السبت 04/مايو/2024

مبدعو فلسطين .. إنجازات مضيئة تبحث عن حواضن رسمية

مبدعو فلسطين .. إنجازات مضيئة تبحث عن حواضن رسمية

بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام
من قلب الأزمات ومكابدة اللجوء والتشرد في أرجاء العالم، تحدى فلسطينيون ظروفهم وسجلوا إنجازات خلاّقة وتركوا بصمات مضيئة في شتى مجالات العلم والمعرفة.

ومع غياب أي جهد رسمي منظم لاحتضان ورعاية المبدعين الفلسطينيين، بقي الاحتفاء بإنجازاتهم الفردية والجماعية مرتبطًا بما ينشر عن إنجازاتهم في مواقع الأخبار أو منصات التواصل الاجتماعي، وكثيرًا ما تمر إنجازات دون أن يعلم بها أحد.

ومن تدوينة عام 2016، بعنوان: الفلسطينيون يتصدرون العالم، دشن الكاتب الفلسطيني في لبنان ياسر علي، جهدًا مميزًا لتوثيق الإبداع الفلسطيني في ربوع العالم، سرعان ما تحول إلى إصدار رسمي بجهد أكثر شمولية ومؤسسية يترقبه الجميع سنويًّا.

اقرأ أيضًا: الإبداع الفلسطيني يتحدى الاحتلال واللجوء

إرادة التحدي

إرادة التحدي هي إرادة الإبداع وليس الجينات، هكذا يلخص الكاتب ياسر علي، المشرف على إصدار حصاد الإبداع الفلسطيني منذ عام 2016، موضحًا أن هذا الإبداع ليس بالجينات أو نوعية هذا الشعب من قبيل العنصرية، إنما جاء تحديًّا للواقع المرير الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، وبالتالي ننظر إليه من باب التحدي والمقاومة.

ويوضح علي في حديثه الخاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن مسارات الإبداع التي وثقها شملت أغلب المجالات: الأكاديمي، والإعلامي، والفني، والسياسي، والأدبي، والطبي، والاختراعات والابتكارات، التعليم والدراسة، والإداري، والرياضة التي غابت أيام كورونا وعات لاحقًا لتسجل عدة إنجازات.

الظلم، المقاومة، الإبداع، ثلاثيةٌ يجب أن تكون حاضرة – وفق الكاتب ياسر علي- في وجه الاحتلال وفي ضمير العالم.

وفي سياق واقع يتوزع فيه ملايين الفلسطينيين بين جغرافيا فلسطينية خاضعة للاحتلال (الضفة الغربية وقطاع غزة، وأراضي 48) وبين مخيمات اللجوء وأرجاء العالم، تغيب مؤسسات التفكير والتطوير الرسمية، بالمستوى المتعارف عليه في العالم؛ لتقتصر مراكز الإبداع على مبادرات أفراد وجمعيات دون رعاية من سلطة أو جهات دولية.

اقرأ أيضًا: فوز فلسطينية بجائزة المعلم المبدع بالوطن العربي

ثلاثية يجب تصديرها

ويؤكد علي أن الإبداع الفلسطيني لا يزال يفتقر إلى الرعاية والتكريم، رغم تقدمه في مختلف المجالات، مشددًا على أن شعبا تحدى الأزمات وتخطى الصعاب، وسجل تفوقًا ملحوظًا في مجالات المعرفة والعلم والثقافة يستحق دائماً أن تُسجَّل إنجازاتُه في سجلات الشعوب كما تُسجّل تضحياته.

الظلم، المقاومة، الإبداع، ثلاثيةٌ يجب أن تكون حاضرة – وفق الكاتب ياسر علي- في وجه الاحتلال وفي ضمير العالم.

يقول: كما نعلن للعالم مدى الظلم الذي نتعرض له، ليتضامن معنا، فإن من حق شعبنا أن يفتخر بأنه لم يقف مكتوف الأيدي في وجه الاحتلال، بل تحدّاه وجهاً لوجه، وجسداً بجسد، ودماغاً بدماغ.

# ملف حصاد الإبداع الفلسطيني 2022 بصيغة PDF (اضغط هنا)

الوطن والمبدعين

وأمام توالي تسجيل الإنجازات وزيادة قوائم المبدعين، يبدو السؤال الشائك عن موقع الوطن (فلسطين) في هذه الريادة دعمًا وإسنادًا واستفادةً أيضًا.

الكاتب ياسر علي يرى أن السؤال الأهم يجب أن يكون: ماذا وفر الوطن وبيئتهم من أجل أن يصل هؤلاء المبدعين لهذا المستوى من الإبداع؟ هل الوطن ساعدهم أم أنهم اضطروا للسفر للخارج ليؤسسوا أنفسهم ويجدوا جهات راعية تدعمهم ليواصلوا إبداعهم؟.

في المقابل، يشير إلى أن استفادة الوطن متحققة نسبيًّا؛ فمجرد أن تكون فلسطينيا فأنت تخدم وطنك وقضيتك على الأقل بالسمعة؛ وفق علي، الذي تحدث بواقعية بأن بعض المبدعين لو عاد إلى الوطن لن يجد مجالا للعمل في تخصصه.

وشدد على ضرورة توفر البيئة التي يمكن أن تستثمر هذه الكفاءات، وعندها ندعو المبدع للعودة لوطنه الأصلي إذا كان متاح له العودة بفعل تعقيدات الحالة الفلسطينية الناشئة عن اللجوء والهجرة القسرية.

مشاريع طموحة

وتحمل الإعلامية الفلسطينية هبة الجنداوي، ابنة مخيمات لبنان -التي كان لها بصمتها في توثيق المبدعين، ومتابعة أخبارهم من ساحة لأخرى، ضمن فريق العودة الإخباري- العديد من الأفكار للنهوض بحالة الإبداع الفلسطيني من أبرزها مشروع جائزة الإبداع الفلسطيني، ومشروع سفراء الإبداع.

واستذكرت الجنداوي في حديثها لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” مسيرتها في توثيق الإبداع الفلسطيني مع فريق مركز العودة عام 2017.

تتطلع الإعلامية الفلسطينية هبة الجنداوي، ابنة مخيمات لبنان، إلى إطلاق مشروعي جائزة الإبداع الفلسطيني، وسفراء الإبداع.

وقالت: الأخبار كانت سلبية بالبداية والأوضاع مزرية، فقر وحاجة لمساعدات، اقترحنا البحث عن أخبار ترفع معنويات شعبنا كشعب مبدع، وبدأنا نبحث عن مبدعين، لنعرف بهم”.

وتشير إلى طموحها لإطلاق مشروع جائزة الإبداع الفلسطيني، مشيرة إلى أنه بحاجة لممولين ورعاة وساحة قادرة وظروفها مناسبة، وفكرته إطلاق جائزة دولية في الإبداع لكل الفلسطينيين في العالم في المجالات المختلفة.

وقالت: نأمل أن ترى هذه الفكرة النور، لأهميتها في تحفيز حالة الإبداع، وتشجيعها وخلق التنافس البناء من المبدعين.

إعلاء اسم فلسطين

ووفق متابعة الجنداوي؛ فإن المبدعين الفلسطينيين خارج الوطن أعدادهم كبيرة، خاصة في أوروبا، في المجالات العلمية والطبية والهندسية، مؤكدة وجود العديد من المبدعين الفلسطينيين بمجالات العلم والدراسة من اللاجئين في لبنان أيضًا.

اسم فلسطين يسبق تعريف المبدعين، حسب الجنداوي، التي تشير إلى حرص أغلب المبدعين الذين تابعت إنجازاتهم على استحضار هويتهم الوطنية (فلسطين) ورفع العلم الفلسطيني والكوفية على منصات التتويج خاصة في الفعاليات الرياضية.

مسارات للاهتمام

غياب الحواضن الرسمية، هو أبرز الإشكالات التي تواجه مسيرة الإبداع الفلسطيني وتبقيها في إطارها الفردي، وفق الجنداوي، التي تأمل بإطلاق مبادرة باسم سفراء الإبداع الفلسطيني وأن تجد من يتبنى هذه الفكرة.

وأوضحت أن الأمر يتعلق بحاضنة مستقلة مقسمة لعدة لجان للنهوض بالمبدعين بعدّهم سفراء في مجالات تخصصهم، وبما يتيح أيضًا التعاون بينهم، وبما يسهم في إطلاق مبادرات للإبداع ورعاية المبدعين في بعض الساحات والاستفادة المتبادلة.

وترى أن تحقيق هذا الأمر يحتاج إلى مبادرات وجهات لها وزن، وتجرد من الحزبية وصولا لوعاء عابر وجامع للكل الفلسطيني بغض النظر عن انتمائه أو دينه أو موقعه الجغرافي.

أما ياسر علي، فيرى أن أولى الخطوات للاهتمام بالمبدعين، فتتطلب على الأقل حفلًا سنويا لتكريم المبدعين الفلسطينيين، مثل جائزة نوبل، وقال: هذا يحتاج لإمكانات مادية، الإمكانات تساعدنا على إصدار حصاد سنوي ومتابعة يومية، ليس أكثر من ذلك حتى الآن.

ويؤكد الحاجة إلى تطوير برامج علمية تسهل إسهام المبدعين في تقدم بلدهم، بما في ذلك إطلاق المحاضن التي تنشئ مبدعين وترعاهم كي لا يضطروا للسفر، وهنا المسؤولية تأتي على الوطن قبل أن تأتي على المبدع نفسه، وفق علي.

وقال: إذا كان من الصعب تحقيق ذلك بسبب الوضع الفلسطيني الاستثنائي تحت الاحتلال وبسبب اللجوء، فلا أقل من بناء العلاقات في المجتمعات المختلفة لضمان استثمار المبدعين وتوظيف إسهاماتهم في خدمة فلسطين والبشرية جمعاء.

حصار الإبداع

ولا تكتمل حلقات الحديث عن الإبداع الفلسطيني، إلاّ بمقابلة أحد هؤلاء المبدعين، اللاجئ الفلسطيني عامر درويش من مخيم البداوي في شمال لبنان، الذي سجل عدة اختراعات، وتوصل لأفكار أخرى يتريث في الكشف عنها لإشكالات متعلقة بتوثيقها ارتباطًا بالوثيقة التي يحملها.

وقال درويش لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” بدأت مسيرتي عام 2017 بتصميم مجموعة من التصميمات بجهد فردي وذاتي دون أي احتضان لهذه الابتكارات.

عامر درويش لاجئ فلسطيني بلبنان سجل عدة اختراعات، وتوصل لأخرى يتريث في الكشف عنها لإشكالات متعلقة بتوثيقها

وأشار إلى أن هذا النمط عادة يكون له حاضنات أعمال ومراكز بحيثية تحتضن المبتكرين، وتدعمهم وتوفر لهم الاحتياجات عبر مختصين حتى الوصول بهذه الفكرة إلى منتج تجاري يمكن تسويقه.

وطننا محتل ولا نملك هذه المراكز، يلخص درويش المشهد بأسف، مستدركًا بأنه من الواجب على الجهات الفلسطينية أن تبني شراكات مع الجهات التي توفر هذه الحاضنات مثل قطر وتركيا وماليزيا.

وشدد على ضرورة بناء شراكات لخدمة أبنا شعبنا؛ لأن هذه الابتكارات تهدف لخدمة الإنسانية، مضيفًا: نحن على يقيم بقرب تحرير فلسطين وبإذن الله سنبني أجمل فلسطين.

ويشير إلى جملة من العقبات التي تواجه الفلسطيني في مسار إبداعه، من واقع تجربته العملية، مبينًا أنه توصل لأربع ابتكارات سجل براءتها محليا في لبنان، على نفقته الخاصة، ولم يفلح في تسجيلها دوليا لوجود متطلبات لذلك إضافة إلى عقبات أخرى إحداها الوثيقة التي يحملها (وثيقة لاجئ فلسطيني).

أحد نماذج اختراعات الفلسطيني عامر درويش

وأكد أن إحدى الدول أخذت الفكرة العامة ذاتها التي كان توصل إليها (التحكم بالجرافات) وتفاخروا بصناعة أول جرافة سمارت فون، وقال: هذا سبب لي الحزن لأنه كان يفترض أن يسجل هذا الاختراع كإنجاز فلسطيني متقدم؛ لأنني لم أحظ بحمايته على الصعيد الدولي.

وقال: اليوم لدي مجموعة ابتكارات في المجال البيئي لم أستطع أن أعلن عنها لوجود مشاكل في حمايتها على الصعيد الدولي، فوثيقتي الفلسطينية لا تؤهلني لعملية التوثيق، مشددا على الحاجة لإيجاد آلية لحماية الأفكار على نطاق دولي.

وذكر انه يسعى لإيجاد جهات حاضنة، وزار الدوحة وإسطنبول وأجرى مقابلات مع جهات متخصصة وكان هناك تقدير كبير لما توصل إليه ولأفكاره، ولكن بقيت العقبة متعلقة بتوفر الإقامة ومعالجة مسألة الوثيقة، وهي واحدة من إشكالات عدة تواجه المبدع الفلسطيني.

يتوهج الوطن الفلسطيني بالإبداع في المقاومة والصمود وإرادة التحدي للاحتلال، ومن وسط كل ذلك ينطلق منه إلى كل بقاع الأرض في مجالات الإبداع المختلفة الإنسانية والعلمية ليقول: بفخر باقون ونستحق.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات