مبادرة السلام العربية وحق العودة
المتتبع لتطور قضية اللاجئين الفلسطينيين في قرارات القمم العربية التاسعة عشر، وفي الخطاب السياسي العربي الرسمي، يلاحظ دون عناء جدليتها المباشرة بالخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي صعودا وهبوطا… فمن اعتبارها قضية قومية مقدسة، إلى الهدف الأول للنضال الوطني الفلسطيني، إلى واحدة من الأهداف الوطنية، إلى الدعوة إلى حلها وفق قرار 194، نزولا إلى حل عادل متفق عليه، ليتهاوى المنسوب فلسطينيا إلى مفهوم التسوية الذي يختزل الحل العادل بما هو دونه، وليفرش هذا التهاوي في ردهات قمة الرياض كما فرش في قمة بيروت 2002، ولكن بمحفزات أعلى، ما يجعل قضية اللاجئين في الخطاب الرسمي العربي ودون حرج مبطن مادة مساومات مفتوحة، تتظافر حصيلتها في خطاب فلسطيني مهد لها وخطاب عربي هو في بينته أفضل ما يكون استعدادا لوراثتها وتعميمها.
هكذا سار حق العودة مفرغا من طبيعته وكينونته الوطنية التاريخية، متدحرجا من مكانته الرئيسية إلى مكانة مفرطة في ثانويتها، أي من كونه جوهر القضية الفلسطينية وأساسها إلى فرع من فروعها، يُحل بإحالته على آليات المفاوضات المباشرة، وهى الآليات التي أنتجت بعد تجربة طويلة وقاسية درس المأزق المرير، أي درس استعصاء الحل وفق المنهج السابق الذي لم ينجح في فتح منافذ صغيرة لتجميد الصراع … فكيف بالأحرى إنهاؤه.
القول الفصل في هذه الجدلية: أن الخطاب السياسي الفلسطيني منذ أن صمم على السير في طريق فلسطنة الصراع، كان عليه أن يدفع فاتورة التقهقر التدريجي لمكانة حق العودة في الخطاب الرسمي العربي، وكان عليه أن يتوقع، بعد أن أحال أسطورة خلاصه على عضلاته الخاصة، اندفاعات عربية رسمية متسارعة في الخطابات والرهانات والممارسات وصولا لمعاهدات الحضيض، كما كان عليه أيضا أن يدفع فاتورة ضعف وهزال موقفه التفاوضي كما تبدى في مفاوضات اوسلو السياسية وباريس الاقتصادية، بينما العبرة أن يتدارك بعد كل هذه التجارب والسنوات العجاف أن اللاحق في طريق المفاوضات المباشرة لن يكون أفضل من السابق، وفي أحسن صوره المتوقعة سيؤول إلى اجترار نفس المرافعات الأخلاقية التي لن يكون بمقدورها في ظل السائد من موازين قوى مجافية سوى فتح الأبواب لمخاطر مماهاة الوطني بالإنساني والعودة بالتعويض.
وإذا كان الدور التقليدي للقمم العربية لم يزل كما هو: امتصاص وتنفيس التوترات الشعبية المتراكمة والتي يعلو سخطها في الأزمات والمنعطفات والأحداث الساخنة، وتخديرها بقرارات شكلية لحماية أنظمة الحكم واستمرار السيطرة على مناطق النفوذ القطري، وقطع الطريق على أي بدائل سياسية تطرحها فراغات التمثيل السياسي الجدي ، وتزويق وتجميل الرهانات على المشروعات السياسية الأمريكية، وحيث أن هذه المعاني ما يفترض أن تتكشف بلا أقنعة، فان التعويل الزائد على إرادة عربية رسمية تكثف إشكالية نصف قرن في ضعفها وبلادتها ومحاكاتها وتبعيتها للغرب، في تخطي احتجابها الطويل عن الجديات في السياسة ومعالجة أزماتها وأزمات العرب والوقوف على قضايا الأمة المصيرية أو حتى التقدم بمشاريع الحد الأدنى للتخفيف من غلواء المطالب الأمريكية الصهيونية، لا يعدو عن كونه تهافتا سياسيا ومخادعة للنفس والتاريخ وتشويشا على منظورات المستقبل .
الملفات الكبيرة المطروحة على طاولة قمة الرياض: الملف العراقي، الملف اللبناني، الملف السوداني، ملف الصومال، مبادرة السلام العربية، تؤشر من حيث خلفياتها وضخامتها ودلالاتها والقوى المتحكمة فيها على بؤس ادعاء معالجتها، أو حتى ادعاء القدرة على تناولها بتسويات مؤقتة، ولان المسافة فارقة، والهوة عميقة بين الملفات ومفاتيحها الرسمية، فإن البديهي توقع اختزالها بالقفز عن أسبابها الحقيقية ، ومن الصعوبة تصور وضع اليد علنا على المصدر والمنتج الأول لأزمات الملفات المذكورة ، أي السياسة الأمريكية والاحتلال الصهيوني، وان شئتم العمق فان الذهنية الثقافية لأصحاب القمم هى ذهنية متواطئة في عدم فتح ملف الأسباب الاستراتيجية المسؤولة عن معاني تقهقرنا وعبوديتنا وتأخرنا، ولا يستفيد من منع التنقيب عن المعاني والأسباب الصحيحة سوى ذهنية تحريم شمولية تنتسب لنسق فكري – سياسي – اقتصادي متكامل يطرح استمرار حياته ودوره باستمرار سيطرة ثقافة التعتيم والتمويه المنتجة لثقافة الطاعة والخضوع ، بالترابط مع تفريغ السياسة من علاقتها الصحيحة مع الآراء والطروحات والميكانيزمات الجريئة والمحفزة .
ويخال لنا ان هذا الوصف لا يجانب العقلانية والصوابية وهو ينتمي الى ذلك النوع من النقد الواضح الذي يجب ان يبقى مشهرا ومرتفعا ، والإبقاء على مساحة من هذا الضوء يفترض أن يشكل معلما من معالم طريق المثقفين العضويين الذي يتوقع من أقلامهم استلهامه وإثراؤه وتوسيع اضاءاته ، لا الهبوط الى تأويلات مضطربة ورجاءات واهمة لا تخدم سوى عمليات التدجين وتقديس الحدود وتعطيل الازاحات النوعية .
ان مبادرة السلام العربية والتي احتلت محور قمة الرياض ، كما شكل معالجتها لقضية اللاجئين الفلسطينيين ، هى ما يمكن ان تكون الإضاءة المباشرة لخطاب سياسي عربي انتهى بتتويج انحداره بانحدار عبثي بقضية اللاجئين .
لا يمكن وصف طريقة صياغة بند اللاجئين في مبادرة السلام العربية إلا بالكرم العربي المجاني للدولة العبرية ، إن نص البند يدعو إلى حل عادل وفق قرار 194 يتفق عليه ، أي أن عبارة يتفق عليه إنما هي دعوة صريحة للتخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضيهم وبيوتهم الأصلية ، بالتناقض مع جوهر قرار 194 الذي هو مخاطبة مباشرة للكيان لتنفيذ بنوده ، أى السماح بالعودة ، وفي النتيجة العملية إحلال المقايضة والمساومة مكان العودة .
وإن كان يمكن القول ، من باب القراءة التاريخية واستقراء المعطيات الموضوعية الراهنة واستشفاف حركة المستقبل ، ان قضية العودة تستعصي حتى على حلول التقسيم بما في ذلك حل الدولتين المأزوم بطبيعته التشطيرية – التذريرية ، فكيف يمكن حلها على طاولة مساومات مدلولاتها ونتائج تجاربها السابقة قد قطعت باختناقها وانسداد أفقها ، وهى أكثر ما يمكن أن يتمخض عنها تسويات تفتقد الحصانة، او حتى كيف يمكن حلها في إطار افتراض دولة فلسطينية أصبحت مع الاستيطان والجدار أشبه بحارة.
أما بديل هذه الاستعصاءات والأزمات والعذابات ، فقد يكون استعادة تجديد التصور القديم حول دولة ديموقراطية واحدة في فلسطين ( قضية بحاجة لقراءات عميقة وشاملة وعقول جماعية ، كما هي بحاجة الى شجاعة فكرية وسياسية وأخلاقية ) وأظن بدئيا ان صعوبة هذه الطريق وما يكتنفها من ممانعات وتعقيدات شائكة محلية واقليمية ودولية ستكون أقل طولا واستعصاء وعذابا من ستة عقود لم تبرح فصولا متتابعة من الاقتلاع والتشريد والقتل والموت والحروب .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
مظاهرة حاشدة في تل أبيب للمطالبة بانتخابات مبكرة وصفقة مع حماس
فلسطين المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام شهدت تل أبيب مظاهرة حاشدة،مساء السبت، تطالب بإسقاط حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وإجراء...
بعد توقف لمدة 4 أشهر.. النمسا تقرر استئناف تمويل الأونروا
فيينا - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت النمسا، السبت، استئناف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وذلك بعد أن...
تزامناً مع ذكرى النكبة.. مظاهرة حاشدة في لندن تنديداً بالعدوان على غزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام شهدت العاصمة البريطانية لندن اليوم السبت، مظاهرة حاشدة تنديداً بالعدوان على قطاع غزة، شارك فيها أكثر من ربع مليون...
أبو عبيدة: نتنياهو يزج بجنوده ليقتلوا بأزقة غزة بدلا من تبادل الأسرى
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال أبو عبيدة، الناطق باسم حركة كتائب القسام، إن قيادةُ العدو تزجّ بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نُعوشٍ من أجل البحث...
إسطنبول تستضيف مهرجان طوفان الأحرار دعمًا لفلسطين
إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام تستمر فعاليات المهرجان يومين، بمشاركة ممثلين من 60 دولة، وينظمه الائتلاف العالمي لنصرة القدس وفلسطين، وحركة إنسان...
الأورومتوسطي: وفاة عشرات الجرحى والمرضى جراء إغلاق معبر رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن استمرار إغلاق معبر رفح البري بين قطاع وغزة ومصر بعد سيطرة جيش الاحتلال...
سرايا القدس تطلق رشقة صاروخية تجاه عسقلان
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي قصف مدينة عسقلان المحتلة برشقة صاروخية وتنفيذ عدة عمليات في...