الثلاثاء 13/أغسطس/2024

ماذا تعني أزمة نقص السيولة النقدية بغزة في ظل الإبادة الجماعية؟

ماذا تعني أزمة نقص السيولة النقدية بغزة في ظل الإبادة الجماعية؟

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

“منذ شهرين وأنا أجد صعوبة شديدة في الحصول على الأموال لتدبر أحوال اسرتي المعيشية، والحصول على أبسط مقومات العيش، نظراً إلى النقص الكبير في السيولة النقدية في الأسواق”، شكوى بثها المواطن بلال إبراهيم للمركز الفلسطيني للإعلام، تظهر غيضًا من فيض “أزمة السيولة النقدية” التي سعى الاحتلال لجعلها إحدى أقسى أدوات العقاب الجماعي لأهل غزة في ظل استمرار حرب الإبادة الجماعية.

ويؤكد إبراهيم “أنّ الظروف الاقتصادية باتت في غاية السوء بالنسبة إلى غالبية الأسر الفلسطينية، نتيجة لشحّ السيولة النقدية، وصعوبة توفيرها، والنسبة المرتفعة التي يضعها الصرّافون”.

ويلفت إلى أنّ الصرّافين في بداية الحرب على غزة كانوا يضعون نسبة لا تتجاوز 1 إلى 2% في أسوأ الأحوال، ثم ارتفعت النسبة بشكل تدريجي حتى وصلت مع نهاية أبريل/ نسيان الحالي إلى 20%..

سعت قوات الاحتلال منذ بدء عدوانها على قطاع غزة في الثامن من أكتوبر 2023 إلى تدمير مقومات الحياة كافة، وصدرت تصريحات عن أعلى مستوى سياسي تنزع عن سكان قطاع غزة صفتهم الإنسانية، وعمدت في سياق محاولتها لإبادة السكان أو دفعهم لمغادرة القطاع إلى استخدام وسائل وسياسات وإجراءات متنوعة لتمس بقدرة السكان على البقاء على قيد الحياة.

ويؤكد مركز الميزان في تقرير صادر عنه، اطّلع عليه المركز الفلسطيني للإعلام، أنّ هذه الأزمة تحولت لأحد الأدوات التي استخدمها الاحتلال تقويض قدرة عمل المصارف (البنوك) على تقديم خدماتها المالية للجمهور كواحدة من أدوات الإبادة الجماعية، بحيث تمنع سلطات الاحتلال وصول السيولة النقدية الضرورية لعمل المصارف بالعملات المختلفة ولاسيما الشيقل الإسرائيلي الذي يشكل عملة التداول الرئيسية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبذلك تخلق سلطات الاحتلال أزمة في توفر السيولة المالية غير مسبوقة في قطاع غزة.

وتؤثر أزمة نقص السيولة على السكان بشكل مباشر، وتضاعف من التحديات التي تواجههم بشكل يومي، وتحول دون قدرتهم على سحب أموالهم من البنوك سواء رواتب وأجور الموظفين أو صناديق التوفير والودائع أو تلقي التحويلات الخارجية من الأقارب والأصدقاء.

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صرح وزير المالية الإسرائيلي (بتسلئيل سموتريتش) في تغريدة على حسابه على منصة X، أنه يرفض تحويل أموال المقاصة للسلطة الفلسطينية حتى إشعار آخر، بالإضافة إلى أنه لن يمدد التصريح للبنوك التي تتعامل مع بنوك السلطة الفلسطينية. وبحسب التوزيع الجغرافي لسلطة النقد، فإن عدد البنوك العاملة في قطاع غزة هي (10) بنوك، و(56) فرعاً ومكتباً، و(84) صرافاً آلياً.

 وأكدت سلطة النقد الفلسطينية في تصريح صحفي صادر عنها خلال الأسبوع الأول من شهر أيار الماضي، أنه لا توجد إحصائيات رسمية حول الأضرار الجزئية والكلية التي لحقت بالقطاع المصرفي في قطاع غزة، ولكن المعطيات الميدانية تشير إلى أن جميع فروع ومكاتب البنوك الفلسطينية في محافظة غزة ومحافظة شمال غزة متوقفة عن العمل منذ اليوم الأول لبداية العدوان.

 فيما أكد محافظ سلطة النقد د. فراس ملحم في تصريح صحفي صادر عن سلطة النقد بتاريخ 05/05/2024، أن التحديات تعاظمت بعد أن طال التدمير الكامل والجزئي معظم فروع المصارف في قطاع غزة، وهو ما جعلها خارج الخدمة.

وبحسب مركز الميزان، تشير السيولة عادة إلى القدرة على شراء الأصول وبيعها بسرعة وبأحجام كبيرة، من دون تكبد خسارة كبيرة في سعر الأصل. فيما يتعلق بالأدوات، تشير السيولة عادة إلى تلك الأصول التي يمكن تحويلها إلى مال نقدي بسرعة من دون التسبب بخسارة كبيرة في قيمته، وذلك حسب تعريف مصطلح السيولة – الأمم المتحدة – الاسكوا.

وفي مقابل عدم دخول أي أموال نقدية إلى قطاع غزة، تخرج الأموال من القطاع من خلال المعاملات المختلفة سواء لتغطية كلفة سفر لعدد كبير من العائلات التي خرجت من غزة، أو المعاملات التجارية كدفع أثمان المنتوجات الاستهلاكية التي يوردها بعض التجار.

يلجأ المواطنون في قطاع غزة إلى طرق أخرى للحصول على النقد بعد صعوبة الحصول عليه من الصراف الآلي أو البنوك، حيث يضطر البعض لاستلام رواتبهم ببطاقتهم البنكية مقابل “عمولة” من الصرافين، أو من بعض التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وهنا يتعرض المواطن للاستغلال ويخسر نسب كبيرة من راتبه أو أمواله عند استلام النقد.

ويشكل نقص النقد وارتفاع نسبة العمولة عائقاً أمام المؤسسات والمبادرات الفردية في محاولة تقديم المساعدة للفئات الهشة من السكان، وللتخفيف من وطأة الأوضاع المعيشية.

تكدس العملة القديمة البالية أمر طبيعي في ظل نقص السيولة وعدم إدخال أي نقد جديد منذ بداية الحرب، ما يعني أننا نقف أمام كارثة اقتصادية حقيقة تتفاقم كل يوم وتحرم المواطن من تلبية أبسط احتياجاته.

تعمد قوات الاحتلال إلى التدمير الممنهج للمنظومة البنكية، والتشدد في عدم إدخال السيولة النقدية لتدمير البنية الاقتصادية كأحد أوجه العقاب الجماعي في سياق الإبادة الجماعية المستمرة.

مركز الميزان لحقوق الإنسان يؤكد على أن تدمير المصادر التي لا غنى عنها لحياة السكان بما في ذلك الحرمان من الوصول إلى رواتبهم وأجورهم أنما يفضي إلى تقويض قدرتهم على الحياة وتوفير الأساسيات الضرورية.

يطالب مركز الميزان لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وتنفيذ وقف فوري إطلاق النار، وإلزامها بصفتها قوة احتلال الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية التي فرضت تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.

 كما طالب المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال لإدخال النقود والسيولة النقدية إلى قطاع غزة، وتحرير أموال المقاصة الخاصة بقطاع غزة المجمدة من قبل وزارة المالية الإسرائيلية.

وأكد على ضرورة تكثيف الجهود الدولية لتمكين الجهات المختصة من تقديم خدماتها وتفعيل عمل البنوك والصرافات الآلية، والسماح بإدخال الوقود والمعدات اللازمة لتشغيلها، وذلك تماشياً مع التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، ومنع وقوع أضرار اقتصادية وإنسانية لا يمكن تداركها.

كما طالبت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بملاحقة المسئولين الإسرائيليين وكل من أمر بتجميد الأموال الخاصة بقطاع غزة ومنع إدخال أي أموال الى قطاع غزة.

وكان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أكد في الثالث من مايو الماضي، إن مشكلة عدم توفر السيولة بعد توقف مصادر النقد في القطاع تنذر بكارثة اقتصادية ومالية كبيرة، مع دخول عدوان الاحتلال شهره الثامن على التوالي، مطالباً في الوقت ذاته سلطة النقد الفلسطينية بإعادة تفعيل البنوك قدر المستطاع.

وبين المكتب الإعلامي الحكومي، في بيان له، أن هذه المشكلة تتعمق بمحافظتي غزة والشمال، حيث توقفت تماما كل مصادر النقد في شمال غزة منذ اليوم الأول للعدوان.

وقال: إن توقف البنوك عن عملها ومنع إدخال النقد، جعل الموظفين غير قادرين على استلام رواتبهم بشكل طبيعي، وجعلهم عرضة لدفع عمولات كبيرة، وأصاب الحركة الشرائية في الأسواق بالشلل، وحرم المواطنين من تلقي الحوالات المالية الواردة لهم من الأهل والأقارب بالخارج.

وأضاف أن أكثر من يعاني بسبب هذه الأزمة هم الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديا، والتي لم تستطع تلقي مخصصاتها منذ بداية العدوان، مثل منتفعي الشؤون الاجتماعية، وأسر الشهداء والجرحى والأسرى؛ ما يتطلب تدخلا إسعافيا عاجلا في ظل عدم وجود أي مورد مالي آخر لهذه الأسر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات