الأحد 05/مايو/2024

الحاضنة الشعبية.. هكذا ساهمت بإذكاء المقاومة المسلحة بالضفة

الحاضنة الشعبية.. هكذا ساهمت بإذكاء المقاومة المسلحة بالضفة

لم تنجح أجهزة الاستخبارات وجيش الاحتلال في الكشف عن موقع المقاوم عدي التميمي منفذ عملية القدس المحتلة قبل أسبوعين والتي قتل فيها اثنان من جنوده.

بل ظهر التميمي بنفسه في 19 أكتوبر/تشرين الأول لمهاجمتهم مجدداً قرب إحدى المستوطنات والاشتباك معهم حتى الرمق الأخير قبل استشهاده.

ما تقدمه الحاضنة الشعبية من دعم ومساندة حين تصطف في مشهد وحدوي خلف خيار المقاومة يُربك حسابات الاحتلال الأمنية.

لذا يحاول الاحتلال استهدافها؛ خشية توسعها ضد الجيش والأمن الإسرائيلي بشكل يزيد من صعوبة مهماته العملياتية والميدانية في الضفة الغربية المحتلة.

وقلب جيش الاحتلال بعد محاصرة مخيم شعفاط في القدس المحتلة كل حجر بحثاً عن عدي دون جدوى قبل أن يختار التميمي لنفسه المكان والزمان للإعلان عن نفسه مجدداً في عملية ثانية.

وأثبتت التميمي بخطوته الجريئة فشل أمن وجيش الاحتلال خلال انتفاضة شعبية انطلق قطارها بالضفة دون توقف.

ولم تعد ظاهرة المقاومين الجدد تقلق كيان ; وأمن الاحتلال في جنين ونابلس كبؤرتي صراع ساخنة منذ عدة شهور؛ فجغرافيا المقاومة آخذة في الاتساع لتطول مدنًا وبلدات جديدة في الضفة والقدس المحتلة وحاضنتها الشعبية آخذة في الاتساع موفرةً لهم الدعم المعنوي واللوجستي.

وانطلقت في الضفة المحتلة انتفاضة شعبية زادت معها وتيرة العمل الشعبي والكفاح المسلح بشكل وحّد وجهة جميع المقاومين بعد عام من معركة “سيف القدس” التي اشتبك فيها الفلسطيني في غزة والقدس والضفة وأرض 48 مع أجهزة أمن وجيش الاحتلال؛ ما شكل تحدياً يستحق القراءة على مكث.

وكان إعلام الاحتلال حذر بعد استشهاد التميمي من ميلاد دافعية عالية لدى الشبان الفلسطينيين بالضفة لتنفيذ عمليات مقاومة تعزز نجاحها الحاضنة الشعبية التي تقف حائلاً أمام نجاح الاحتلال في كشف مصير منفذي العمليات واعتقالهم أو قتلهم خلال ملاحقتهم.

مقاومة متصاعدة
وتشهد الضفة الغربية ارتفاعا ملحوظا في أعمال المقاومة الفلسطينية؛ فخلال سبتمبر الماضي وقع 833 عملا مقاوماً بدءًا بإلقاء الحجارة والطعن والدعس بالمركبات وإطلاق النار وزرع أو إلقاء العبوات الناسفة والتي أدت لمقتل ضابط إسرائيلي وإصابة 49 آخرين حسب مركز المعلومات الفلسطيني “معطى”.

كما بلغت عمليات إطلاق النار 75 عملية على نقاط ومواقع لجنود الاحتلال منها 30 عملية في جنين و28 في نابلس واستشهد 17 مواطنا منهم مقاومون في 6 محافظات مختلفة 10 منهم في محافظة جنين وحدها في حين أصيب 359 آخرون.

ويرى د.حسام الدجني -المحلل السياسي- أن مقاومة الضفة المحتلة تمر بحالة تحوّل تنتقل فيها من العمل المنظم إلى المقاومة كفكرة وثقافة يتبناها الناس بعيداً عن الأحزاب والقوى الوطنية والسياسية الفلسطينية ويتوحدون خلف أسماء جديدة في انتفاضة شعبية.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “مجموعات عرين الأسود وكتيبة جنين ونابلس تثبت أن المقاومة أضحت فكرة وثقافة وسلوكًا على الأرض ونموذج عدي التميمي الأخير سيزداد كثيرًا في المرحلة القادمة في كل الضفة المحتلة”.

ومع حلول الذكرى 29 لاتفاق “أوسلو” وفشل عملية التسوية وانسداد الأفق مع الاحتلال الذي يمارس أبشع أنواع العدوان من المرجح أن يتجه المشهد الفلسطيني نحو خيار المقاومة المسلحة.

ولا ينجح أي فعل مقاوم ولا يكتب له الاستمرار إلا إذا توفر له غطاء أمني وفي حالة مثل بلدات الضفة المحتلة يعيش فيها الفلسطيني حالة تماس مباشرة مع جنود الاحتلال.

وهنا يرى كثيرون أنه لا بد من دعم شعبي وبيئة توفر الحد الأدنى من الأمن لإطالة أمد الاشتباك في مقارعة الاحتلال من جهة عملياتية.

ويقول المحلل السياسي ;مصطفى الصواف: إن نموذج الشهيد التميمي شكل أيقونة مقاومة وهو يدافع عن الحقوق الفلسطينية قبل أن يعود مجدداً لتنفيذ عملية جديدة ويلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يطلق النار في عملية مقاومة ثانية بمسدسه بعد أن شغل أمن وجيش الاحتلال طوال أسبوعين.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “حالة الشهيد التميمي أعلنت أن إسرائيل مهزومة أمام الإرادة الفلسطينية ومقاومته التي تواصلت حتى النفس الأخير تعبّر عن حالة النهوض الفلسطينية مجدداً في وجه الاحتلال بالضفة المحتلة خلال هذه المرحلة من الصراع”.

وسبق التميمي نماذج لشهداء مقاومين باتوا مثلاً يحتذى به في مقارعة الاحتلال وقدموا أنفسهم شهداء رافضين الاستسلام خلال اشتباكات مسلحة مع جنوده في نابلس وجنين والقدس المحتلة مثل الشهيد النابلسي والشيشاني ومنهم من لا يزال مطارداً.

الحاضنة الشعبية
وتساهم القوى الفلسطينية في الحالة الشعبية المنتفضة وأبرز وجوهها اندماج مقاتلين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع مقاتلين من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح في مجموعات مسلحة موحدة مثل “كتيبة جنين” و”عرين الأسود” وكتيبة “مخيم بلاطة” في نابلس.

قبل أيام أقدم مئات الشبان على حلق رؤوسهم بشكل يشبه الشهيد التميمي؛ لتصعيب مهمة الاحتلال في تحديد هويته خلال المطاردة وقد كرر المئات هذا الفعل داخل فلسطين وخارجها تضامنًا يحتضن المقاومة عن قرب وعن بعد أيضا.

وفي المقابل شدد الاحتلال من عدوانه على كل من تثبت معاونته للمقاومين وعرّضه للاعتقال والتعذيب وهدم المنازل والحرمان من العمل في الداخل المحتل وحكم على الكثيرين منهم بالسجن سنوات عديدة وغرامات باهظة؛ لردع كل من يدعم المقاومة خلال السنوات الماضية دون أن ينجح في ثني الفلسطيني عن تبني المقاومة ودعمها.

ويشير المحلل الدجني إلى أن الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة المحتلة تعزز ثقافة المقاومة لتكون ثقافة لا ترافق حامل السلاح فقط؛ بل تتوسع لكل أطراف المجتمع وتشكل حالة عامة تتبنى المقاومة وتقدم كل أشكال الدعم الممكن في ميدان الضفة.

أراد الاحتلال من خلال ملاحقة المقاومين الإجهاز على تصاعد المقاومة لكن ما جرى كان معاكساً حين “انقلب السحر على الساحر”؛ فزادت عمليات المقاومة ونالت غطاءً ودعماً شعبياً ربما غاب عن ساحات الضفة لسنوات طويلة قبل العودة مجدداً بشكل أكثر قوة.

وطوال سنوات شنت أجهزة الأمن التابعة للسلطة حملة اعتقالات لمئات المقاومين من حركتي المقاومة الإسلامية “حماس” والجهاد الإسلامي والعشرات من أفراد الأجهزة الأمنية وحركة ; (فتح) لكن الحاضنة الشعبية عادت اليوم لانتقادها ودعم كل أطياف هؤلاء وغيرهم.

ويؤكد مصطفى الصواف -المحلل السياسي- أن نجاح الشهيد عدي التميمي في الاختفاء عن أعين الجيش والأمن الإسرائيلي لأكثر من 11 يوماً كان بفعل الحاضنة الشعبية في الضفة المحتلة التي أضحت أكثر وعياً من المرحلة الماضية وتلك سابقة تسترعي الانتباه في الصراع مع الاحتلال.

ويضيف أن “اهتمام الحاضنة الشعبية بدعم ومساندة المقاومين بالضفة المحتلة ظاهرة جديدة ولها دور مهم ومتى تواصل دورها الإيجابي للمقاومين مستقبلاً سينخرط مزيد من الشبان في العمل المقاوم حين توفر لهم الحماية والدعم وتحمي ظهورهم”.

وانضم خلال عمليات المقاومة المتصاعدة الكثير من أفراد أجهزة أمن السلطة للعمل المقاوم في مرحلة تبدو فيها الضفة ناقمة أكثر على مهمة “التنسيق الأمني” بين السلطة الفلسطينية والاحتلال وفي مشهد لا يمكن فيه فصل الفلسطيني مهما كانت وظيفته عن واقعه تحت الاحتلال.

ومنذ انتهاء معركة “سيف القدس” عام 2021 تدعم الاحتجاجات الشعبية عمليات المقاومة بالضفة التي باتت تتحول تدريجياً إلى انتفاضة مسلحة في مشهد يمضي معاكساً للعقيدة الأمنية التي تتبعها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد جميع أشكال عسكرة الانتفاضة الحالية.

بدوره أكد القيادي في حركة حماس محمود مرداوي أن الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة الغربية قوية وشديدة وأربكت حسابات الاحتلال.

وأوضح مرداوي في تصريحٍ الخميس أن الشعب الفلسطيني منظم وما يجمعه المقاومة ومثال على ذلك مجموعات “عرين الأسود” التي تضم كل أبناء الشعب باختلاف أطيافهم. ;

ولفت إلى أن المقاومة في الضفة المحتلة تتصاعد وتتوسع وشعبنا لديه الإرادة لمقاومة الاحتلال والتصدي لمخططاته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات