سينتصر الحراك
في الأشهر الماضية تلبَّد فضاء الوطن بالكآبة وانسداد الأفق؛ حتى ما عاد يخفى وينطلي على أحد، صفحة بيضاء مقروءة ومفهومة من كل المستويات العمرية والفكرية من أبناء شعبنا، حتى حاول الهجوم الإيجابي للمصالحة الذي قادته حماس أن يُكسّر هذا الاكتظاظ والازدحام الكاتم نحو المستقبل، لكن قوة الدفع لاستمرار هذا المسار بعد أن اتضح موقف السلطة الحقيقي الرافض للمصالحة وكُشف، وأثر الهجوم الإيجابي تقلص، والانقشاع تبدد، وعاد فضاء الوطن والبيئة المحيطة بالشعب تبدو أكثر قتامةً ويأساً من أن يتلمس الفلسطيني شعاعاً لأمل في الأفق القادم.
من هذا الشعور والإحساس بالخطر انطلق الحراك الشعبي السلمي ليتحرك نحو المستقبل من وسط المؤامرة الكبيرة التي تستهدف الوطن، وأكثر ما يشعر بها الواقفون على الأقدام يتصدون لرياحها العاتية، ولا زالوا بمنآى عن الذوبان والتحلل في خططها ومراميها، مع أنهم يتضورون جوعاً جراء الحصار الذي قُصد منه استبدال الطعام بالكرامة.
إن الحراك فاجأ الجميع وأثر عليهم وعلى مشاريعهم في المنطقة، ولا سيما منهم الذين يجمعون على معاداة المقاومة ويسعون لإضعافها والتأثير على مسارها، لكنهم يختلفون من زاوية المصالح المتعلقة بهم على أدوات مواجهتها وعمق التصدي لمشاريعها.
فالحراك يملك مصادر قوة ويعاني من نقاط ضعف، لقد شكل الحراك صدمة مدوية ومفاجأة كاملة من حيث شعبيته وكثافة المشاركة فيه، والاعتماد على أشكال النضال السلمية الخلاقة في مواجهة الاحتلال الذي اعتمد أدوات القتل والإكراه في مواجهة الفلسطينيين، وعدم احترام حقوق الإنسان، وعدم الالتزام بالقوانين الدولية نهائياً.
فالحراك المستمر شعبياً تخطى مرحلة الردع وأفقد الاحتلال مبررات القتل التي استمرأها وبررها أمام العالم بالادعاء بمواجهة عصابات مسلحة تتحرك بالنيابة عن الشعب الفلسطيني، وتكرهه على مشاريع وخيارات لا يؤمن بها.
نعم لا يزال الاحتلال يستخدم أدوات القتل والقمع، لكن مبرراته لم تُقبل دولياً ولم تعد مسموعة، وبقي التعاطف لصالح الحراك وأنصاره؛ حيث فرض جدول أعمال مغاير لجدول أعمال المتربصين في المنطقة، وأرسى أجندة وطنية خاصة به لم يستَعد لمواجهتها من قبل.
إن نفس الحراك الطويل والقدرة على التحمل في ظل مكنون طاقة مكنوز في وعي الجماهير، يدل على أن إرادة الشعب لا تُقهر ولا تُغلب، وأن الاستمرار في الحراك حياة إذا لم تجاف القيادة التي أفرزها الشعب فطرياً لل DNA الخاص بالشعب القادر على إفراز المزيد من خلال الإبداع والثراء لدى الشباب وأبواب التنوع والخيارات المتعددة.
فالشعب إمكاناته هائلة ومقدراته متجددة وآفاق الإبداع دائماً واعدة، فحراك مسيرة العودة اعتدال، توازن، شمول، وسطية، فهو متموضع في الوسط يملك قدرة هائلة على التقدم والتأخر، الصعود والهبوط في هامش واسع للمناورات والخيارات المتعددة، لكن من المفيد منع ظهور فجوة في التوافق على أهداف واقعية ومعقولة تفك الحصار وتضمن حياة كريمة لأهلنا في غزة الذين شكلوا طليعة التصدي لمشروع تصفية فلسطين، إلى جانب قيادة موحدة على أهدافها منسجمة مع جماهيرها، تعبر عنهم وتمثل إرادتهم، لأن امتلاك القرار مهم، والقدرة على اتخاذه ضروري، فحالة العداء للحراك كبيرة، والنقطة الزمنية التي ظهر فيها خطيرة، والوعاء الجغرافي لمركز الحراك وانطلاقه يضرب مشروع التصفية للقضية في مقتل.
فالحركة بركة، ومحاولة الردع والعصا الغليظة فشلت، والتشويه للحراك والتضليل والتبخيس والتضخيم انهارت، ومحاولة الاستيعاب والاستدراج للحراك ماتت قبل أن تولد بوعي من الجماهير وحسهم الرفيع، وإن حراكاً مَسمر نصف الجيش الإسرائيلي على الحدود الزائلة، وكسر أنف رئيس الشاباك السابق “آڤي ديختر” ووزير الحرب “ليبرمان” وأجبرهما ليخرجا في تسجيلات صوتية وفيديوهات دعائية وتغريدات باللغة العربية يصرخون “لا نتألم” (وهم يتألمون) ويصرخون “صبرنا كبير” لكنّ شواهد نفاذ صبرهم ساطعة، على غير عادتهم يتصرفون، لَهو حراك يمثل سلاحاً فتاكاً كلما استُخدم بإرادة الشعب الجامعة وعقل وضمير القيادة المنتدبة المخوّلة والأمينة العادلة على حقوق الشعب ومصيره.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
هيئة المعابر: 11 ألف جريح على قوائم السفر للعلاج
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت الهيئة العامة للمعابر والحدود من تداعيات استمرار إغلاق معبر رفح البري لليوم الثالث عشر تواليًا بعد السيطرة عليه...
الداخلية تدين اغتيال الاحتلال مدير مباحث الوسطى ومرافقه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أدانت وزارة الداخلية والأمن الوطني إقدام جيش الاحتلال الإسرائيلي على اغتيال مدير مباحث شرطة المحافظة الوسطى، عقيد...
حادث لمروحية تقل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته وتضارب أنباء بشأن مصيرهما
طهران - المركز الفلسطيني للإعلامتعرضت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته، حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الأحد، لحادث "هبوط صعب" في...
قائد فرقة غزة السابق: الجيش يتخبط في القطاع ومكانتنا الإقليمية تتآكل
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام قال القائد السابق لفرقة غزة في جيش الاحتلال، غادي شماني، إنّ "الجيش الإسرائيلي يتخبط في غزة، ومن الواضح أن...
8 مجازر و70 شهيدًا بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 8 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها للمستشفيات 70 شهيدا و110...
لازاريني: نصف سكان غزة مجبرون على النزوح ولا يوجد مكان آمن
عمان - المركز الفلسطيني للإعلام قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، إن نصف سكان غزة أصبحوا مجبرين على النزوح بسبب "العمليات العسكرية" في رفح....
المؤتمر الشعبي يعقد ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثاني حزيران القادم
إسطنبول -المركز الفلسطيني للإعلام يعقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، ملتقى الحوار الوطني الفلسطيني الثاني، يومي الجمعة والسبت 28 و 29 حزيران /...