الثلاثاء 07/مايو/2024

مقاومون بغزة يحملون مشاعل العلم بوجه عدوان التجهيل الصهيوني الممنهج

مقاومون بغزة يحملون مشاعل العلم بوجه عدوان التجهيل الصهيوني الممنهج

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

“أنا أكاديمي.. وإذا هاجم جنود الاحتلال بيتي فإنني سألقي عليهم القلم.. ولو كان آخر شيء أفعله”، لم تكن مجرد كلمات صمّاء تلك التي تركها بعد استشهاده الأكاديمي الفلسطيني رفعت العرعير، بل إنّها تحوّلت لمنهاج حياة عاشه ويواصله أصحاب الرسالة والأقلام والمعلمون والمتطوعون في غزة وعموم فلسطين لإشعال أنوار العلم بوجه ظلمة الجهل التي يسعى العدوان الغاشم لفرضها على النشأ الجديد من الأطفال خاصة.

وعلى الرغم من الهدف الواضح “والبربري” الذي أعلنه نتنياهو منذ بداية العدوان الغاشم على غزة وسعيه العلنيّ لمعاملتها بالطريقة التي عوملت بها ألمانيا بعد الحرب العالمية والسعي لإحداث تغييرٍ ثقافي يغير عقيدة الفلسطينيين وخاصة الأطفال منهم وإزالة فكرة إبادة دولة الاحتلال وزوالها من قاموسهم، إلا أنّ الجنود المجهولين وخط الدفاع الأول عن ثقافة شعبنا الفلسطيني وهويته،  بمعلميه ومتطوعيه ما زالوا يحملون على عاتقهم مواصلة رسالتهم بتعليم أطفال غزة رغم الحصار والدمار وقلة الموارد وصعوبة الظروف واكتظاظ ما بقي من المدارس التي تحولت لمراكز إيواء، وهم يحملون الأقلام والدفاتر في وجه الاستهداف الممنهج لكل صروح العلم من مدارس وجامعات ومساجد.

“المقاومة التي تشكلت في فلسطين ليست فقط بالسلاح، بل المقاومة بالعلم والثقافة والمحافظة على التراث والبقاء والوجود”، بهذه الكلمات يؤكد الخبير التربوي نور الدين نديم في تصريحاته للمركز الفلسطيني للإعلام على استمرار صمود شعبنا الفلسطيني بوجه كل عمليات الاستهداف الممنهجة ومحاولات التجهيل المباشر والواضحة التي يسعى لها العدوّ الصهيوني عبر تدمير المدارس في غزة.

ويؤكد نديم أنّ همجية الاحتلال وطغيانه واستهدافه لمنظومة التعليم بشكلٍ ممنهج، وعملية تجهيل مباشرة وواضحة تسعى لمسح ثقافة الشعب الفلسطيني وهويته وطمس حضارته، وفرض أجندات وأيدولوجيا صهيونية لتقبل الاحتلال والتعايش معه”.

ويشدد على أنّ هذه المؤامرة المتواصلة يقف بوجهها جيش من المعلمين والمتطوعين في مراكز الإيواء ومراكز النازحين، بهذا العمل البطولي الذي يحمل رسالة العلم التي تمثل خط الدفاع الأول عن شعبنا الفلسطيني وهويته وعقيدته”.

وينوه إلى أنّ هؤلاء المتطوعين والمعلمين يقومون وبشكل متواصل بـ “أنشطة منهجية في رفع المعنويات والتربية بالحدث وتعزيز الثقافة والموروث العربي الإسلامي عند أبنائنا الطلاب في غزة”.

ويشير نديم إلى أنّ “الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزة، لا يمس الطعام والشراب فقط، بل يمسّ الورق ويمس الأقلام ويمس التكنولوجيا التي تخدم العملية التعليمية برمّتها”، وهو الهدف الذي تحدث عنه رئيس وزراء دولة الاحتلال صراحة بالمطالبة بفرض تغيير ثقافي على طلاب غزة لإزالة فكرة تدمير دولة الاحتلال وزوالها من مناهجهم وأفكارهم.

أحمد أبو سمعان، واحدٌ من النماذج المشرقة التي تحمل القلم والعلم بوجه محاربة الاحتلال الإسرائيلي وتحدّيه من خلال التعليم داخل مراكز الإيواء وسط القطاع.

ويتحدى أبو سمعان، وغيره من المبادرين إلى تعليم الأطفال داخل مراكز الإيواء في وسط القطاع وجنوبيه، حربَ التجهيل الإسرائيلية التي تُمارس بصورة خفية على الفلسطينيين، وخصوصاً شريحة الأطفال، الذين تهدد الحرب على غزة بإلغاء عامهم الدراسي.

ويؤكد أبو سمعان أنّ “الاحتلال الإسرائيلي لا يحارب الفلسطينيين بالأسلحة والصواريخ فقط، وإنما يحاربهم أيضاً بالتجهيل وتغييب العقول، بهدف ظهور جيل غير متعلم وغائب عن تفاصيل القضية الفلسطينية”، يقول أبو سمعان لـلميادين نت.

ويضيف: “دفعني ذلك إلى المبادرة إلى تأسيس فصول دراسية مصغرة للأطفال النازحين مع عائلاتهم من غزة وشماليها إلى وسط القطاع في مدارس الإيواء، واستهدفت الدروس بصورة خاصة أطفال المرحلة الأساسية”.

ويتابع بالقول: “قمت بتدريس الأطفال مواد اللغة العربية والرياضيات والتاريخ، وتحدثت إليهم عن الحرب الإسرائيلية ومساعي الاحتلال لتجهيلنا، وقدمت إليهم كثيراً من الحوافز للاستمرار في الدراسة وتلقي العلوم، ولو بالقدر القليل”.

ويقول أبو سمعان: “الفصل الدراسي انتهى قبل أن يبدأ بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن الحاجة أصبحت ملحّة إلى وضع خطة بديلة من أجل ضمان سير المسيرة التعليمية في القطاع”، مشدداً على أن ذلك يمثل التحدي الأكبر للاحتلال.

أمّا المعلمة الفلسطينية أسماء مصطفى، الحائزة لقب المعلم العالمي عام 2020، بدأت قصتها مع الأطفال النازحين من داخل مكتبة مدرسية في مدينة خان يونس، بعد أن اضطرت إلى النزول إليها بسبب الحرب الإسرائيلية.

وتقول مصطفى: “أسعدني كثيراً توافر مئات القصص القصيرة للأطفال، وقرّرت أن أخصص جزءاً من وقتي اليومي للأطفال النازحين في المدرسة، تعويضاً لهم مما فاتهم داخل المنشآت التعليمية، ولو بالقدر البسيط”.

وتؤكد أنها تعمل على تعزيز وعي الأطفال بالقضية الفلسطينية وتمرين عقولهم على مهارات مميزة تلهيهم عن أصوات الاشتباكات والقصف، من خلال القصة التعليمية المصورة والهادفة، قائلةً إن “ما نعيشه هنا يندرج بكل وضوح تحت سياسة العدو المحتل في تجهيل أبناء غزة وإبعادهم عن طريق العلم”.

تواجه المدرّسة أسماء صعوبة في استيعاب كل أطفال المدرسة، بصورة يومية،ـ بحيث يصعب استيعاب آلاف منهم في غرفة واحدة لا تتسع لأكثر من 50 فرداً، مستدركةً: “لكن للتغلب على ذلك، قمت بتحديد عدد المجموعات من الأطفال، بحيث لا يزيد عدد المجموعة الواحدة على 30 طفلاً”.

ووضعت المدرّسة الفلسطينية جدولاً يومياً لتعليم الأطفال وللقصص التي ترويها لهم، بحيث تحتوي المدرسة على 4 طبقات وجناحين منفصلين في الطبقة الأرضية. وشملت مبادرتها 1200 طفل، تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و13 عاماً.

وتذهب أبعد من ذلك بالقول: “في بعض الأحيان، تكون هناك جلسات للأمهات من أجل تزويدهنّ بالمعرفة اللازمة لتعليم أبنائهنّ”.

ويعبر الخبير التربوي نور الدين نديم في تصريحاته للمركز الفلسطيني للإعلام عن خشيته من استمرار العدوان وأن يخسر طلاب غزة عامًا دراسيًا كاملاً في قطاع غزة، والآن الأمر لا يقف عند هذا الحد، وإنّما يذهب أكثر من ذلك باستشهاد كوادر التربية والتعليم واستشهاد الطلاب.

كما يحذر نديم من خطورة الآثار النفسية للحرب على أطفال غزة وانعكاساتها لمشاهداتهم الحيّة كل يوم مع عائلاتهم وهي تهدم أمامهم مع حجم الطغيان وأنّ كل العالم لا يستطيع أن يتدخل.

ويلفت إلى أنّ هناك “مفاهيم كثيرة اختلت لدى أبناءنا في قطاع غزة بسبب الحرب: مفهوم العدالة، مفهوم العروبة والانتماء للأمّة العربية والإسلامية الواحدة، مفهوم الجسد الواحد”.

ويشدد على أنّ “كل هذا بحاجة لإعداد مناهج موازية للمناهج العادية وهي مناهج التربية السلوكية والعلاج النفسي والتعزيز المعنوي وما إلى ذلك”.

وكان الفصل الدراسي في بدايته مع بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الأمر الذي حال دون تمكن مئات الآلاف من الطلاب والجامعيين من استكمال دراستهم، الأمر الذي يُعَدّ خطيراً على المسيرة التعليمية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات