عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

كيف تصاعد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية رغم التحديات؟

كيف تصاعد التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية رغم التحديات؟

ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن عن رغبته في مواصلة حربه على قطاع غزة حتى النهاية، رغم أن هذه الحرب أفضت -حتى الآن- إلى سقوط أكثر من 19 ألف شهيد فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء. ولكن رغم كل الدعم السياسي الذي امتلكه جيش الاحتلال، فإن القضية الفلسطينية تكتسب مع مرور كل يوم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 داعمين وأنصارا جددا في مختلف بقاع العالم، وهو ما نحاول رصده في هذا التقرير، الذي يُسلط الضوء على حركة التضامن العالمي لمناصرة غزة والقضية الفلسطينية، وتحدِّيها كل المعوقات والتهديدات، وبالأخص في الدول الغربية.

منذ بداية الحرب على غزة التي استهدفت النساء والأطفال انتقاما من عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، انتفضت المظاهرات لتعمّ جميع أرجاء العالم تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. في العاصمة النيوزلندية “ويلينغتون” خرجت المظاهرات بالآلاف إلى مبنى البرلمان تهتف “فلسطين حرة” حاملة أعلام فلسطين، وفي النرويج رقد المتظاهرون في محطة القطارات المركزية بالعاصمة مُرتدين أكفانا مُلطخة بالدماء للتنديد بالاحتلال. أما في أيرلندا فلم يتوقف نشاط الناس في التعبير عن تضامنهم الكامل مع القضية الفلسطينية منذ الأيام الأولى للحرب، بل امتد التضامن هناك لملاعب كرة القدم، إذ أنشدت الجماهير في المدرجات هتافات التضامن مع غزة وفلسطين، وتبرعت الأندية الرياضية لصالح أهالي غزة.

في اليابان، رغم صمت الحكومة عما يحدث في غزة خوفا على مصالحها الاقتصادية مع دولة الاحتلال، خرجت المظاهرات في طوكيو بالآلاف للتنديد بسلوكيات دولة الاحتلال، بينما شهدت شوارع لندن مظاهرات غير مسبوقة للتضامن مع فلسطين شارك فيها مئات الآلاف وفق تقديرات الشرطة نفسها، رغم التهديدات والاعتقالات التي شهدتها صفوف المناصرين لفلسطين. وكذلك في النمسا لم يَحُل تساقط الثلوج والحظر الذي فرضته السلطات على المظاهرات المناصرة للقضية من تجمُّع المتظاهرين الذين هتفوا من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار.

وفي يوم “حقوق الإنسان” في 10 ديسمبر/كانون الأول عمَّت الاحتجاجات أوروبا، إذ خرجت المظاهرات في بلجيكا بالأعلام الفلسطينية داعية إلى وقف الحرب الانتقامية لجيش الاحتلال رافعين شعار “أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، و”القدس عاصمة فلسطين”، بينما في ألمانيا كانت الهتافات أكثر انتقادا للحكومة بسبب دورها في الحرب، حيث صدحت قائلة: “ألمانيا تُموِّل وإسرائيل تقصف”، ولوَّح بعض سكان برلين للمظاهرة بالتحيات والأعلام الفلسطينية.

وفي اليوم نفسه سارت مظاهرة في العاصمة السويدية ستوكهولم في اتجاه السفارة الإسرائيلية مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات لأهالي غزة دون شروط، بل دعت المظاهرة صراحة لمقاطعة إسرائيل. أما في هولندا في ذلك اليوم فقد كانت الهتافات أكثر جرأة “من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر”، والسبب أن هناك حكما قضائيا يقضي بأن هذا الهتاف ليس عنصريا أو معاديا للسامية، وهاجمت الهتافات الحكومة الهولندية مباشرة قائلة إن يديْها ملطخة بالدماء.

من جهة أخرى، ومنذ الأيام الأولى للحرب، كتب 800 موظف في الاتحاد الأوروبي عريضة لرئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” يحتجون فيها على تحيز الاتحاد لدولة الاحتلال، مؤكدين أن طلبهم هو أن يسعى الاتحاد في طريق وقف المذبحة ضد الفلسطينيين، وأن تلك الحرب لم تشهد تفعيلا لأي قيمة من القيم التي بُني عليها الاتحاد الأوروبي. جدير بالذكر أن التضامن العالمي تجلَّى حتى في قطاع الأزياء، إذ ارتفعت مبيعات “الكوفية” الفلسطينية على نحو كبير في الولايات المتحدة منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول وحتى الآن، رغم ما يتعرض له مُرتَدوها من اعتداءات لفظية وجسدية في بعض الأحيان. إن التضامن مع القضية الفلسطينية ليس محمود العواقب في الدول الغربية، وخاصة في هذه المرة التي تبدو فيها الحكومات الغربية متحدة لحماية إسرائيل، فقد شهد العديد من المتضامنين مع القضية الفلسطينية في الدول الغربية أزمات عدة في الأسابيع الماضية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.

