الإثنين 29/أبريل/2024

لا تعتادوا.. العدوان مستمر

أحمد الحاج علي

تراجع التظاهرات والفعاليات في العالم العربي، يعزوه البعض إلى القبضة الحديدية للأنظمة الحاكمة، والتي سمح بعضها بالبداية بخروج تظاهرات داعمة لغزة، ورافضة للمذابح هناك، كإجراء تنفيسي للاحتقان الذي التهب في نفوس الجماهير، لكن ما لبثت هذه الأنظمة أن اعتقلت قادة المظاهرات والناشطين الفاعلين ميدانياً وزجت بهم في السجون.

ومع ذلك، فهذا السبب لا يبدو وحيداً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هناك دولاً عربية تسمح بالتظاهر، ورغم ذلك شهد الحراك الشعبي فتوراً، وتراجعاً، وتراخياً أفقده معظم الزخم الذي كان سائداً في الأسابيع الأولى للعدوان. إذن، لا بد من التفتيش عن أسباب أخرى.

إنه الاعتياد، الذي يراهن أي محتل أو مستبدّ عليه، وأن رؤية الدم في الأيام الأولى سوف تحدث صدمة لدى المشاهد، ثم يبدأ بالتعوّد عليها كجزء من يومياته، فتتبلد عاطفته، ويصبح تجاوب نظامه العصبي أقل مع تكرار المنبهات نفسها.

وقصة الضفدع المغلي معروفة، وهي قديمة وتسبق نشأة كيان الاحتلال، ومع ذلك هو يمارسها كأي مجرم في العصر الحديث ينفّذ “إبادة جماعية”. وخلاصة القصة أن الضفدع سيبدي ردة فعل عند وضع قدمه في درجة حرارة معينة، ثم مع ارتفاع الحرارة شيئاً فشيئاً سيفقد ردة فعله، إلى أن يموت.

وهذا المثل تحديداً جرى ترداده مراراً وتكراراً لدى الصحافيين الإسرائيليين. أي ما يجري فعله هو سياسة لدفع الناس إلى الاعتياد، بحيث تتحول حياة الإنسان إلى رقم، أو عملية إحصائية، وليست جريمة كما هو مفترض النظر إليها، والتعامل معها.

وهناك فئة ارتضت أن تضع فاصلاً بين مشاعرها والحدث كآلية دفاعية، تمنعها، وفق هذا التصرف، من الاحتراق في نيران الأحداث، وحتى لا يصدها الأسى والاختناق عن مواصلة حياتها اليومية. ورغم هذه الأسباب النفسية، إلاّ أن عوامل كثيرة تفرض علينا جميعاً أن لا نعتاد الخبر، بل ندفع بأحاسيسنا في الميدان. فغزة لا تقاتل من أجل كسر الحصار عنها، بل تقاتل من أجلنا جميعاً، ومن أجل الأقصى وموقعه الديني والحضاري لكل المسلمين، ومن أجل أشياء كثيرة ذُكرت في البيانات الأولى التي صدرت عقب طوفان الأقصى.

الواجب الإنساني والديني وحتى المصلحي يفرض علينا أن لا نعتاد، وأن نبقى على تفاعلنا مع الأحداث. من أجل ذلك انطلقت الحملة الإعلامية “لا تعتادوا.. العدوان مستمر”، كصرخة تنبيه لضمائرنا، وإضاءة جديدة في وعينا، حتى لا نعتاد، فنصير إلى مصير الضفدع المغلي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات