الإثنين 29/أبريل/2024

مسعف من غزة يروي رحلة العذاب في الأسر الصهيوني

مسعف من غزة يروي رحلة العذاب في الأسر الصهيوني

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

 وثق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان عددًا من الشهادات “المرعبة” لفلسطينيين من غزة اعتقلهم الاحتلال إثر العدوان الغاشم على غزة، وخلال حربه البرية وما أقدم عليه من جرائم بشعة ضد الإنسانية وإبادة جماعية، وإخفاء قسري لأبناء غزة غير مميز بين صغير وكبير ولا امرأة أو رجل أو مسنٍ أو يافع.

وبحسب المركز الحقوقي فقد تعرض معتقلو غزة لدى جيش الاحتلال لظروفٍ بالغة الصعوبة لا يمكن وصفها، ولا يمكن تخيلها في ظلّ ما تعرضوا له من تعذيب بصعقات كهربائية، وإغراق بالماء، وإجبارهم على تعاطي حبوب الهلوسة، والحرمان من الطعام، وكل هذا جزء من أهوال التعذيب التي تعرض لها المسعف الفلسطيني وليد الخليلي، خلال 40 يومًا من اعتقاله من قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

وبحسب ما أورده المركزي الحقوقي على فقد روى الخليلي (35 عاما) وهو مسعف في جمعية الإغاثة الطبية، في شهادة له تفاصيل ما عاناه منذ اعتقلته قوات الاحتلال منتصف شهر نوفمبر الماضي من مدينة غزة، إلى جانب شهادته على إعدام صيدلاني كان رفقته.

ويتذكر الخليلي ما حدث صباح يوم الاثنين 13/11/2023، عندما كان رفقة الدكتور مروان الرفاتي مالك صيدلية الأسرة في حي تل الهوى في مدينة غزة وكان حينها يرتدي زي المسعفين الخاص بجمعية الإغاثة الطبية ويحمل حقيبة إسعاف أولي.

وتحولت مهمة إنسانية لمتابعة جروح 3 مصابين في منزل مجاور إلى قصة أسى لا يمكن أن تنسى، حسب شهادة الخليلي التي نشرها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.

لمطالعة التقرير: أهوال التعذيب خلال الاعتقال

وبعد الانتهاء من مداواة جروح المصابين، خرج الخليل برفقة الرفاتي، ويقول: وصلنا إلى شارع الصناعة والجهة الشرقية لملعب برشلونة، سمعت صوت إطلاق عيار ناري أصاب الدكتور مروان الرفاتي في بطنه ونظرت باتجاه الغرب وهو مصدر إطلاق العيار الناري فشاهدت ولاحظت وجود جنود إسرائيليين في عمارة سكنية تقع غرب ملعب برشلونة مباشرة.  

يتابع: في غضون ثوانٍ معدودة أطلق جنود الاحتلال من القناصة عياراً نارياً آخراً أصاب الدكتور مروان في رأسه (جبهته) فسقط على الأرض وبقي ينزف حتى استشهد.

 وواصل جنود الاحتلال من القناصة إطلاق النار تجاه المسعف الخليل؛ فاختبأ خلف مقطورة (شاحنة) كانت متوقفة في المكان، وخلال ذلك كان يسمع حركة مرور الدبابات الإسرائيلية التي تطلق نيران رشاشاتها وقذائفها المدفعية، وذلك في بداية التوغل البري لقوات الاحتلال الإسرائيلي في جنوب مدينة غزة.

يقول: بقيت خلف الشاحنة حتى الساعة 01:00 فجر اليوم التالي، وتمكنت بعد ذلك من قطع شارع الصناعة زحفاً ودخلت شقة في الطابق الثاني في عمارة سكنية خالية من سكانها ومكثت فيها حتى منتصف الليل(15/11/2023) تقريباً حيث سمعت صوت 3 انفجارات متتالية وشاهدت وهجاً أحمراً أضاء المكان وتبعه صراخ لجنود الاحتلال.

قدر المسعف الخليلي أن أفراداً من المقاومة أطلقوا عدة قذائف تجاه دبابات قوات الاحتلال. وبعد وقت قصير اقتحم الجنود العمارة التي تواجد فيها وفجروا أبواب الشقق بواسطة قنابل أو متفجرات بما فيها باب الشقة التي لجأ إليها فاختبأ في غرفة في خزانة الملابس ولم يلاحظوا وجوده.

يتابع: بعد خروج جنود الاحتلال من العمارة أطلقوا تجاهها القذائف والقنابل الحارقة فاشتعلت فيها النار، وخرجت أنا مسرعاً من الشقة باتجاه المصعد الكهربائي الذي سقط في الطابق السفلي(بيدروم) وكان معطلاً فنزلت بواسطة حبال وأسلاك المصعد حتى وصلت إلى البدروم وخرجت من شباك إلى منزل مجاور(فيلا) وكانت خالية من سكانها.

ويشير إلى أن قوات الاحتلال اقتحمت مساء 15/11/2023، الفيلا التي دخلها وهم يطلقون النار، يقول: شاهدت أضواء الليزر داخل الفيلا فبدأت بالصراخ وقلت لهم توقفوا (ريجا بالعبري) والنجدة (اتسيلوا بالعبري) فأوقف الجنود إطلاق النار وطلب مني جندي خلع ملابسي باستثناء اللباس الداخلي السفلي (بوكسر) والجلوس على الأرض على ركبي والنظر إلى الأرض.

وقال: قيدني الجنود بقيود بلاستيكية خلف ظهري ووضعوا عصبة على عيني وسار بي الجنود وخرجنا من الفيلا إلى منزل آخر ورفعوا العصبة عن عيناي وكان فيها حوالي 20 جندياً يرتدون زياَ أخضر اللون مموه ومنقوش عليه علم أمريكا.

وأضاف: بدون مقدمات ضربوني على جميع أنحاء جسدي بأيديهم لوقت طويل وهو ما تسبب في كسر بعض عظام صدري ثم أحضروا جهاز كشف الكذب وأوصلوه بجسمي وسألوني عن سبب تواجدي في المنطقة التي اعتقلت فيها فأجبت بكل التفاصيل.

وتابع: سألوني هل أجريت اتصالات من جوالك فقلت نعم فأصدر جهاز كشف الكذب صوت مميز فتعرضت للضرب والصعق بالكهرباء، ثم صححت إجابتي وقلت لم أتصل من جوالي وإنما أرسلت رسالتين نصيتين لزوجتي ومديري في العمل، ولكن ذلك لم يوقف ضربي.

وذكر أن المحققين وجهوا له تهم خطف إسرائيليين وأمريكيين وزعموا وأنقل معلومات عن الجيش الإسرائيلي، وأنه يتواجد في منطقة قتال ممنوع التواجد فيها.

وبيّن أنه عندما أنكر التهم تعرض للصعق بالكهرباء 5 مرات بواسطة جهاز يحمله الجنود إلى جانب التعرض أيضاً للضرب الشديد على جميع أنحاء الجسم وكان الألم شديداً، “خاصة بسبب كسور عظام صدري والجروح في رأسي وبسبب عدم قدرتي على التحمل اعترفت بكل التهم الموجهة لي”، وفق قوله.

وقال: نقلوني وأنا مقيد اليدين خلف ظهري ومعصوب العينين وبدون ملابس باستثناء اللباس الداخلي السفلي (البوكسر) في ناقلة جنود .. وسارت بنا ناقلة الجنود لبعض الوقت، ثم توقفت وأنزلوني منها على الأرض. وتعرضت للضرب من الجنود وأنا ملقى على الأرض وبصقوا علي وبالوا علي أيضاً، ثم أعادوني إلى الناقلة وكانت تسير ثم تتوقف عند تمركز جنود آخرين في عدة أماكن وأتعرض لنفس الانتهاكات من قبلهم.

وتابع: ثم نقلت إلى منزل مقصوف ومكثت فيه طوال الليل وأجبرني الجنود على النوم على الأرض حيث الزجاج المحطم وركام المنزل المقصوف. وكان الجنود يصعدون فوق جسمي وهو ما تسبب بجروح في أنحاء جسمي.

وفي الصباح نقل المسعف في ناقلة الجنود إلى داخل إسرائيل (فلسطين المحتلة)، وعرف ذلك بعد تعرضه للشتم من أطفال المستوطنين الذين شاهدهم من تحت العصبة، وقال: وصلنا إلى موقع عسكري لا أعرف موقعه بالضبط ولا أسمه. وعرضت على محقق قال لي بأنه محقق عسكري من فرقة جولاني وأجبرني على شرب حبة دواء ( أعتقد أنها حبة هلوسة)، وبعد شربها مع كمية محدودة من الماء طلبت شرب مزيد من الماء لكن المحقق رفض.

وتابع: ألبسني الجنود حفاظة (بمبرز) وأوفرهول بني أو زيتي اللون واستلقيت علي سرير بعد وضع طوق من الحديد (أسورة) حول رأسي وقيود حديدية (أسورتين) في قدماي استخدمت لصعقي بالكهرباء في رأسي وقدماي بشكل متقطع.

وبدأ المحقق يذكر كلمات محددة وينتظر من المسعف الخليلي الإجابة مثل (السلاح – حماس – المختطفين – الانفاق – 7 أكتوبر)، وعندما لا يرد أو لا تعجب إجاباته المحقق يصعقه بالكهرباء.

يقول: كنت أشعر بشيء غريب كأنني أحلق في السماء وغير واعٍ بدرجة كافية للرد على الأسئلة. وبقيت على هذا الوضع عدة أيام، أجبر على شرب حبوب الهلوسة وأصعق بالكهرباء وأتخيل نفسي في منزلنا وأنادي على أهلي، ولم يقدم لي الطعام أو الماء وأرتدي حفاظة ولم أشعر برغبة في الذهاب لدورة المياه.

تابع: بعد عدة أيام، لا أستطيع تحديدها، نقلت إلى معتقل لا أستطيع تحديد مكانه أو أسمه بواسطة حافلة سارت عدة ساعات وأنا مقيد اليدين ومعصوب العينين. وبعد عرضي على عدة أطباء داخل عيادة المعتقل (السجن)، لاحظ الأطباء حالة الإعياء التي أنا عليها وقرروا إبقائي دون تحقيق لمدة يومين، ومكثت في غرفة بدون نوافذ وفيها سرير.

 وبعد مرور اليومين، نقل الخليلي للتحقيق من محققين قال أحدهما أنهما من الشاباك ومعهما 5 أفراد ملثمين وقفوا خلف الكرسي الذي قيد فيه من يديه خلف ظهره وقيود في قدميه في أرجل الكرسي، وفق قوله.

وأكد أنه قبل بداية الاستجواب والتحقيق أجبر على شرب حبة دواء (هلوسة)، ثم جذب الملثمون يديه للخلف بقوة (شبح) وسبب ذلك ألماً شديداً له حتى غاب عن الوعي لبعض الوقت.

يقول: بدأ استجوابي وتكررت الاتهامات لي بأنني أنتمي لحركة حماس وعضو في نخبة القسام وشاركت في أحداث 7 أكتوبر، وأنا أنكر كل ذلك فيتم شبحي من يداي خلف الكرسي حتى تمنيت الموت للراحة من الألم والعذاب، واستمر ذلك عدة ساعات متقطعة.

أضاف: بعد ذلك أخرجوني لساحة المقر لبعض الوقت ووضعوا قيود في يداي (عضاضة) كل ما أحرك يداي تشتد القيود حولها وهو ما سبب جروحا فيهما ولا تزال آثارها واضحة على المعصمين. وبعد ذلك أعادوني لغرفة التحقيق وشبحوني من يداي للخلف في باب الغرفة لعدة ساعات.

ونقل الخليلي لاحقا – وفق قوله- لسجن قد يكون اسمه إيتمار حسب ما تعرف عليه بعض المعتقلين فيما بعد.

 والسجن عبارة عن عدة أقفاص من الحديد وكل قفص فيه حوالي 100 معتقل ويحيط به سلك شائك وكل المعتقلين مقيدو اليدين للأمام بقيود بلاستيكية ثم قيود حديدية ومعصوبي الأعين.

وقال: سلمونا ملابس (بيجامة رمادية) وفرشة وبطانية والطعام 3 وجبات ولكنها قليلة جداً ولا تكفي شخص واحد وبصعوبة يسمحوا للمعتقلين بالذهاب للحمام. وكان روتين السجن اسفراه(عدد) بشكل يومي من الساعة 05:00 صباحاً حتى الساعة 12:00 منتصف الليل، ويجبر الجنود خلالها المعتقلين على الجلوس على الأرض على ركبهم ويمنعوهم من التحدث لبعضهم البعض طوال الوقت، ويتخلل ذلك نقل غالبية المعتقلين للتحقيق كل يومين.

وأكد أنه تكرر التحقيق معه وإجباره على تناول حبة دواء (حبوب هلوسة)، وأنهم نقلوه إلى كونتينر فيه محقق قال إنه من وحدة جولاني.

وقال: ربط الجنود قدماي بجنزير ورفعوهما إلى السقف وتدلى رأسي للأسفل وغمروه في وعاء فيه ماء ومن شدة العطش شربت كمية كبيرة من الماء.

وتابع: استمر غمر رأسي في الماء لبعض الوقت، ثم شبحوني من يداي وقدماي بحيث لا تلامسان الأرض علي سلك مشبك أمام غرفة التحقيق لعدة ساعات، وبعد انزالي أعادوني إلى الغرفة، ورسم المحقق سيارة إسعاف على الحائط وطلب مني الذهاب بها لإحضار السنوار زعيم حماس.

وأشار إلى أنهم أخرجوه عاريا ما عدا البوكسر، في إحدى جولات التحقيق، وسكبوا ماء بارداً على جسمه وشغلوا مراوح تجاهه حتى تجمد من البرد.

وأكد أنه خلال تواجده في القفص داخل السجن توفي أحد المعتقلين في نفس القفص وثار المعتقلون وحملوه وهتفوا بأنه شهيد التعذيب فاقتحم الجنود القفص الذي يتواجد فيه والأقفاص المجاورة وألقوا القنابل الصوتية واعتدوا على كل المعتقلين بالهراوات.

وقال: بعد يومين توفي معتقل ثاني (مبتور القدم/معاق) في قفص مجاور جراء الضرب الذي تعرض له على رأسه خلال اقتحام أقفاص السجن.

وأضاف: بالرغم من العصبة على عيناي إلا أنني كنت ألاحظ شبح معتقلين آخرين في البرد والمطر سواء أثناء التحقيق معهم أو بسبب عقابهم لأنهم يتحدثون مع بعضهم البعض.

وأشار إلى أنه تعرض للشبح على السلك مرتين بسبب حديثي مع معتقل بجواره.

وقال في آخر ليلة لي في السجن نادى الجنود على حوالي 30 معتقلاً كنت من ضمنهم حيث نقلونا في حافلة سارت بنا عدة ساعات ونحن مقيدو اليدين والرجلين ومعصوبو العينين وننظر للأسفل، وضرب طوال الطريق حتى وصلنا إلى معبر كرم أبو سالم في مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وتابع: بعد وصولنا طلب منا جنود حرس الحدود جمع الورق وتنظيف ساحة داخل المعبر لبعض الوقت، ثم قالوا لنا اركضوا باتجاه الغرب نحو نقطة للأونروا حيث عدت إلى غزة بعد 41 يوما من العذاب.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات