عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

صواريخ جنين.. هل تشبه تجربة غزة في بداياتها وماذا عن المستقبل؟!

صواريخ جنين.. هل تشبه تجربة غزة في بداياتها وماذا عن المستقبل؟!

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام

قال الكاتب الإسرائيلي عوزي روبين: إن تزايد أعمال المقاومة ضد كيان الصهيوني في مختلف أنحاء الضفة منذ أكثر من عام يشمل أيضا ظاهرة جديدة قديمة: محاولات إطلاق صواريخ محلية الصنع من منطقة جنين باتجاه المستوطنات الحدودية في منطقة جلبوع.

وأضاف في مقالة له ترجمها موقع الهدهد أن الحدث الأول في هذا التوجه الجديد وقع في 26 حزيران (يونيو) من هذا العام، عندما نشرت حماس في جنين إعلاناً عن إطلاق صاروخين باتجاه موشاف رام أون في “جلبوع”، وفي عملية بحث أجراها جيش الاحتلال، تم العثور على منصات إطلاق وبقايا صاروخين سقطا على الأرض على بعد أمتار قليلة من موقع إطلاقهما.

وحسب الكاتب الإسرائيلي؛ منذ ذلك الوقت سجلت سبع حالات أخرى آخرها في 15 أغسطس الماضي.

وأردف روبين وهو من معهد “القدس للاستراتيجية والأمن” أن جميع المحاولات لم تتسبب في وقوع أضرار أو إصابات لكن من ناحية أخرى، فإن الحقيقة أن الفصائل الفلسطينية المسلحة في شمال الضفة الغربية قد أعادت من جديد اعتماد الصواريخ كجزء من أدواتها التي قد تكون ذات أهمية كبيرة ونذيرًا بفترة معقدة.

جهد فلسطيني محدود

يتابع الكاتب روبين أنه قد تم تسجيل جهد فلسطيني محدود لإنتاج وإطلاق الصواريخ من شمال الضفة الغربية باتجاه مستوطنات جلبوع في وقت مبكر من الانتفاضة الثانية، وكانت آخر حالة خلال عام 2008.

وفي بداية الانتفاضة كانت الصواريخ تحتل مكانة ضئيلة من بين تنوع ذخيرة المقاومة الواسعة خلال سنوات الانتفاضة الثاني، ولكن من المحتمل أن تأثير العمليات الاستشهادية في قلب المدن “الإسرائيلية” وهجمات إطلاق النار على طرق الضفة قد غطت على فائدة إطلاق صواريخ صغيرة وغير دقيقة، وأن التأثير الذي كان يمكن أن تحققه كان أصغر بكثير من العمليات الاستشهادية الناجحة، وفق الكاتب.

وأضاف: في المرحلة الحالية، الحديث يدور عن صواريخ بسيطة للغاية من النوع الذي يمكن لأي ورشة ميكانيكية إنتاجه، (……) يمكن تعلم عمليات صنع المادة الدافعة وصنع الصاروخ وصنع القاذف البسيط، الذي يتم تصنيعه أيضًا من الأنابيب المعدنية المنزلية، عبر الإنترنت.

وأوضح الكاتب أن الفصائل بغزة التي واجهت صعوبة في تنفيذ عمليات استشهادية في قلب “إسرائيل”، لجأت إلى السلاح الصاروخي كبديل منطقي وأتقنته تدريجياً، فبدأت صناعة الصواريخ لدى المنظمات في غزة في عام 2001.

ويبدو أن قرارهم بإضافة العمل الصاروخي إلى أدواتهم يرجع إلى سببين: الأول: الصعوبة النسبية التي واجهوها في تنفيذ عمليات استشهادية مباشرة في قلب المدن “الإسرائيلية”، لأنه حتى ذلك الحين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين- كان قطاع غزة محاط بحدود مسيجة يحرسها جيش الاحتلال، وفق مقال الكاتب عوزي.