بحسب “إستر ميجور”، نائبة مديرة البحوث في منظمة العفو الدولية بأوروبا، فإن العديد من الدول الأوروبية قامت بتقييد حق الاحتجاج من أجل فلسطين على نحو غير قانوني، إذ استهدفت إجراءات هذه الدول -بحسبها- حتى الأعلام الفلسطينية والهتافات من أجل فلسطين، فضلا عن وحشية الشرطة -كما وصفتها- في التعامل مع الاحتجاجات، وحظر الاحتجاجات المتضامنة مع فلسطين تماما في بعض الأحيان. وبحسب “أنس مصطفى”، الناشط في منظمة “سي إيه جي إي” الحقوقية في بريطانيا، فإن التضامن مع فلسطين أصبح جريمة على نحو متزايد في أوروبا، وهناك حملة قمع غير مسبوقة في القارة ضد النشاط الفلسطيني. وقد أعلنت الشرطة البريطانية أنها لن تتسامح مع أي شخص يُظهر تعاطفا مع المقاومة الفلسطينية المسلحة، إلى درجة أن السلطات البريطانية اعتقلت حتى بدايات شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم نحو 100 شخص بتُهم التعاطف مع حماس أو إطلاق هتافات تراها لندن معادية للسامية، رغم الاعتراف بأن تلك المظاهرات في بريطانيا كانت سِلمية.

بشكل مماثل في ألمانيا اعتدت قوات الشرطة على ناشطين عرب وألمان مناصرين للقضية بسبب هتافاتهم لحرية فلسطين، وحظرت البلاد شبكة “صامدون” المتضامنة مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، هذا فضلا عن شكاوى النشطاء الفلسطينيين من انتهاكات حكومة “أولاف شولتز”، التي وصلت إلى حد ابتزازهم بأوراق إقامتهم، بالإضافة إلى وقف الوسائل الإعلامية التعامل مع الصحافيين المتضامنين مع القضية الفلسطينية، مثلما حدث مع “مالكولم أوهانوي”، الذي أوقفت الإذاعة البافارية التعامل معه بسبب تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها في بداية الأحداث: “حين تُقطع ألسنة الفلسطينيين بشكل مُمنهج، كيف يمكنهم الاعتماد على الكلمات للدفاع عن أنفسهم؟”.

في الولايات المتحدة، وصل عدد المستهدفين بسبب التضامن مع فلسطين إلى 260 حالة بحسب “منظمة فلسطين القانونية”، وشملت تلك الحالات الطرد من الوظائف وإلغاء عقود العمل بسبب منشورات مدافعة عن فلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على تصريح مجموعة من المسؤولين التنفيذيين في “وول ستريت” بأنهم لن يوظفوا أي طالب وقَّع على بيانات داعمة لفلسطين. وربما من آخر تلك الأمثلة للتضييق على المتضامنين مع فلسطين ما حدث مع رئيسة جامعة بنسلفانيا الأميركية “ليز ماغيل”، التي أُجبرت على الاستقالة بعد شهادتها في جلسة الاستماع بالكونغرس، حيث دافعت عن حرية التعبير المكفولة للطلاب كي يتضامنوا مع القضية الفلسطينية أمام الاتهامات بتزايد “معاداة السامية” في الحرم الجامعي. وبعد شهادة ليز هدَّد المانحون الجامعة بسحب تبرعاتهم من أجل إقصائها.

إن عواقب التضامن مع فلسطين وخيمة، كما نرى في الدول الغربية، وبالأخص على الأشخاص المؤثرين في مواقع عمل معينة، ومع ذلك لم تتوقف حملة الدعم الشعبي، بل ازدهرت في الأسابيع الأخيرة، إذ إن الحرب ساهمت بشكل كبير في تعميق المعرفة العالمية بالقضية الفلسطينية وقضية الاستيطان، رغم محاولات الإعلام الغربي لسنوات طويلة إظهارها على أنها قضية جدلية معقدة يصعب اتخاذ موقف حاسم وصريح فيها.

على مستوى الدول، أعلنت بعض الحكومات حول العالم تضامنها بدرجات متفاوتة مع الشعب الفلسطيني، فقد أدان رئيس الوزراء الأيرلندي انتهاكات دولة الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، فيما أخذت النرويج منذ وقت مبكر موقفا مخالفا للنغمة الأوروبية السائدة، إذ انتقدت حصار غزة وانتهاكات دولة الاحتلال في المقام الأول، وأكدت أن إسرائيل تجاوزت بوضوح حدود القانون الدولي. وتبنَّى حزب “بوديموس” اليساري الإسباني المشارك في التحالف الحاكم لهجة قوية ضد دولة الاحتلال، ودعا إلى قطع العلاقات الأوروبية بالكامل مع تل أبيب. فيما أكد الحزب الشيوعي الإسباني، مثله مثل الكثير من الشيوعيين الأوروبيين، حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ورفض وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بالحركة الإرهابية.

بعيدا عن أوروبا، اتخذ رئيس كولومبيا “غوستافو بِترو” لهجة تصعيدية مع دولة الاحتلال تنديدا بجرائمها ضد الفلسطينيين، وأعرب رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوسا” عن دعم بلاده التاريخي للكفاح العادل للشعب الفلسطيني وهو يلبس الكوفية الفلسطينية محاطا بأعلام فلسطين، ومُذكِّرا بأن نظام دولة الاحتلال أشبه بنظام الفصل العنصري الذي عاشته جنوب أفريقيا أثناء الحرب الباردة. أما بوليفيا فوصلت إلى حد قطع العلاقات مع إسرائيل، فيما استدعت تشيلي سفيرها من إسرائيل احتجاجا على الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني.

من جهة أخرى، ورغم الموقف الأميركي المتحالف مع إسرائيل في حربها على الفلسطينيين، فإن المرشح الرئاسي الأميركي المستقل والمفكر “كورنيل وِست” وصف ما تقوم به دولة الاحتلال بالإبادة الجماعية، ويصف كورنيل الفلسطينيين بأنهم إخوانه، وهو ناقد شرس يشارك في المظاهرات ضد سياسات الولايات المتحدة المشاركة مباشرة في الحرب ضد فلسطين. ورغم كل نصائح شركات التسويق بأنه ينبغي للنجوم والفنانين في العالم الغربي ألا يأخذوا موقفا من الأحداث، فإن هناك قائمة من الفنانين الذين أعلنوا تضامنهم مع فلسطين رغم كل المخاطر التي ربما تصيب مستقبلهم المهني بسبب ذلك.

على سبيل المثال، رفض الممثل الحائز على جائزة إيمي “ديفيد كلينون” مؤخرا خوض تجارب أداء لسلسلة جديدة تنتجها شبكة “نتفليكس” من صنع إسرائيليين تضامنا مع فلسطين، قائلا: “إن هذا الولاء الهوليودي لإسرائيل قد بدأ جيل جديد من المبدعين في تحديه رغم كل محاولات أصحاب النفوذ في الصناعة أن يكتموا هذا الصوت ويرهبوه”. ومن أبرز النجوم الذين أعربوا عن تضامنهم مع فلسطين تأتي “سوزان ساراندون”، التي عوقبت بإلغاء تعاقد وكالة المواهب “يو تي إيه” تعاقدها معها بسبب دعمها للقضية الفلسطينية وتوقيعها على عريضة تطالب بايدن بوقف حربه على غزة. وهناك أيضا “سينثيا نيكسون”، التي دخلت في إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض من أجل غزة، بينما تعرضت “ميليسا باريرا” للطرد من فيلم جديد بسبب تحدثها عن الإبادة الجماعية في غزة. يُضاف إلى ذلك أن “برادلي كوبر” و”سيلينا جوميز” و”جانيل موناي” و”جينا أورتيجا” و”خواكين فينيكس” قد وقَّعوا على عريضة تطالب الكونغرس وجو بايدن بوقف الحرب على غزة. وفي بريطانيا كتب 3 آلاف فنان عريضة طالبوا فيها بوقف القصف الإسرائيلي فورا، مؤكدين فيها أن ما يحدث جريمة متكاملة، وكان من هؤلاء الفنانين “تيلدا سوينتون” و”بيتر مولان” و”ستف كوجان” و”ماكسين بيك” والكوميديان “فرانكي بويل” والفنان التشكيلي “تاي شاني” وغيرهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات