كيف تنتصر إسرائيل.. وكيف تُهزم؟!
لا تقلّ حرب العام 1967 أهمّيّة بالنسبة لـ”إسرائيل” عن حرب العام 1948، بوصفها لحظة تأسيسية ثانية لها، فمن المؤكّد أنّ بقاءها ظلّ محلّ شكّ حتّى جاءت تلك الحرب الثانية، التي لم تكرّس فيها “إسرائيل” نفسها فحسب مبطلة بذلك الدعاية الصاخبة للنظام “الثوري العربي”، ولكنّها أيضاً أثبتت بذلك الانتصار الساحق والغريب لرعاتها الدوليين، لا سيما القوّة العظمى الجديدة، وريثة الاستعمار القديم الولايات المتحدة الأمريكية، جدارتها بالثقة. وهي كأي حدث تاريخي، يحمل نقيضه في أحشائه، فبقدر ما كانت هذه الحرب فرصة للتحايل على أصل القضيّة الفلسطينية، فإنّها جدّدت القضيّة الفلسطينية بتصعيد مقاومة أبنائها، لكن هذا حديث آخر.
ثمّة نقيض آخر انطوت عليه هذه الحرب، لكنّه لم يكن نقيضا من جهة تكريس “إسرائيل” لنفسها، فالحرب كانت تحمل في أحشائها مفهوماً خاصّاً للسلام، المفهوم الإسرائيلي الصرف للسلام مع العرب، الذي لا معنى له إلا التأكيد على الانتصار والبقاء الإسرائيلي، لا المجرّد، ولكن المتفوّق مقابل التخفيف من آثار هزيمة العام 1967، وهو ما عبّر عنه القرار “242”، والذي صارت صيغته الأثيرة “الأرض مقابل السلام”، وهي صيغة مؤكّدة للهزيمة، لأنّ الأرض، والحالة هذه، لا تُسترجع بالحرب، ولكن بالتعاقد مع الدولة المنتصرة، بمعنى أنّ العرب سوف يتفاوضون معها من موقع المهزوم، المقرّ بهزيمته الأبدية. سيكون ثمن الأراضي العربية، هو الاعتراف لـ”إسرائيل” بالبقاء الدائم على أرض فلسطين!
السلام الإسرائيلي، بحكم هذه الواقعة التاريخية الواضحة، مؤسّس على الحرب الإسرائيلية، أو بكلمة أخرى، على الانتصار العسكري الإسرائيلي. هذه الواقعة تفيد الحلّ العربي/ الفلسطيني، من التجربة الإسرائيلية، ومن منطوق التاريخ ومفهومه، والذي يمكن تلخيصه بإبطال اللعبة الإسرائيلية، القائمة على الانتصار العسكري المؤسّس للسلام الإسرائيلي
السلام الإسرائيلي، بحكم هذه الواقعة التاريخية الواضحة، مؤسّس على الحرب الإسرائيلية، أو بكلمة أخرى، على الانتصار العسكري الإسرائيلي. هذه الواقعة تفيد الحلّ العربي/ الفلسطيني، من التجربة الإسرائيلية، ومن منطوق التاريخ ومفهومه، والذي يمكن تلخيصه بإبطال اللعبة الإسرائيلية، القائمة على الانتصار العسكري المؤسّس للسلام الإسرائيلي.
نقض خطّة الحرب والسلم الإسرائيلية، هو نقض للوجود الإسرائيلي.
لا يكفي تحسين الموقف العسكري تجاه “إسرائيل” لأجل تحسين الموقف التفاوضي، لأنّ ذلك في جوهره تسليم بالشرط الإسرائيلي المنبثق عن حرب العام 1967. هذه الرؤية هي المشكلة الكبرى في حرب العام 1973، وذلك بقطع النظر عن تحوّلات هذه الحرب من مبادأة عربيّة أربكت الكيان الإسرائيلي، وألقت في روعه، لأوّل مرّة من بعد انتصاره في حرب العام 1967 أنّ بقاءه في هذه البلاد ليس حتمياً، وجعلته يهجس منذ ذلك الوقت بالقلق الوجوديّ، إلى انتهاء الموقف عسكريّاً لصالح “إسرائيل”، بقطع النظر عن ذلك، فإنّ شنّ الحرب على قاعدة العدوّ، والتي أصلها انتصاره في حرب العام 1967، ورؤيته الخاصّة للسلام، ليست خطأ كارثيّاً فحسب، ولكنّه إيمان من جهة ما بالانتصار الأبديّ للعدوّ!
مع ذلك، أثبتت حرب العام 1973، أنّ المواجهة العسكرية الصلبة للعدوّ هي وحدها التي تُضعف ثقته بنفسه، وتقلّص من تمدّده، وليست حرب العام 1973 وحدها الدليل على ذلك، بل حتى تجارب الفلسطينيين وغيرهم في مقاومة العدوّ. فانتفاضة العام 1987، دفعت العدوّ للتفكير بإمكان التسوية مع الفلسطينيين الذين لا يمكن له تصوّرهم سياسيّاً، لأنّ وجوده في الأصل قائم على نفي كينونتهم القومية، لكن المشكلة كانت من جهة منظمة التحرير، بالقطع مع الانتفاضة للاستعجال في تأسيس سلطة في ظلّ الاحتلال، لا بدّ لها وأن تنتهي على نقيض ما أرادته الانتفاضة، ثمّ كان انسحاب العدوّ من جنوب لبنان في العام 2000 فقط بسبب مقاومة مثابرة وطويلة النفس، ثمّ كان انسحابه من غزّة في العام 2005 بفعل انتفاضة الأقصى، ثمّ انغماسه في الحسابات المرتبكة إزاء المقاومة في غزّة، أو تجدّدها في الضفّة الغربية.
حديث بعضهم عن التعاطف الدوليّ مع الفلسطينيين، دون أخذ صمودهم ومقاومتهم بعين الاعتبار؛ حديث خرافة، ينقلب إلى الضدّ من مصلحة الفلسطينيين، فبداهة الحقائق في العالم أنّ لا أحد يمكنه رؤية ضحية لا تقول عن نفسها ضحية، فضلاً عن أن يتعاطف معها، والضحية لا تعبّر عن كونها ضحية بالعيش المستكين، القابل بواقع الحال للظلم الواقع عليها
هذه مكاسب واضحة، ليست فيها هزيمة ساحقة للعدوّ، ولكن فيها الدليل العملي لإضعاف هذا العدوّ، وذلك فضلاً عن المكاسب المعنوية، التي ظلّ فيها الفلسطينيون يجدّدون ذاتهم مقابل الذات الإسرائيلية، ويفرضون بها مقولتهم من جديد، بعدما يسعى العالم في كلّ مرّة لإزاحتها، لا بالانتصار العسكري الإسرائيلي، ولكن بالسلام الإسرائيلي!
يتضح من هذه المفارقة الإسرائيلية، أنّ “إسرائيل” وإن أثبتت جدارتها للعالم بانتصاراتها العسكرية، فإنّها كانت تتمدد بالسلام المؤسّس على انتصاراتها تلك. بدأت القصة مع خطة روجرز، ثمّ مشاريع دولة فلسطينية في الضفة مطالع السبعينيات، ثم اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أواخر السبعينيات، وصولاً لاتفاقية أوسلو، التي جعلتها “إسرائيل” جسراً لإصلاح علاقاتها مع العالم، واختراق العالم العربي تحديداً.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
جيش الاحتلال يعترف بمقتل ضابطين وإصابة جندي بجراح خطيرة في “كمين نتساريم”
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، مقتل ضابطين وإصابة جندي آخر بجروح خطيرة في كمين ممر...
منظمة إنقاذ الطفولة: خان يونس أصبحت “مدينة أشباح”
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قالت منظمة "إنقاذ الطفولة الدولية"، الاثنين، إن "مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، ثاني أكبر مدينة في القطاع، والتي...
“حزب الله” يعلن استهداف جنود إسرائيليين بمستوطنة المطلة
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن "حزب الله" الاثنين، أنه استهدف مواضع لجنود إسرائيليين في مستوطنة المطلة شمال إسرائيل، وإصابتها بشكل مباشر....
هنية: كل ما يؤدي لحماية المنطقة من الاختراق الصهيوني جهدٌ حيويٌ مهمٌ
استقبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، اليوم الإثنين، في مكتبه في إسطنبول وفداً جزائرياً ضم رؤساء مجموعات برلمانية عن المجلس الشعبي...
المجلس اليهودي الأسترالي: مظاهرات الطلاب ضد الإبادة بغزة ليست معاداة للسامية
إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المجلس اليهودي الأسترالي رفضه بشدة اعتبار مخيمات التضامن التي أقيمت في الجامعات لدعم الفلسطينيين في غزة...
إصابتان واعتقال طفل بمواجهات شرقي قلقيلية
قلقيلية – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب مواطنان، اليوم الاثنين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة عزون شرق قلقيلية. وأفاد الهلال الأحمر بأن...
ما الذي كشفه نادي الأسير حول غالبية المفرج عنهم من سجون الاحتلال؟
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أكد "نادي الأسير" الفلسطيني – مقره رام الله - أن غالبية المعتقلين الفلسطينيين الذين أفرج عنهم يعانون من مشاكل...