السبب الثاني، هو وجود كثافة سكانية “إسرائيلية” -خاصة في مدينة سديروت- كأهداف لإطلاق صاروخ بسيط من داخل قطاع غزة، ونظرًا لأن الصواريخ البدائية في ذلك الوقت كانت خفيفة الوزن وسهلة الاهتزاز، فقد كان من الممكن إطلاقها بعيدًا عن منشآت إنتاجها وبالتالي إخفاء موقعها، وفي الوقت نفسه، فإن سقوط مثل هذا الصاروخ داخل منطقة مأهولة ومزدحمة بالسكان يخلق تأثيراً مرعباً يتجاوز الكمية الصغيرة من المتفجرات التي يحملها الصاروخ.

مراحل تطور صواريخ غزة

وتطرق الكاتب إلى مراحل ثلاث لتطور الصواريخ بغزة، وقال: في المرحلة الأولى، التي بدأت في نهاية عام 2001 واستمرت حتى عام 2007 تقريبًا، استخدم المقاومون الفلسطينيون فيها بشكل أساسي صواريخ بسيطة محلية الصنع، والتي اكتسبت في “إسرائيل” اسم “صواريخ القسام”، كما هو الحال اليوم في جنين.

وأضاف: نعم هكذا كان في غزة، جاءت المعلومات الأساسية لتخطيط الصواريخ من مواقع على شبكة الإنترنت، وكانت الصواريخ الأولى قصيرة المدى وغير موثوقة، وأصاب الصاروخ الأول “سديروت” في تشرين الأول/أكتوبر 2001، ولكن بعد عامين ونصف فقط، في حزيران/يونيو 2004، سقط أول قتلى العمل الصاروخي من غزة، وعلى مر السنين نجحت التنظيمات في غزة في زيادة مدى صواريخها وزيادة حمولة رؤوسها المتفجرة، وقتلت المزيد في سديروت وفي المستوطنات المحيطة بغزة.

وبدأت المرحلة الثانية -وفق عوزي- من تطور التهديد الصاروخي من غزة بعد سيطرة حماس على قطاع غزة هناك في عام 2007، وعلى الرغم من إغلاق كافة المعابر من “إسرائيل” إلى غزة، تمكنت حماس من تهريب صواريخ “غراد” إلى داخل غزة، ربما عبر أنفاق حفرت من تحت الحدود المصرية، أدى ذلك إلى زيادة مدى الصواريخ من بضعة كيلومترات إلى حوالي 20 كيلومترًا.

وفي وقت لاحق، تمكنت الفصائل الفلسطينية في غزة من تهريب صواريخ “غراد” محسنة إلى داخل القطاع يزيد مداها عن 40 كيلومتراً، وبذلك أصبحت المدن الكبرى في “إسرائيل”، بما فيها مدينة أسدود وبئر السبع، في مرمى نيران الصواريخ من غزة.

وفي هذه المرحلة حدث أيضًا تغيير في طريقة إطلاق الصواريخ، وكان من السهل اهتزاز صواريخ “القسام” خفيفة الوزن، ولذلك اعتمدت التنظيمات أسلوب التوزيع وإطلاقها من مناطق مليئة بالأشجار، حتى لا يتم كشفها عن طريق المراقبة الجوية، أما الصواريخ الثقيلة التي دخلت حيز الاستخدام في المرحلة الثانية فكانت أقل اهتزازاً، وتحولت التنظيمات تدريجياً إلى استخدام منصات إطلاق مموهة جيداً.

وبدأت المرحلة الثالثة بعد العدوان عام 2014، وفي هذه المرحلة، عادت التنظيمات في غزة إلى شكل الإنتاج الذاتي، ولكن بطريقة أكثر تطوراً، تم استبدال ورش العمل البدائية بمرافق إنتاج مجهزة تجهيزًا جيدًا، ولم تنتج صواريخ طويلة المدى فحسب، بل أنتجت أيضًا قاذفات متعددة الفوهات، وتم استبدال الوقود الدافع البسيط في محركات الصواريخ بوقود قوية يعتمد على أفضل المواد الخام المستخدمة في صناعة الصواريخ العسكرية.

وازداد مدى الصواريخ إلى عشرات ومئات الكيلومترات، وازداد وزن الرؤوس الحربية إلى عشرات الكيلوغرامات وربما أكثر، وكانت الصواريخ الأثقل تتطلب منصات إطلاق كبيرة لا يسمح أحجامها دائمًا بدفنها، وبالتالي فمن المرجح أن تكون بعض هذه القاذفات الثقيلة على الأقل منصوبة على الأرض تحت تمويه شديد، وفق المقال.

وبات نطاق الصواريخ المتطورة التي في أيدي المقاومين في غزة يغطي عملياً كامل الأراضي المحتلة، وفي جولات التصعيد التي بدأت من “عامود السحاب” وما بعدها، كانت “تل أبيب” والقدس وحيفا تقصف بصواريخ ثقيلة مصنوعة في غزة.

وكان مفتاح هذه المرحلة هو المساعدة الإيرانية في توريد الآلات، و فرق الإنتاج التي تم نقلها جواً إلى إيران وتلقت هناك دورات في إنتاج الصواريخ، وبالإضافة إلى ذلك، تمكنت حماس من الحصول على خدمات مهندس الصواريخ العالمي الشهير جمال الزبدة، وهو خريج معهد تكنولوجي مرموق في الولايات المتحدة، ويتمتع بخبرة طويلة في صناعات الطيران الأمريكية، (تم اغتيال الزبدة ومعظم كبار معاونيه في عدوان مايو 2021).

وتطرق الكاتب إلى قضية أخرى، هي كمية الصواريخ التي يتم إطلاقها من غزة مع مرور الوقت، ويمكن ملاحظة ثلاث فترات في هذا السياق: في الفترة الأولى (من نهاية عام 2001 حتى منتصف عام 2005) كان معدل إطلاق النار منخفضاً جداً ولم يتجاوز 50 صاروخاً في السنة)، وخلال هذه الفترة، سيطرت السلطة الفلسطينية على غزة، وعمل “الجيش الإسرائيلي” بحرية في مناطق القطاع التي كانت تحت “السيطرة الإسرائيلية”.

وفي الفترة الثانية، بين منتصف عام 2005 ومنتصف عام 2007، ارتفع معدل إطلاق الصواريخ من غزة إلى أكثر من 200 صاروخ سنوياً، من حيث السيطرة على المنطقة، هذه هي الفترة التي بين الانسحاب من غزة، وخروج السلطة منها.

أما الفترة الثالثة فقد بدأت عندما تولت حماس السلطة في منتصف عام 2007، وهي مستمرة حتى يومنا هذا، وخلال هذه الفترة، كانت غزة في الواقع كيانًا سياسيًا وعسكريًا تحت حكم حماس بالتعاون العسكري مع حركة الجهاد الإسلامي، وقد ارتفع معدل إطلاق النار خلال هذه الفترة بشكل كبير من مئات إلى آلاف الصواريخ سنويًا.

هل سيتكرر النموذج الغزي في شمال الضفة الغربية؟

ما هي احتمالية تطوير التنظيمات في شمال الضفة الغربية لقدرات مشابهة لتلك التي تمتلكها حماس والتنظيمات المسلحة في غزة؟ يتساءل الكاتب.

يقول؛ إن قدرات التنظيمات في شمال الضفة اليوم توازي بداية المرحلة الأولى من التسلح الصاروخي في غزة مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وهي القدرة على إنتاج صواريخ بسيطة تنتجها الورش المدنية المحلية في جنين ومدن أخرى في الضفة الغربية، ومن الواضح أن مصلحة “إسرائيل” هي “إعادة الجني إلى القمقم” وإحباط هذه القدرة الأولية أيضاً ولكن من المشكوك فيه أن يكون ذلك ممكناً.

لقد أظهرت التجربة أنه حتى عندما تواجد “الجيش الإسرائيلي” داخل قطاع غزة، كان من الصعب بل من المستحيل، منع إنتاج وإطلاق كميات صغيرة من الصواريخ البسيطة والخفيفة الوزن، وسقطت أولى القذائف الصاروخية على “سديروت” حتى قبل إخلاء قطاع غزة في إطار خطة فك الارتباط عام 2005،

ومضى يقول: فمن المرجح أن ينجح المقاومون في الضفة في جهودهم لإنتاج وإطلاق صواريخ القسام ذات الجودة المتزايدة، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى وقوع إصابات في المستوطنات “الإسرائيلية” المجاورة، والقرار في هذا الأمر في أيدي المسلحين أنفسهم، وإذا كما كان الحال في الماضي، فهم سيوجهون معظم جهودهم نحو الهجمات المباشرة (التي تتزايد بالفعل) والهجمات الاستشهادية (التي لم تحدث بعد حتى كتابة هذا المقال)، ويحتمل أن يكون الدافع لاستثمار الجهد في تطوير وإنتاج وإطلاق الصواريخ أقل.

أما بالنسبة لقدرة التنظيمات في شمال الضفة الغربية على الانتقال إلى المرحلة الثانية واستيراد الصواريخ ومنصات إطلاقها، فهذا ليس مستحيلاً في الوضع الراهن، حيث يتمتع الفلسطينيون فعلاً بحرية الحركة الكاملة داخل أراضي الضفة الغربية، ولا يوجد أي رقابة على محتويات الحمولات التي ينقلونها داخل هذه المناطق، وفي مثل هذا الوضع، من المرجح أن تكون هناك محاولات لتهريب صواريخ “غراد” (أصلية أو إيرانية الصنع) ومنصات إطلاقها، حسب الكاتب.

ينبه أنه إذا نجح الفلسطينيون في ذلك فمن المرجح أن يغيروا طريقة الإطلاق من توزيع أو نشر منصات الإطلاق في المناطق القروية خارج المدن إلى حفر الإطلاق داخل المدن، وفي إطار الانتشار الجديد، سيقوم المقاومون ببناء شبكة من الأنفاق تحت المناطق المكتظة بالسكان في المدن الفلسطينية من أجل تخزين الصواريخ ونقلها إلى منصات إطلاقها، وفق مقالة الكاتب الإسرائيلي.

وأوضح في هذا السياق، قائلًا: “تجدر الإشارة إلى الفارق الجغرافي الجيولوجي بين قطاع غزة الذي يقع على تربة رملية، وجنين ومدن أخرى في الضفة الغربية التي تقع على تربة صلبة، حيث تسمح التربة الرملية في قطاع غزة بالحفر بسهولة وسرعة، ومن ناحية أخرى، تتكون التربة الصلبة في منطقة الضفة الغربية من صخور جيرية صلبة نسبيًا تتطلب جهدًا أكبر بكثير للحفر فيها.

“وعلى الرغم من ذلك، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الفلسطينيين لن يتغلبوا على ذلك بمساعدة المعدات الميكانيكية المناسبة لغرض حفر أنفاق ومستودعات وحفر إطلاق، وبعد اقتحام الجيش الإسرائيلي لجنين في تموز/يوليو من هذا العام، كشفت المنظمات الفلسطينية عن نفق هناك لم يتمكن “الجيش الإسرائيلي” من تحديد موقعه أثناء تواجده في المنطقة”.

وتابع: إن الانتقال إلى المرحلة الثانية من الهجوم الصاروخي من غزة – أي الانتقال من الصواريخ المنتجة في المطابخ إلى الصواريخ العسكرية المعيارية، حدث عندما لم يعد جيش الاحتلال وجود دائم في غزة، وفي المقابل، يتمتع جيش الاحتلال حاليًا بوجود دائم في الضفة الغربية، من المحتمل أنه عندما يتم اكتشاف أن المسلحين في شمال الضفة يطلقون صواريخ عسكرية معيارية، سيتخذ الجيش خطوات مهمة لإغلاق طرق التهريب وفي نفس الوقت مع القيام بعمليات بحث واسعة النطاق عن الأنفاق ومستودعات تخزين الصواريخ وحفر الإطلاق داخل المدن الفلسطينية المحتلة نفسها، ومن الناحية العملية، يعني ذلك عودة نقاط التفتيش إلى طرقات ومحاور شمال الضفة الغربية، (ومحتمل جنوبها) ومداهمات على مراكز المدن الفلسطينية، الأمر الذي سيجلب صعوبات سياسية على الساحة الدولية.

ولم يستبعد الكاتب الإسرائيلي أن يسعى المسلحون أنفسهم إلى الانتقال مباشرة إلى المرحلة الثالثة، أي إنتاج الصواريخ المتطورة داخل المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، استناداً إلى الخبرة والمعرفة المتراكمة في قطاع غزة، ومن أجل تنفيذ هذه الخطوة، سيعمل الإيرانيون على تهريب منشآت إنتاج الصواريخ ومنصات إطلاقها إلى المدن الفلسطينية، بالإضافة إلى المواد الأولية لإنتاج الصواريخ والمتفجرات.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات