الإثنين 29/أبريل/2024

“نهال”.. أفراحٌ بغزة خنقها الموت الزؤام وتجهيزات زفاف دُفنت تحت الركام

“نهال”.. أفراحٌ بغزة خنقها الموت الزؤام وتجهيزات زفاف دُفنت تحت الركام

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

تلاشت كلّ أحلامي. استشهدت شقيقتاي وقُصف منزلي، ملابس العُرس ومصاغي الذهبيّ بقيت كلّها تحت الأنقاض. لم يُبق لي الاحتلال الإسرائيليّ شيئاً، بهذه الكلمات تروي الفتاة الفلسطينية نهال النجّار، جانبًا من معاناتها المستمرة جراء العدوان والجرائم الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

 في خيمة من خيام المهجّرين جنوب قطاع غزة، تعيش النجار وتكافح للصمود والبقاء على قيد الحياة وسط قصف لا يتوقف وواقع معيشي إنساني صعب بفعل عدوان إسرائيلي متواصل منذ 117 يومًا، بحسب “وكالة سند”.

نهال التي كانت تدرس علاقات عامة وتسويق كانت مفعمة بالآمال والطموحات على الصعيد العلمي، والشخصي، إذ كان تتجهز للزواج في غضون شهر، بما فيه الملابس والمصاغ الذهبية، لكن كل ذلك تبدد وراح تحت الأنقاض ووطأة الحرب التي لا ترحم.

بغضب وألم شديدين تقول: سلب الاحتلال منّي كلّ ما هو جميل في حياتي. كلّنا نعيش الآن في بؤس فظيع. أنا أبكي شقيقتيّ طوال الوقت وأبكي بسبب الوضع وانعدام الأمل.

تروي نهال شهادتها حول معاناتها جراء القصف، مبينة أنه منذ بداية الحرب بدأ القصف الإسرائيلي المكثّف في كلّ مكان في مدينة غزّة، ثم جاء القرار الصادم بتهجير سكان غزة وشمالها إلى الجنوب.

تقول: في 12.10.23 تلقّينا تعليمات من جيش الاحتلال عبر مكالمات ورسائل هاتفيّة بإخلاء البناية التي نُقيم فيها، وهي البُرج رقم 3 في “أبراج المخابرات”، لأنّهم يعتزمون قصفها.

توضح أن البرج كان مؤلّفاً من 11 طابقاً، وأنها تقيم في إحدى الشقق الأربع في الطابق الثالث مع أسرتها – والدها و4 أشقاء وشقيقات، وفق شهادتها التي نشرتها مؤسسة بتسيلم.

تضيف بمرارة: أنا مخطوبة وكان يُفترض أن أتزوّج في نوفمبر /تشرين الثاني.

وقالت: كان بعض سكّان البناية قد غادروا فور بدء الحرب بسبب القصف. أنا وأمّي وشقيقتاي غادرنا في 12.10.23 وذهبنا إلى منزل عمّتي سميرة النجّار (55 عاماً) المقيمة في مخيّم جباليا للّاجئين. بقي والدي وشقيقاي في المنزل، ولكن في نفس اليوم قُصف البُرج رقم 1 فانتقلوا إلى فندق المشتل في شمال غرب مدينة غزّة.

وأضافت: بسبب القصف في منطقة الفندق، قالوا لنا إنّهم سوف ينتقلون إلى منطقة خان يونس حيث مخيم المهجَّرين الذي أقيم بصورة ارتجالية في مجمّع التدريب الصناعي التابع لوكالة الغوث.

مكثت نهال عند عمّتها نحو أسبوعين ومن حولهم القصف الدّائم وشظايا الزجاج تتطاير نحوهم، وفي 24.10.23 تلقّت عمّتها من جيش الاحتلال رسالة عبر الهاتف تأمرها بإخلاء المنزل لأنّهم يعتزمون قصفه.

تقول: غادرنا وانتقلنا إلى منزل عمّي محمد النجّار (40 عاماً) المقيم هو الآخر في مخيّم جباليا للّاجئين، في شقّة في طابق أرضيّ، ليجري استهدافهم هناك دون أي إنذار مسبق.

تتذكر تلك اللحظات بألم وتنهمر دموعها، وهي توضح ما جرى في اليوم التالي لوصولنا لمنزل عمي أي في 25.10.23، نحو السّاعة 19:00، كنت أجلس في غرفة الاستقبال مع والدتي وشقيقتي ميس وخُلود زوجة عمّي وطفلها الرّضيع محمود (شهران) وثلاث من بناتها – شهْد (15 عاماً)، وَعْد (13 عاماً) وجنى (10 أعوام). وكانت شقيقتاي منى ونور في غرفة أخرى، فيما كان عمّي محمد خارج المنزل وابنته غزل (11 عاماً) كانت قد ذهبت إلى منزل الجيران لكي تشحن الهاتف. فجأة وجدنا أنفسنا تحت الأنقاض.

تنهمر دموعها وهي تضيف: كنّا عشرة أشخاص ولم نعرف من حيّ ومن شهيد. لم نسمع انفجاراً. فجأة وجدنا أنفسنا تحت الأنقاض. توافد الناس لمساعدتنا. أنا لا أعرف بالضبط ماذا حدث بعد ذلك. لم أستطع أن أرى أحداً بسبب الدخان والرّكام، تضيف نهال.

حينها فقدت الوعي وحين أفاقت وجدت نفسها في المستشفى الإندونيسي، شماليّ مدينة غزّة.

تقول: كنت مع والدتي، وقد تبيّن لي أنّها تعاني حروقاً من الدرجة الثالثة في الوجه واليد والظهر والرجلين. كانت إصابتي في يديّ وقد وضعوا بلاتين في الأصابع وفي رجلي اليسرى. ميس ايضاً تعاني من حروق، إضافة إلى جروح تمّ تقطيبها.

وعلمت نهال أن شقيتيها منى (20 عاما) ونور (18 عاما) قد استُشهدتا، وكذلك استشهدت خلود وطفلها الرضيع وبناتها الثلاث اللّواتي كنّ معها.

تقول: عندما علمت أنّ هذا ما جرى لم أستطع التوقف عن البُكاء والصّراخ. لم أستطع أن أتمالك نفسي. وما زلت حتى الآن أبكيهنّ دون توقّف.

 في صباح اليوم التالي دُفن الشهداء في مقبرة بيت لاهيا شماليّ مدينة غزّة، وبقيتُ نها ووالدتي وشقيقتي ميس في المستشفى ولم يتمكّن من المشاركة في تشييعهم.

لاحقاً انتقلت نهال مع خطيبي ياسر مهنّا (30 عاماً) من المستشفى الإندونيسي إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزّة، وبقيت والدتها وشقيقتها ميس في الإندونيسيّ، ولكن عندئذٍ اشتدّ القصف في محيط مستشفى الشفاء قرروا المغادرة جنوباً، إلى خان يونس.

تقول: ذهبنا سيراً على الأقدام حتى وصلنا إلى حاجز “نتسريم”، وكنت أنا على كرسيّ عجلات. بعد الحاجز اعتلينا عربة يجرّها حمار، ثمّ أقلّتنا شاحنة إلى خان يونس حيث وصلنا نحو السّاعة 17:00.

في اليوم التالي وصلت إلى هناك والدتها وشقيقتها ميس بعد أن اضطرّت الاثنتان أيضاً إلى الفرار بسبب القصف الشديد في محيط المستشفى الإندونيسيّ.

تقول: نحن في مخيّم المهجّرين، وقد التقينا هنا والدي وأشقّائي. الظروف هنا صعبة جدّاً. نحن نقيم في خيمة من النايلون وقماش الشوادر. أتينا خالين من أيّ شيء سوى الملابس التي نرتديها، ونحن جريحات. تبرّع الناس لنا ببطّانيّات وملابس.

بمرارة تضيف: لا توجد مراحيض قريبة منّا، وعند الحاجة نمشي نحو مائة متر لكي نصل إلى المراحيض، وفي كلّ مرّة يرافقنا أشقاؤنا ويساعدوننا لأنّه من الصعب علينا المشي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات