عاجل

الثلاثاء 07/مايو/2024

سينتصر الحراك

محمود مرداوي

في الأشهر الماضية تلبَّد فضاء الوطن بالكآبة وانسداد الأفق؛ حتى ما عاد يخفى وينطلي على أحد، صفحة بيضاء مقروءة ومفهومة من كل المستويات العمرية والفكرية من أبناء شعبنا، حتى حاول الهجوم الإيجابي للمصالحة الذي قادته حماس أن يُكسّر هذا الاكتظاظ والازدحام الكاتم نحو المستقبل، لكن قوة الدفع لاستمرار هذا المسار بعد أن اتضح موقف السلطة الحقيقي الرافض للمصالحة وكُشف، وأثر الهجوم الإيجابي تقلص، والانقشاع تبدد، وعاد فضاء الوطن والبيئة المحيطة بالشعب تبدو أكثر قتامةً ويأساً من أن يتلمس الفلسطيني شعاعاً لأمل في الأفق القادم.

من هذا الشعور والإحساس بالخطر انطلق الحراك الشعبي السلمي ليتحرك نحو المستقبل من وسط المؤامرة الكبيرة التي تستهدف الوطن، وأكثر ما يشعر بها الواقفون على الأقدام يتصدون لرياحها العاتية، ولا زالوا بمنآى عن الذوبان والتحلل في خططها ومراميها، مع أنهم يتضورون جوعاً جراء الحصار الذي قُصد منه استبدال الطعام بالكرامة.

انطلق الحراك الشعبي السلمي ليتحرك نحو المستقبل من وسط المؤامرة الكبيرة التي تستهدف الوطن

إن الحراك فاجأ الجميع وأثر عليهم وعلى مشاريعهم في المنطقة، ولا سيما منهم الذين يجمعون على معاداة المقاومة ويسعون لإضعافها والتأثير على مسارها، لكنهم يختلفون من زاوية المصالح المتعلقة بهم على أدوات مواجهتها وعمق التصدي لمشاريعها.

فالحراك يملك مصادر قوة ويعاني من نقاط ضعف، لقد شكل الحراك صدمة مدوية ومفاجأة كاملة من حيث شعبيته وكثافة المشاركة فيه، والاعتماد على أشكال النضال السلمية الخلاقة في مواجهة الاحتلال الذي اعتمد أدوات القتل والإكراه في مواجهة الفلسطينيين، وعدم احترام حقوق الإنسان، وعدم الالتزام بالقوانين الدولية نهائياً.

فالحراك المستمر شعبياً تخطى مرحلة الردع وأفقد الاحتلال مبررات القتل التي استمرأها وبررها أمام العالم بالادعاء بمواجهة عصابات مسلحة تتحرك بالنيابة عن الشعب الفلسطيني، وتكرهه على مشاريع وخيارات لا يؤمن بها.

نعم لا يزال الاحتلال يستخدم أدوات القتل والقمع، لكن مبرراته لم تُقبل دولياً ولم تعد مسموعة، وبقي التعاطف لصالح الحراك وأنصاره؛ حيث فرض جدول أعمال مغاير لجدول أعمال المتربصين في المنطقة، وأرسى أجندة وطنية خاصة به لم يستَعد لمواجهتها من قبل.

نفس الحراك الطويل والقدرة على التحمل في ظل مكنون طاقة مكنوز في وعي الجماهير يدل على أن إرادة الشعب لا تُقهر ولا تُغلب

إن نفس الحراك الطويل والقدرة على التحمل في ظل مكنون طاقة مكنوز في وعي الجماهير، يدل على أن إرادة الشعب لا تُقهر ولا تُغلب، وأن الاستمرار في الحراك حياة إذا لم تجاف القيادة التي أفرزها الشعب فطرياً لل DNA الخاص بالشعب القادر على إفراز المزيد من خلال الإبداع والثراء لدى الشباب وأبواب التنوع والخيارات المتعددة.

فالشعب إمكاناته هائلة ومقدراته متجددة وآفاق الإبداع دائماً واعدة، فحراك مسيرة العودة اعتدال، توازن، شمول، وسطية، فهو متموضع في الوسط يملك قدرة هائلة على التقدم والتأخر، الصعود والهبوط في هامش واسع للمناورات والخيارات المتعددة، لكن من المفيد منع ظهور فجوة في التوافق على أهداف واقعية ومعقولة تفك الحصار وتضمن حياة كريمة لأهلنا في غزة الذين شكلوا طليعة التصدي لمشروع تصفية فلسطين، إلى جانب قيادة موحدة على أهدافها منسجمة مع جماهيرها، تعبر عنهم وتمثل إرادتهم، لأن امتلاك القرار مهم، والقدرة على اتخاذه ضروري، فحالة العداء للحراك كبيرة، والنقطة الزمنية التي ظهر فيها خطيرة، والوعاء الجغرافي لمركز الحراك وانطلاقه يضرب مشروع التصفية للقضية في مقتل.

فالحركة بركة، ومحاولة الردع والعصا الغليظة فشلت، والتشويه للحراك والتضليل والتبخيس والتضخيم انهارت، ومحاولة الاستيعاب والاستدراج للحراك ماتت قبل أن تولد بوعي من الجماهير وحسهم الرفيع، وإن حراكاً مَسمر نصف الجيش الإسرائيلي على الحدود الزائلة، وكسر أنف رئيس الشاباك السابق “آڤي ديختر” ووزير الحرب “ليبرمان” وأجبرهما ليخرجا في تسجيلات صوتية وفيديوهات دعائية وتغريدات باللغة العربية يصرخون “لا نتألم” (وهم يتألمون) ويصرخون “صبرنا كبير” لكنّ شواهد نفاذ صبرهم ساطعة، على غير عادتهم يتصرفون، لَهو حراك يمثل سلاحاً فتاكاً كلما استُخدم بإرادة الشعب الجامعة وعقل وضمير القيادة المنتدبة المخوّلة والأمينة العادلة على حقوق الشعب ومصيره.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات