذه معركة المنتصر فيها مهزوم، فلا انتصار بعد دمار المخيم. والذي يوقف القتال، لن يوصمه شعب بالجبن، بل بالمسؤولية، وإدراك ما يدور في لبنان والمنطقة”.
في هذه اللحظة، كأن أبو مرزوق قرأ بعض التبرّم في وجوه الحاضرين، فتابع بنبرة أكثر حدّة “نحن لا ننظّر اليوم، ولا رغبة لدينا بتسجيل نقاط في هذه الظروف. ومن ساواك بنفسه ما ظلمك. لا أودّ العودة إلى أحداث مخيم البرج الشمالي، لكن رغم ما جرى أثناء التشييع، كان همّنا أن لا تُطلق رصاصة واحدة لا في الجنازة، ولا في أي مخيم، واعتبرنا ذلك انتصاراً. وبعد ذلك صبرنا عاماً ونصفاً حتى جرى تسليم بعض المتهمين. وإلى اليوم لم يجرِ تسليم المتهم الرئيسي بعملية القتل. ولا نثير هذه المسألة بالإعلام حفاظاً على السلم داخل المخيمات، بل نعالجها ضمن القضاء اللبناني وفي مجالسنا المغلقة. نحن لا نقول انسوا الأمر، لكننا نتحدث عن أساليب عديدة للمعالجة غير تدمير المخيم”.
هنا وعلى نحو مفاجئ، تدخل أحد أعضاء الوفد الفتحاوي، ليتهم (حماس) بأنها تسعى إلى أن ترث (فتح) في المخيمات الفلسطينية بلبنان، فردّ أبو مرزوق “كيف نسعى لوراثة (فتح) ونحن نأتي لنجتمع بالسفارة في لبنان، كيف ونحن تنازلنا عن كثير من المواقع السياسية في لبنان لصالحها حتى نستطيع العمل معاً. حتى داخل الكثير من المخيمات كنا نقبل بقيادتها اللجان الأمنية المشتركة لنحمي مخيماتنا. نحن كحركة (حماس) في لبنان لا نسعى للمنافسة السياسية المحتدمة مع (فتح)، خاصة وأن شعبنا في هذا البلد ما زال يعاني. فنصفه غادر لبنان، ونصفه الباقي يعاني أشدّ المعاناة. والتخلي عن الصراعات السياسية هو أحد الطرق للتخفيف من أوجاع شعبنا. الشراكة بين الجميع هي التي يجب أن تكون”.
انتقل الحوار إلى البحث في بنود الحل، الذي لم يختلف بالجوهر عن الاتفاقات التي وقعتها الفصائل الفلسطينية من قبل، وتدور حول وقف إطلاق النار، وتسليم المتهمين بعمليات الاغتيال. لكن بعد كتابة البيان أشار أحد أعضاء وفد حركة (حماس) إلى أن البيان المكتوب يتضمن في مقدمته مصطلحات لم تألفها الحركة من قبل. فكان ردّ أبو مرزوق “لنتجاوز التعليق على بعض المصطلحات، ونثبّت وقف إطلاق النار، وننقذ المخيم”.
وبعد أن جرى خرق وقف إطلاق النار، ووقوع أحداث هددت بتوسع دائرة الاشتباكات بالمخيم، وخرج سكان إضافيون من المخيم للجوار، كان لا بد من خطوة أبعد، فاتصلت قيادة حركة (حماس) برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وطلبت لقاء عاجلاً. ورغم انشغاله بإطلاق طاولة الحوار اللبناني، إلا أنه لبّى الطلب فوراً، وكان لقاؤه بقيادة حركة (حماس). تحدث وفد الحركة بما لديه من معطيات، يصل بعضها مرحلة التخوف من أن تكون معارك مخيم عين الحلوة البداية لتفجّر حرب لا تقتصر على المخيم.
وقال أبو مرزوق لبري “إنكم اليوم تشغلون المنصب الأول في لبنان بعدم وجود رئيس جمهورية، ويمكنكم أن تلعبوا دوراً تاريخياً بالمساهمة في إنقاذ مخيم عين الحلوة. وقد لعبتم خلال السنوات القليلة الماضية أدواراً مهمة، سواء في جمع الفلسطينيين، أو في المصالحة الفلسطينية. ونتذكر التواصل خلال مفاصل خطيرة بينكم وبين رئيس حركة (حماس) في الخارج الأخ خالد مشعل، خصوصاً خلال أحداث مدينة صيدا عام 2013”. وطرح أبو مرزوق والوفد المرافق تصوره للحل الذي يرتكز أساساً على وضع آليات لتثبيت وقف إطلاق النار.
وعلى الفور أجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالات بقادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، ووضعهم بصورة الحل المقترح. كما اتصل بقيادة حركة (فتح) وطلب لقاء عاجلاً، وقال خلال اللقاء إنه مصرّ على تطبيق الحل ببنوده كافة، وبأسرع ما يمكن. ولوحظ أن الحل المقترح لا يتحدث عن سقف زمني لتسليم المتهمين، وهذا يُخفف من التوتر، وينعكس بشكل إيجابي على السكان، ويسهّل عودتهم. ويختم المصدر المسؤول بالقول بأن الحل المطروح هو الأمثل حتى الآن، وستعمل لجنة المتابعة المشكلة من: ممثل عن الجيش اللبناني، ممثل عن الأمن العام، ممثل عن حركة (حماس)، وممثل عن حركة (فتح)، على تطبيق بنود الحل، آملاً أن تنجح في ذلك.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات