السبت 27/أبريل/2024

التقاط بث الاتصالات والإنترنت .. مخاطرة في غزة تتحدى العزلة الإسرائيلية

التقاط بث الاتصالات والإنترنت .. مخاطرة في غزة تتحدى العزلة الإسرائيلية

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

تحولت محاولات التقاط بث الاتصالات والإنترنت في العديد من أحياء قطاع غزة، إلى مخاطرة يومية يواجهها الفلسطينيون خلال سعيهم للتواصل مع ذويهم وكسر العزلة؛ بفعل الاستهداف الإسرائيلي.

ولم يكن الشاب “محمد الغولة” يتخيل أن محاولته التقاط إشارة البث ستكلفه حياته، ولكن هذا ما حدث.

وأفاد ناجون من القصف الذي أدى لاستشهاد الغولة في 22 كانون ثانٍ/يناير الماضي، أن طائرات الاحتلال قصفتهم مباشرة وأصيب في الاعتداء الصحافي “عماد غبون” في منطقة “تل الزعتر” في جباليا.

استهداف متعمد

ووثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي قتل مدنيين فلسطينيين، بمن فيهم صحافيون، خلال محاولتهم التقاط بث الاتصالات والإنترنت للتواصل مع ذويهم أو جهات عملهم، من خلال استهدافهم المباشر بالقنص وإطلاق النار من طائرات مسيرة في مختلف مناطق قطاع غزة.

وأضاف الأورومتوسطي في بيان له أنه وثق خلال أقل من أسبوع استشهاد ما لا يقل عن سبعة مدنيين في شمال غزة، بعد استهدافهم المباشر من طائرات مسيرة للاحتلال في منطقة “البشير” في “تل الزعتر” بمخيم جباليا، خلال محاولتهم الاتصال بشبكة الانترنت للاطمئنان على ذويهم وأقاربهم.

تدمير محطات الإرسال والمقاسم

ونتيجة تدمير الاحتلال محطات الإرسال الخاصة بشبكات الهاتف المحمول ومقاسم الاتصالات الفلسطينية، يلجأ المدنيون الفلسطينيون إلى أماكن مرتفعة في محاولة لالتقاط إشارة اتصالات لشبكات بديلة لتشغيل الإنترنت على بطاقات إلكترونية، إلاّ أن القوات الإسرائيلية تستهدف هؤلاء المدنيين بشكل متعمد، وبصفتهم هذه، وبدون أن يكونوا يشكلون أي مصدر للتهديد أو الخطر.

وقال المرصد الأورومتوسطي إن الاستهدافات الإسرائيلية للمدنيين خلال محاولتهم التقاط إشارة الاتصالات والإنترنت تركز على المناطق المحاصرة، والتي تشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعرقل التغطية الصحافية لتلك الانتهاكات ويحول دون قدرة السكان على نقلها.

ووثق المرصد في 8 شباط/فبراير الجاري، استشهاد مدني فلسطيني خلال وجوده على سطح مجمع “ناصر” الطبي في خانيونس، جراء إطلاق نار من طائرات “كواد كابتر” إسرائيلية، خلال محاولته التقاط إشارة الإنترنت بالتزامن مع حصار الجيش الإسرائيلي للمستشفى.

كما وثق في 9 شباط/ فبراير، إصابة 6 شبان جراء إطلاق نار من بوارج حربية إسرائيلية على مرتفع “النويري” على بحر مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، أثناء محاولاتهم الاتصال بشبكة الإنترنت .

وأشار الأورومتوسطي إلى إنه وثق عدة عمليات قصف نفذتها طائرات مسيّرة إسرائيلية وعمليات إطلاق نار من طائرات “كواد كابتر” استهدفت مدنيين على مدرج ملعب “اليرموك” في مدينة غزة خلال محاولتهم التقاط إشارة بث الإنترنت ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد منهم.

محاولة طمأنة الأهل تنتهي بكارثة

يروي المواطن “وليد غالب أبو الفحم” (34 عامًا)تفاصيل مقتل شقيقه “محمد غالب أبو الفحم” (32 عامًا) وصديقيه “باسم حسن الكحلوت” (33 عامًا) و”يوسف أبو فايد” (35 عامًا)، بتاريخ 29 كانون أول/ديسمبر 2023، وجميعهم من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة، بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من منطقة “تل الزعتر” ومحيط مستشفى “العودة”.

يقول: “ذهبت بصحبة شقيقي محمد وأصدقائي باسم ويوسف إلى منطقة تل الزعتر للحصول على الإنترنت والاتصالات وهي مقطوعة منذ نهاية شهر أكتوبر. ورغم انسحاب الاحتلال بالكامل من تل الزعتر قبل ذهابنا بيومين، إلا أننا لم نسلم من القصف الجوي. اقتربنا من محيط مستشفى العودة وكنا ننظر لهواتفنا بعدما جاءت إشارة الانترنت، وفجأة صاروخ من طائرة دون طيار سقط مباشرة علينا.

وأضاف: كنت أتقدم خطوات قليلة عن أخي محمد وصديقينا باسم ويوسف، نظرت خلفي وإذا بهم ممددين على الأرض، تعرضت وقتها لإصابة في ذراعي. وجدت أن أخي محمد وصديقي يوسف قد استشهدا على الفور، في حين كان صديقي باسم في حالة خطيرة وسرعان ما توفي بعد ساعتين تقريبًا.

وقال: كنا نحاول مراسلة أصدقائنا وأهلنا حيث نزح بعضنا إلى جنوب قطاع غزة. كنا متشوقون للاتصال والاطمئنان على أهلنا ولكن صاروخ الاحتلال الإسرائيلي كان أسرع ليحرمني من شقيقي وأصدقائي. فمنذ نهاية أكتوبر وحتى منتصف فبراير لم تعد الاتصالات، وما زلنا مقطوعين عن العالم الخارجي”.

شهادة مؤلمة

ويروي المواطن “عمر عودة ولايدة” (42 عامًا) من حي “تل الزعتر” شمالي قطاع غزة، تفاصيل استشهاد جاره “يوسف أسعد أبو رواع” (23 عامًا)، و “عزات أبو عودة” النازح من مدينة بيت حانون بتاريخ 4 شباط/فبراير 2024، وإصابة “علي جهاد عبد العزيز أبو رواع” (23 عامًا) قائلًا: “خرجت أنا ويوسف إلى منطقة البشير بحي تل الزعتر وهو قريب من المنطقة التي نقطن بها للوصول إلى نقطة انترنت. المعروف أن هذه المنطقة مرتفعة ويمكن من التواجد بها الحصول على إنترنت من شركات إسرائيلية، مع تعمد إسرائيل قطع الانترنت والاتصالات عن كامل قطاع غزة.

وأشار إلى أن يوسف ذهب ليتحدث مع أمه واثنين من أخوته الذين علقوا بالضفة الغربية بعد إغلاق المعابر. كان الوقت ظهرًا، وكان يوسف يتحدث مع والدته ليطمئنها عن شقيقه الجريح رامي الذين يتعالج حاليًا بمستشفى الشفاء، وهو المعيل الوحيد له بعدما نزح والده إلى دير البلح في نوفمبر.

وقال: فجأة ودون سابق إنذار، قصفت مدفعية الاحتلال مباشرة تجاهنا، لم نفهم ما يحدث، تفقدت نفسي فكنت بخير ولكني وجدت دمارًا ودماءً من حولي، لأجد يوسف وآخرين مضرجين بدمائهم وهواتفهم التي كانت معهم ملقاة على بعد أمتار منهم. كان يوسف ما يزال على قيد الحياة ولكن في وضع صحي صعب جدًا، وسرعان ما فارق الحياة.”

وأضاف: “لم يجد يوسف من عائلته الصغيرة من يدفنه، فشقيقه رامي مصاب ووالده اضطر للنزوح ووالدته وشقيقاه عالقان بالضفة الغربية، لتتولى عائلته وأصدقائه المهمة.”

شهادة إضافية

وروى المواطن الستيني “محمود محمد أبو صقر” للأورمتوسطي تفاصيل استشهاد ابن شقيقه “حسام أكرم أبو صقر” (25 عامًا) وصديقه “عامر خميس عوض” (25 عامًا)، في حي “تل الزعتر” شمال غزة، قائلًا: “ذهب ابن شقيقي حسام لمنطقة البشير في حي تل الزعتر وهي منطقة مرتفعة يمكن منها الحصول على إنترنت. حسام ذهب للتواصل مع شقيقه بتاريخ 9 فبراير، والذي لم يتبق له سواه بعد مقتل والديه وخمسة من أشقائه في شهر ديسمبر شمالي غزة. جلس حسام وصديقه عامر للتحدث عبر الإنترنت، ولكن سرعان ما قصفتهم الطائرات.

وأضاف: “ذهبت مسرعًا لمكان القصف القريب من منزلنا، فنحن نسكن في تل الزعتر ومنطقة البشير قريبة من مكان تواجدي، ولكن تم نقلهما سريعًا إلى مستشفى العودة القريب من المكان. وبسبب انقطاع الاتصالات، لم أستطع إيصال خبر استشهاد ابن شقيقي إلى أخوتي وأقربائي الذين نزحوا جنوب قطاع غزة.”

ودمرت إسرائيل بشكل منهجي عبر استهدافات من طيرانها الحربي محطات الإرسال الهوائي لشبكات الهاتف المحمول على أسطح المنازل والمباني، وكذلك مقاسم الاتصالات للشبكة الأرضية الوحيدة في قطاع غزة، ما أدى إلى انقطاع الاتصالات والإنترنت عن غالبية قطاع غزة في أغلب الأوقات، ولجأ السكان للبحث عن بدائل أخرى ليس من السهل تأمين متطلبات تشغيلها.

ومنذ السابع من تشرين أول/ أكتوبر قطعت إسرائيل الاتصالات والإنترنت بشكل كامل عن قطاع غزة ما لا يقل عن 10 مرات، وغالبها جاء بالتزامن أو قبيل تصعيد في الهجوم، كما دمرت البنى التحتية المشغلة لشبكات الاتصالات بشكل شبه كامل.

المرصد الأورومتوسطي يؤكد أن عمليات القتل المتعمدة وغير القانونية والإعدامات خارج نطاق القانون والقضاء، سواء بالتصفية المباشرة أو القنص وإطلاق النار التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين الفلسطينيين تنتهك حقهم في الحياة، وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من الانتهاكات الجسيمة وفقًا لاتفاقيات جنيف، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لنظام رما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كجرائم قائمة بحد ذاتها، وتشكل ركنًا من أركان جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات