الإثنين 29/أبريل/2024

عمليات القدس.. دلالات وأبعاد

عمليات القدس.. دلالات وأبعاد

بفعل مقاومٍ نوعيٍّ ضرب ثوار فلسطين معادلات جديدة في القدس المحتلة تتجاوز العمل الفدائي المباشر؛ فالمدينة المحتلة مهمة من جهة الجغرافيا والعقيدة ورمزية المدينة وفقد المستوطنين الأمن في شوارعها يدلل أن جهود الاحتلال الأمنية والعسكرية لم تحمه في عاصمته المزعومة.

أكثر ما يقلق الاحتلال هو نجاح المقاومين في استهداف جبهته الداخلية التي تعد خاصرته الرخوة عندما يحتدم الصراع مع الفلسطينيين؛ خاصّة إذا كانت العملية في القدس المحتلة التي يعزز الاحتلال دوماً أنها عاصمته الموحدة وأن القدس الكبرى تحت سيادته الأمنية الكاملة.

وتحمل عملية القدس التي نفذها الشهيد خيري علقم 21 عامًا سميّ على اسم جده الشهيد الذي استشهد طعنًا بسكين مستوطن إرهابي عام 1998 وما تلاها من عملية بطولية في سلوان وما سبقهما من عمليات مماثلة دلالات كبيرة تتعلق بالموقع والزمان ورمزية القدس المحتلة الوطنية والعقائدية وحضور أهل القدس دوماً في الدفاع عن هويتهم وحقوقهم.

خصوصية القدس

دوماً كانت القدس المحتلة قضية جامعة لمشاعر وإيمان الشعوب العربية والإسلامية بضرورة تحريرها من الاحتلال الإسرائيلي واستعادة هويتها العربية والإسلامية طوال مراحل الصراع بين الفلسطينيين والمشروع الصهيوني.

ويؤكد محمد مصلح الخبير في الشئون الإسرائيلية أن عمليات المقاومة الأخيرة في القدس المحتلة تحمل عدة دلالات؛ أولى دلالاتها أن الاحتلال فشل في تحييد القدس المحتلة من تفاصيل الصراع ولم ينجح في حسم واقع المدينة المقدسة لصالحه آمنة وموحدة كما يزعم.

ويشير مصلح لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أن “وقوع عملية مقاومة قوية بالقدس يزيد من العبء الأمني للاحتلال هناك العملية هي عمل نضالي ثأري بعد استشهاد 9 فلسطينيين في جنين بينهم مسنّة العملية ضاعفت الدافع الوطني للفلسطينيين الاحتلال فشل في مخططه أن تفصل نظريته جغرافيا فلسطين المحتلة عن بعضها”.

وتعد عمليات القدس المحتلة تأكيداً لقاعدة وحدة الساحات الفلسطينية المقاومة التي تجمع غزة بالضفة وأرض 48 وقد تجلّى ذلك بوضوح في معركة سيف القدس عام 2021 حين هبّ الفلسطينيون بكامل أرض فلسطين المحتلة إيماناً بوحدة الدم والهوية.

واعترف إعلام الاحتلال أن الخسارة الكبيرة في الدم مع عدد قتلى المستوطنين الكبير الذي زاد عن 7 وإصابة 12 يدلل على قدرات متطورة في العمليات الفردية واستخدام السلاح في الميدان في مكان يعد جوهر الصراع منذ نكبة فلسطين عام 1948م.

ويقول إبراهيم حبيب المحلل السياسي: إن نجاح عملية القدس المحتلة التي نفذها البطل خيري علقم يعكس حجم الضعف الإسرائيلي على مستويات أمنية وسياسية؛ لأن حكومات الاحتلال وآخرها حكومة “نتنياهو” المتطرفة تجاهر ليل نهار أن القدس عاصمة الكيان الأبدية الموحدة وتبسط سيادتها الكاملة عليها.

ويتابع حبيب لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “تظهر العملية ضعفا أمنيا واستخباريا تعاني منه إسرائيل تؤكد العملية ألا أمن ولا استقرار للاحتلال في كل أرض فلسطين المحتلة وقد وقعت نتاج ممارسات قمعية وعدوان متصاعد ضد الفلسطينيين عامة والقدس وأهلها خاصّة”.

ويقترف الاحتلال سياسة ممنهجة ضد القدس المحتلة أرضًا وسكانًا على رأسها سحب هويات المقدسيين وفرض ضرائب باهظة عليهم ومواصلة تهجيرهم القسري الذي يرقى لعمليات تطهير عرقي.

الرهان الخاسر

اتخذ الفلسطيني الذي وجد ظهره للجدار أمام عدوان الاحتلال المتصاعد وعنصريته الشديدة قراراً على المستوى الشعبي بضرورة مقاومة الاحتلال مع الانحياز الدولي للاحتلال على قاعدة “لا يفل الحديد إلا الحديد”.

وفي كل مرة تقع فيها عملية مقاومة بالقدس المحتلة يتجدد الحديث عن رمزية القدس وهويتها كجوهر للصراع؛ وهي خصوصية حسب رؤية الخبير مصلح لا يمكن تجاوزها في معركة مصيرية وصراع هوية يثبت أهل القدس المحتلة أنهم جزء أصيل منه.

ويقول الخبير مصلح: إن حكومة “نتنياهو” لن تخرج من عنق الزجاجة وهي تعيش أزمات متلاحقة بسبب عنصريتها وعدوانها اليومي على أهل الضفة وتنامي المعارضة الداخلية ضدها بعد أن فشل المشروع الصهيوني في إيجاد هوية وطنية لسكان الكيان ولم يجد بوصلة وحدة تجمع تباينات مستوطنين الاجتماعية والعرقية.

ثمة انتقادات متزايدة في كيان الاحتلال بعد قرارات حكومة “نتنياهو” إجراء تعديلات في أنظمة القضاء وصلاحيات الشرطة والجيش تتخذ أبعاداً شخصية يحاول فيها “نتنياهو” ووزراؤه حماية أنفسهم من تهم فساد ومخالفات قانونية وسط خطاب شعبوي ويميني يدفع بكيان الاحتلال نحو الهاوية.

ويؤكد المحلل حبيب أن منفذ العملية هو شاب من الجيل الذي لم يشهد انتفاضة الحجارة عام 1987م ولم يعاصر انتفاضة الأقصى عام 2000م فشل الاحتلال في أن ينسى هذا الجيل ويغفل واقع الاحتلال ليصطدم بجيل مقاوم أكثر شراسة يرد الصاع صاعين.

ويشير التقييم الاستراتيجي لـ”إسرائيل” عام 2023 أن الاحتلال يواجه عدة معضلات وتحديات على رأسها ساحة الضفة المحتلة غير المستقرة أمنياً والتي تؤثر على “إسرائيل” والمنطقة حسب التقييم الإسرائيلي في وقت نشهد فيه متغيرات للعمل العسكري الفلسطيني والشعبي المقاوم.

ويرى مراقبون أن الشهيد علقم (21 عاماً ) تحرك بدافع وطني للثأر من الاحتلال بعد جريمة جنين بيومين وجريمة قتل جده قبل 25 سنةً وأن فعله مرجح أن يتكرر مع حكومة متطرفة يقود زمامها “نتنياهو وبن غفير وسموتريتش” الذين يعززون التطرف والصدام.

وجاءت العملية البطولية في سلوان التي أصيب بها مستوطنان بجروح خطيرة ونفذها وفق رواية الاحتلال فتى فلسطيني في الثالثة عشر لتدلل على صوابية هذا التقدير.

ويرجح المحلل حبيب أن تدفع عمليات القدس الأخيرة نحو مزيد من التصعيد لأن الإرهاب الإسرائيلي لن يتوقف وسيمتد لبقية مناطق الضفة وأرض 48 وأن “نتنياهو” و”بن غفير” يتحملون مسئولية ما جرى بسبب سياستهم الإجرامية لكن المتطرفين من المستوطنين سيمارسون ردود أفعال ستؤجج الصراع في القدس والضفة المحتلة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات