مؤتمر إسطنبول والمخيال الفتحاوي!
تابعت، في مواقع التواصل الاجتماعي، السجالات التي دارت على صفحات عدد من الأصدقاء من مناضلي فتح القدامى الذين شاركوا في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي عقد أخيرًا في إسطنبول، أو الذين أيدوا فكرة المؤتمر؛ وقد أظهر بعض المعقبين من المنتمين لفتح على مواقف هؤلاء المناضلين المؤيدة لفكرة المؤتمر؛ تناقضًا يترنح فيه العقل الفتحاوي، ويورثنا بؤسًا معيقًا ومزمنًا.
في العموم، كان ثمة إجماع على نقد منظمة التحرير، التي شطبت ميثاقها، وتخلت عن الكفاح المسلح، واعترفت بـ”إسرائيل”، واعتمدت المفاوضات طريقًا وحيدًا لتسوية القضية الفلسطينية، والتي يفترض أنها تقود -ومنذ أكثر من عشرين عامًا وحتى اليوم- السلطة الفلسطينية بكل سياساتها.
المنظمة وبهذه الحيثيات لا يمتنع عن نقدها إلا المكابر أو المغالط، ولكن وبالرغم من ذلك، بالرغم من تعطيلها، ثم إعادة توظيفها لصالح سياسات السلطة، وتفريغها من قدرتها على تمثيل الفلسطينيين، على المستوى الشعبي أو على المستوى السياسي؛ تظل لدى الفتحاوي، حتى الفتحاوي المنتقد لحالتها هذه، واحدة من تعبيرات فلسطين في مخياله، فلسطين الفتحاوية، التي لا يكون فيها الفلسطيني شرعيًّا، ذاتًا وحركة ونضالاً، إلا بقدر التزامه الوصاية الفتحاوية.
اتسمت تلك التعقيبات بتشكيك شديد، لا يخلو في الكثير منه من التخوين الصريح والمباشر، فطالما أن فكرة إصلاح منظمة التحرير، جاءت من خارج فتح، فهي فكرة مشبوهة، (فكيف لو كان الحديث عن تجاوزها)، ولتأكيد الاشتباه في هذه الفكرة، وُظّفت كل الملابسات، من مكان انعقاد المؤتمر، إلى القنوات التلفزيونية التي غطته بالمتابعة والبث، إلى حضور الإسلاميين الفلسطينيين في المؤتمر، إلى كل ما يرفضه العقل الفتحاوي الشعبوي، إما لاقترابه من حماس، أو لاختلافه مع فتح!
البدهي أن تكون فلسطين كما هي مجرّدة من أي ملابسة طارئة، فوق أي أداة تسعى إليها، بمعنى أن فلسطين جغرافيا وتاريخًا وإنسانًا وكفاحًا ومشروعًا تحرريًّا، فوقنا بأحزابنا وعصبوياتنا الضيقة، ولكنها في المخيال الفتحاوي هي عينها فتح، ويمكن التسامح مع الفلسطيني المختلف مع فتح، بالقدر الذي لا ينازعها فيه الصدارة أو المشروعية، على نحو يشبه حالة الأنظمة العربية التي تختصر الوطن في نفسها.
بالتأكيد ثمة شرعية تاريخية لفتح بما هي فكرة، أي بما هي منطلق كفاحي، ولكن تحويل الفكرة إلى شرعية ممتدة فيمن يحمل الاسم نفسه مهما اختلف مع الفكرة وانحرف عنها، يحيل فتح إلى قبيلة، يستمد فيها الحفيد مشروعيته من تاريخ أجداده لا من سلوكه هو، ومن يحافظ على الفكرة نفسها ولكن باسم آخر ترفض فتح شرعيته الكفاحية، لأنه لم ينبثق من ذلك الامتداد القبلي.
بذلك اجترح المخيال الفتحاوي تصورًا خاصًّا يجعل المختلف مع فتح من خارجها حتى لو كان ملتزمًا بمنطلقاتها الأولى مشبوهًا وخائنًا بالضرورة، كالقائمين على مؤتمر إسطنبول، ولكن لا مشكلة في الانحراف عن منطلقاتها الأولى طالما كان ذلك من داخلها، فالقبيلة هي الأساس؛ لا الفكرة التي اجتمعت عليها القبيلة في أول أمرها!
قد يبدو هذا التمسك بمنظمة التحرير بالرغم من حالها الراهن، توثينًا للمنظمة، بتحويل الوسيلة إلى غاية في ذاتها، ولكن التوثين في الحقيقة لفتح لا للمنظمة، ففتح هي التي قادت المنظمة إلى هذه المآلات. ولو أن فتح صارت رقمًا تاليًا في المنظمة بعد فصيل آخر، أو فقدت مكانتها فيها، فإن المنظمة بالضرورة ستفقد لدى فتح هذه القيمة المزعومة.
في هذه الذهنية تقديس ضمني للذات، فإذا كان الوطن هو عين الذات، وكان الوطن مقدسًا في الوعي الوطني المعاصر، فإن الذات مقدسة، والذات هنا هي الذات الفتحاوية، والتي -بحكم ذلك- يحق لها التصرف في الوطن وقضيته كما شاءت، وقد أفضى ذلك إلى ما نحن فيه، فضلاً عن منطق الاستبداد والاحتكار والوصاية، إلى إفساد الوحدة الوطنية، فالشريك لدى فتح لا يقبل إلا تاليًا أو تابعًا.
هذه الذهنية، واحدة من أدوات التفسير لفهم العقل الفتحاوي، وليست أداة وحيدة، ولكنها أداة مركزية، لا بد من حضورها دائمًا لفهم فتح في علاقتها بالفلسطيني الذي هو خارجها، ولفهم تناقضها المزمن ما بين حنين أبنائها الكفاحي وتسليمهم بسياسات حركتهم المجافية لذلك الحنين!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الرشق: دولة الاحتلال لا تخشى شيئا كالمقاومة والحقيقة
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أكد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس عزت الرشق، اليوم الثلاثاء، ان دولة الاحتلال لا تخشى شيئا...
الأمم المتحدة تعلق توزيع المواد الغذائية في رفح
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، تعليق توزيع المواد الغذائية في منطقة رفح جنوب قطاع غزة، "بسبب نقص الإمدادات...
لليوم الـ 228.. القسام يجهز على جنود العدوّ من مسافة صفر ويفجّر دباباته
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب القسام لليوم الـ 228 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور، والتي أسفرت حتى اللحظة...
حماس: تقييد عمل أسوشيتد برس سلوكٌ فاشيٌ ليحجب الاحتلال جرائمه عن العالم
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس أن مصادرة سلطات الاحتلال الصهيوني اليوم لمعدات البث الخاصة بوكالة أسوشيتد برس هو...
الاحتلال يواصل خنق الحقيقة.. إيقاف بث أسوشيتد برس ومصادرة معداتها
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، كاميرا ومعدات بث تابعة لوكالة أسوشيتد برس، اليوم الثلاثاء، بزعم انتهاك قانون جديد...
الإعلام الحكومي بغزة: الشمال يعاني المجاعة وتسهيلات الاحتلال وهمية مخادعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، مما وصفه محاولات الاحتلال بالالتفاف على مطالب المنظمات والهيئات الدولية...
الاحتلال يعتقل وفاء جرار في جنين بعد اقتحام منزلها وتكسيره
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، المرشحة عن انتخابات المجلس التشريعي وفاء جرار (٤٨عاماً) بعد...