عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

الشهيد أمير خليفة.. المقاوم الصامت يرتقي مشتبكًا

الشهيد أمير خليفة.. المقاوم الصامت يرتقي مشتبكًا

نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام

في فلسطين قصص البطولة والفداء لا تنتهي، فكل يوم هناك حكاية شرف تخط بمدادٍ من ذهب ودم، لتبقى في ذاكرة الأجيال جيلًا بعد آخر، حتى نشهد يومًا ينجلي فيه ليل الظالمين عن بلاد ما أشرقت فيها شمس الحرية منذ 7 عقود.

بطل حكايتنا هو الشهيد المشتبك أمير خليفة من مخيم العين في نابلس، والذي استشهد في اشتباك مع الاحتلال في بلدة زواتا غربي المحافظة، حكاية فيها من العز والفخار الكثير.

حادثة الاستشهاد

حادثة الاستشهاد، وقعت عند الثالثة فجرًا، وتلخّصت في بضع دقائق استُدرج فيها المقاوم أمير خليفة من قبل جنود الاحتلال ليطلقوا عليه النار مباشرة ويصاب بـ5 رصاصات قاتلة.

على مدخل قرية زواتا القريبة من مدينة نابلس، استدرج أمير خليفة باتصال هاتفي يخبره أن جيش الاحتلال يحاصر منزلا في القرية، فانطلق مسرعا بدراجته النارية وببندقيته الشخصية ليتصدى للجنود الإسرائيليين كعادته.

وما أن وصل أمير إلى المنطقة، أطلق الاحتلال عبر “قناصة كانوا يعتلون سطح أحد البنايات المجاورة” رصاصهم تجاه الشاب الذي لم يستسلم ورد على جنود الاحتلال بإطلاق النار أيضا، واشتبك معهم لوقت قصير قبل أن يُصاب ويستشهد.

وقال شقيق الشهيد خليفة في حديث صحفي إن: “ما جرى اليوم كان كمين نفذته قوات الاحتلال، حيث قامت باستدراج الشهيد خارج المخيم ومن ثم اغتياله”.

وكشف أن شقيقه الشهيد أمير “كان ملاحقًا من قبل الاحتلال منذ عامين، وجرى العديد من محاولات اغتياله من قبل القوات الخاصة الإسرائيلية”.

وحتى الساعة الواحدة فجرا، كان وليد مع شقيقه أمير يجلسان بالقرب من منزلهم في أحد أزقة مخيم العين، يتبادلان الحديث. يقول وليد “جلس يمازح طفلي الصغير الذي قبَّله وانصرف للنوم بعد أن حصل على هدية عبارة عن بعض النقود التي زادت تعلقه بعمه الشهيد”.

وبعد ساعتين فقط، تلقى أمير اتصالا جعله ينتفض غضبا ويعتلي دراجته النارية ويمتشق سلاحه وينطلق بسرعة، بعد أن رفض اصطحاب أحد معه إلى الحدث.

ويرجح وليد أنه ونتيجة لفشل الاحتلال في اعتقال أمير أكثر من مرة؛ 3 منها في اقتحامات مباشرة للمخيم حيث يسكن، تم استدراجه لخارج المخيم الذي أضحت دهاليزه وأزقته المتداخلة مصيدة للاحتلال وجنوده، وجعلتهم في مرمى نيران المقاومين.

حبيب خالته

خالته تبكي، وتقول: كان أمير حبيبي، ما كان يقولي لي غير يما، كان يزورني يوميًّا.

وقبل استشهاده كان أمير في بيت خالته، كان يدخل ويخرج من المنزل، كأنما يودعه، تقول الخالة المكلومة.

تؤكد أن كان محبوبًا من الجميع، كان الجميع في مخيم العين يحبه، ويحترمه، كان محط اعجاب الكثير واحترامهم.

أما والدته فسجلت صفحة عز جديدة حيث تقدمت صفوف المشيعين، وحملت نعش نجلها الشهيد على أكتافها، مرددة هتافات العز والكرامة.

نبذة من حياة أمير

في مخيم عين بيت الماء (مخيم العين) وُلد أمير خليفة، الرابع بين 5 أشقاء ذكور، لأبوين من عائلة متواضعة، وتوفي والده قبل 9 سنوات. وفي مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تلقى تعليمه حتى الصف التاسع، ومنه خرج إلى سوق العمل لينفق على أسرته في أكثر من موقع متحملا ظروفا قاهرة.

يقول شقيقه وليد إن أمير تمنى الشهادة من صغره، واختار طريقه في المقاومة باكرا ولهذا لم يفكّر في الزواج، واعتقل مرة واحدة ولفترة قصيرة لدى الاحتلال.

واغتال الاحتلال الإسرائيلي مجدي خليفة ابن عم الشهيد أمير، وأحد مقاومي انتفاضة الأقصى عام 2004 بطريقة مباشرة ومشابهة لاغتيال أمير.

ومنذ عامين، طارد الاحتلال الشاب خليفة الذي انخرط في صف المقاومة في المخيم من دون أن ينضم إلى فصيل بعينه، “بل ابتاع دراجته وبندقيته من نوع كارلو المصنعة محليا على حسابه الخاص، وقاوم الاحتلال حتى الرمق الأخير”، كما أفادت عائلته.

و”بالمقاوم الصامت والشرس” وصف وليد شقيقه أمير، وعلى ذلك أجمع أهالي المخيم أيضا، وأكدوا أنه يتصدى ببسالة لجنود الاحتلال أثناء اقتحام المخيم، وتعرّض لتهديد مباشر من المخابرات الإسرائيلية، إذ طالبه ضباطها في اتصالات هاتفية بتسليم نفسه، غير أنه رفض التعاطي معهم، وأخبرهم أنه سيجعل المخيم “مقبرة لجيش الاحتلال”.

واتخذ أمير من الأزقة سكنا له طوال عامين من المطاردة، ويقول شقيقه إنه كان “العين الساهرة” للمقاومة ويترصد أي اقتحام للاحتلال، وأحيانا لم يكن بحوزته إلا بضع رصاصات (6 أو 7 رصاصات) ولكن هذا لم يمنعه من المقاومة، بل كان يلجأ لإلقاء الأكواع المتفجرة (قنابل يدوية محلية الصنع) على قوات الاحتلال أو يرشقها بالحجارة في أسوأ الأحوال.

ولحق أمير خليفة برفيقه الشهيد محمد ندى، الذي استشهد برصاص القوات الخاصة الإسرائيلية لدى اقتحامها مخيم العين قبل أسبوعين.

ويُعرف أمير بصديق الأطفال، وهو ما كان واضحا في مشفى رفيديا عند بدء تشييع جثمانه، حيث احتشد عشرات الأطفال لوداعه والخروج في جنازته التي انطلقت نحو مقبرة مخيم العين وسط إطلاق النار غضبا وهتافات منددة بجريمة الاغتيال ومطالبة بالانتقام للشهيد.

السلطة تقمع الجنازة

وقمعت أجهزة السلطة جنازة تشييع قائدة كتيبة مخيم العين أمير خليفة (25 عامًا)، وأطلقت الرصاص الحي في الهواء، واعترضت عبر المصفحات العسكرية وصول المشيعين إلى وسط مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية.

وضمن أجواء من التوتر الشديد، وإغلاق الشوارع المؤدية إلى مدينة نابلس، جرى تشييع الشهيد خليفة إلى مثواه الأخير في مقبرة مخيم العين غرب نابلس، لتندلع بعدها اشتباكات مسلحة بين المقاومين في المخيم، وأجهزة أمن السلطة التي لاحقت المسيرة حتى مدخل المخيم.

وقال شقيق الشهيد، خالد خليفة: “لا أفهم ما هو منطق السلطة، لقد منعوا جنازة أخي من الوصول إلى وسط مدينة نابلس، كما هي العادة مع كل الشهداء في المحافظة”.

وأضاف: “لقد حاصروا المشيعين بعد خروجهم من المستشفى، وأطلقوا الرصاص، ما أدى إلى تفرقهم، وبعدها عاد المشيعون للتجمع، والانطلاق مجدداً بالجثمان، لكن السيارات العسكرية المصفحة للسلطة حاصرت كل مداخل وسط مدينة نابلس، وأجبرت المشيعين على التوجه باتجاه واحد نحو مخيم بيت عين الماء (مخيم العين)”.

وقال خليفة: “لقد استشهد أخي مشتبكاً مع الاحتلال الساعة الثالثة من فجر اليوم، قرب قرية زواتا، حين كان عناصر الأمن في بيوتهم نائمين، أو في مكاتبهم، واليوم تمنع السلطة تشييعه بجنازة تليق بشهيد مشتبك مثله”.

وأكد خليفة أن شقيقه هو قائد كتيبة “مخيم العين”، وأن الكتيبة لا تنتمي لأي فصيل فلسطيني، وأن رفاقه في الكتيبة شاركوا في تشييعه وهم مسلحون، الأمر الذي لم يعجب السلطة إطلاقاً، لذلك هاجمت التشييع”.

ولفت إلى أن “جيش الاحتلال يدخل مدينة نابلس ومخيماتها وقراها كل يوم، ولم نرَ أي عملية تصدٍّ لهم من قبل عناصر أمن السلطة، لكنهم تصدوا للمشيعين ورفاق سلاح الشهيد، رغم أن شباب كتيبة “مخيم العين” أخذوا على أنفسهم عهداً بأن سلاحهم يوجه فقط للاحتلال الإسرائيلي”.

وقال خليفة: “أخي مطارد للاحتلال منذ نحو عامين، ووصيته كانت ألا يُتبنى من أي فصيل فلسطيني، وأن يُشيّع من رفاقه في الكتيبة”.

ووفق شقيقه، فقد اشترى أمير سلاحه الشخصي “كارلو” والرصاص من عمله اليومي عاملَ مياومة في أكثر من مكان.

بدوره، قال رئيس تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة الغربية، وعضو لجنة الحريات العامة خليل عساف: “من الواضح أن هناك أوامر عسكرية بعدم وجود مسلحين ومظاهر مسلحة خلال تشييع جنازات الشهداء، لأن عناصر الأمن لا يتصرفون من دون أوامر عليا”.

وتابع: “كان من المعلوم للسلطة وقت خروج جنازة الشهيد، وخط سيرها، وهو ذات البرتوكول لتشييع جميع الشهداء من المستشفى إلى وسط مدينة نابلس (دوار الشهداء)، ومن ثم يتم الانطلاق بالشهيد إلى مسقط رأسه، سواء في المدينة، أو المخيم، أو القرية”.

ولفت إلى أنه ” كان هناك وجود أمني مكثف لعناصر ومركبات أمن السلطة، والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان هناك قرار جديد بعدم وجود مسلحين في تشييع جنازات الشهداء، رغم أن مشاركتهم أصبحت عرفاً لا ينكره أحد، لماذا لا يخرج هذا القرار إلى العلن، ويعلن عنه الأمن أو المستوى السياسي؟”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات