الأربعاء 24/أبريل/2024

نهر البارد.. إعمار بـالقطارة وإصرار على العودة

نهر البارد.. إعمار بـالقطارة وإصرار على العودة

بعد 15 عامًا على تدمير مخيم نهر البارد شمال لبنان، لا يزال إعمار المخيم يسير ببطء شديد؛ ما تسبب بحالة استياء شديدة بين الأهالي الذين ضاقوا ذرعًا بالوعود المتتالية، وسط أوضاع معيشية كارثية زادها الوضع اللبناني تعقيدًا، مع عزم وإرادة للعودة إلى المخيم ومنه إلى فلسطين المحتلة بعد تحريرها.

في مايو 2007، كان نهر البارد محورًا لقتالٍ دامٍ هو الأعنف منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، بين مجموعة مسلحة حملت اسم “فتح الإسلام” والجيش اللبناني، ما أدى لتدمير واسع في المخيم، ومقتل عدد كبير من الطرفين.

ويتكون المخيم من قسمين؛ القديم ودمر بالكامل إبان النزاع الدموي، والجزء الجديد الذي دمر جزئيًّا، وكان بمنزلة توسعة طبيعية للمخيم القديم.

احتجاجات

الجمعة الماضية، أغلق عدد من أهالي المخيم، مكتب مدير خدمات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” ومقر “الديزاين”؛ احتجاجا على التباطؤ في سير إعادة إعمار المخيم القديم وعدم دفع بدل إيجار لأصحاب البيوت المهدمة التي لا تزال تسكن خارج المخيم حتى الآن.

وأكد المحتجون -في بيانٍ- استمرارية التحرك السلمي حتى تحقيق مطالبهم المحقة، والحفاظ على منشآت وكالة أونروا وعدم الإضرار بالمصالح.

وشدد المحتجون أن تحركاتهم انطلقت وتأتي بعد أن فقدوا صبرهم وقدرتهم على مقاومة الظروف الاقتصادية الصعبة والتي تحاصرهم وتتفاقم يوماً بعد يوم منذ بداية نكبتهم في تدمير مخيم نهر البارد قبل 15 عاما.

وقالت العائلات: إن هناك العديد من المستفيدين من طول أمد المأساة التي لا تاريخ محددًا لانتهائها بعد مرور أكثر من 15 عاماً، مطالبين زيادة قيمة بدل الإيجار وتسريع سير عملية إعادة الأعمار وتحديد تاريخ زمني محدد لانتهائها لوقف الهدر وإنهاء المعاناة.

وطالبت العائلات وكالة أونروا بتقديم مبلغ لكل عائلة بدلَ إيجار لـ 12 شهرا دفعةً واحدةً وعاجلة لمواجهة الأعباء وسد جزء من الديون المتراكمة على هذه العائلات نتيجة تدمير المنازل والتهجير وتفاقم الظروف سوءًا وطول سنوات المعاناة.

وعودات كثيرة

اللاجئ محمود حسين، وهو أحد المشاركين في الاحتجاج، يقول لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: نتلقى وعودًا كثيرة عن قرب إعمار منزلنا منذ 15 عامًا. لا يعقل أن نبقى خارج المخيم، ونستجدي دفع بدل الإيجار كل هذه المدة.

ويؤكد أن هناك تباطؤا شديدًا في عملية الإعمار، موضحًا أن المخيم ذا المساحة الصغيرة لا يحتاج كل هذا الوقت لإعادة إعماره.

الحاج حسين يطالب بضرورة إنهاء هذا الملف العالق، ويؤكد أنه “أخذ وقتًا أكثر مما يحتاج بكثير”، كما طالب بزيادة مبلغ الإيجار؛ نظرًا لعدم كفايته مع تدهور العملة المحلية.

ويقع مخيم نهر البارد شمال لبنان، بالقرب من ميناء مدينة طرابلس، وتأسس عام 1949، ويضم 30 ألف فلسطيني، بواقع 1500 عائلة.

ظروف معقدة

عبد الرحيم الشريف، المسؤول السياسي لحركة حماس في مخيم نهر البارد، يقول: إن عملية إعادة إعمار المخيم مرت بظروف معقدة جدًّا، بدءًا من استملاك المخيم، كذلك هناك قرار بمنع وضع أي حجر قبل أن تأتي مديرية الآثار وتعمل تقييمًا وبحثا شاملًا في المخيم البالغ مساحته 1.9 كيلومتر، واستمر عملها منذ 15 عامًا ولا يزال، وهو أحد أسباب بطء عملية الإعمار.

وأشار  في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” إلى أن المديرية في مرحلة من المراحل، وجدت مقبرة عمرها 1400 عام، على مساحة صغيرة، واستغرق العمل فيها عامًا كاملًا، دون أن يتقدم الإعمار خطوة.

وأضاف أنه جرى تقسيم المخيم لـ8 “بلوكات”، ويجرى العمل فيها واحدًا تلو والآخر ببطء شديد.

وأوضح أن العامل الثاني للتأخير هو التمويل؛ حيث إنه يأتي تدريجيًّا وعلى مراحل متباعدة، كما أن إعداد المخططات والخرائط وإرسالها للاعتماد في عمان وغزة يستنزف وقتًا طويلًا.

ويشير إلى أن أي خريطة لأي منزل تخرج من مخيم “نهر البارد” إلى العاصمة بيروت ومن ثم إلى عمان “المقر الرئيس” لوكالة أونروا، وأخيرًا إلى غزة حيث مكتب إعمار المخيم.

وأضاف أن البطء في التنفيذ يعد من أبرز عوامل التباطؤ في إعادة إعمار المخيم.

75%

وبعد 15 عامًا على تدمير المخيم، أعيد إعمار 6 بلوكات من أصل 8، بما نسبته 75%، وحاليًّا يجرى إعمار البلوك السابع، ومع نهاية العام الحالي تكون نسبة الإعمار قد بلغت 80%.

وقال الشريف: إن البلوك الثامن فيه تعقيدات لوجوده على تلة، والحاجة لبناء جدران خرسانية استنادية تحت أرضية، وهناك قرار بمنع بنائها بعمق أكثر من 3 أمتار، إلا أن هذا البلوك بحاجة لجدران تفوق الـ10 أمتار، والمؤسسة العسكرية تمنع ذلك.

وستلجأ الجهات المعنية لفحص التربة لإمكانية بناء جدران بعمق 3 أمتار فقط، وكل هذا يحتاج للمزيد من الوقت.

وأكد أن هناك وعودات بتوفير تمويل جديد لإكمال الإعمار، وهناك مخاوف من توقف العملية حال عدم توفر الأموال.

لم يكن هناك أمل

ويشير محمود الحنفي، مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان “شاهد”، إلى غياب الأمل بإعادة الإعمار، بعد تدمير المخيم، مستدركًا أن هناك إصرارًا على إعادة البناء ولو بوتيرة بطيئة.

وأضاف الحنفي في تصريح لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن 75% من المخيم أعيد تعميره، وبقي الجزء البسيط، وأسباب التأخر تتلخص في البيروقراطية، وضعف التمويل، والاستملاك، والوصاية العسكرية، والتدخل في أدق تفاصيل البناء، ومنع بناء أساسات تحت أرضية، والأملاك البحرية والنهرية، كلها أسباب أدت للتأخير.

وأشار إلى أن مخيم نهر البارد كان أهم سوق لفلسطينيي لبنان في المنطقة الشمالية، وهو يحاول في هذه المدّة استعادة دوره الاقتصادي، ولكن ظروف البلد الحالية أدت لضعف هذه المحاولة.

وأكد الحنفي أن الأهالي استطاعوا الحفاظ على المخيم رغم الإشكالات التي رافقت عملية الإعمار، والمرجعيات الفلسطينية ودور منظمة التحرير الفلسطينية، ودور وكالة أونروا، وغيرها.

وأوضح أن هناك 20 ألف أسرة بانتظار العودة إلى المخيم، منبهًا إلى أن الأهالي دفعوا ثمن دخول “المتطرفين” إلى دخول المخيم بطريقة لم يعرفوها، وأن الفلسطينيين لن يسمحوا أن يؤخذ أي مخيم رهينة للقتال ضد الجيش اللبناني.

دور الدولة وأونروا
الدولة اللبنانية -حسب الشريف- لها دور في تحديد عدد الطوابق 4 حدًّا أقصى، وإعداد مخططات توجيهية والطرقات الداخلية للمخيم، أقله 160 سم، وأكثره 6 أمتار، أما دور أونروا فهو التنفيذ وتوفير التمويل اللازم.

ويوضح الشريف أنه وقبل 10 أشهر بدأت أونروا بدفع بدل إيجار للعائلات من المخيم القديم بواقع 75 دولار للعائلة الواحدة، واستثنت من يسكن في المشاعات بعدِّهم خارج المخيم.

وبيّن أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب لبنان ألقت بثقلها على أهالي مخيم نهر البارد، وفي قضية بدل الإيجار التي تتأخر بين الفينة والأخرى ما يخلق صعوبات جمة لدى الأهالي، علاوة على ارتفاع قيمة الإيجار بعد انهيار العملة المحلية.

وأكد أن حراك الأهالي الحالي يطالب “أونروا” برفع قيمة الإيجار من 75 دولار إلى 100 دولار، مشيرا إلى أن لا أحد يعرف إلى أين تمضي الأمور.

تكلفة الإعمار

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” سبق أن قالت: إن عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد بحاجة إلى 345 مليون دولار أميركي.

وبهدف تأمين التمويل عُقدت العديد من المؤتمرات الدولية، وكان أبرزها مؤتمر فيينا الذي عقد عام 2008 حيث تعهدت الدول المانحة بتقديم 122 مليون دولار أميركي، وبسبب عدم إيفاء الدول المانحة بالالتزامات التي قطعتها على نفسها، تبعه مؤتمر آخر في بيروت 06/10/2016، تعهدت فيه الدول المانحة مجدداً بدفع مبلغ 36 مليون دولار تكفي لإعادة إعمار حوالي 70% من المخيم.

وكان مدير وحدة إعادة إعمار مخيّم نهر البارد المكلّفة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” “جون وايت” قال: إنّ الوحدة تسعى لإنجاز إعمار 85% من المخيّم القديم والجديد، حتّى عام 2023 المقبل.

وأضاف في ندوة عقدت في الذكرى الـ15 لتدمير المخيم: أنّه سيتم إنهاء العمل على البنى التحتية الأساسية للمرحلة السادسة، نهاية آب/ أغسطس، إضافة إلى إنهاء إعمار المدرسة في المخيم الجديد لتكون جاهزة في العام الدراسي المقبل.

وقال مسؤول وحدة الإعمار: إن تكلفة إنهاء الإعمار تبلغ 39 مليون دولار أمريكي، مشيراً إلى أنّه مبلغ كبير، و”لكنّه صغير بالنسبة لما تمّ إنجازه”، مضيفاً أن استكمال الإعمار من الأولويات لدى الوكالة رغم العجز المالي، وبمجرّد أن تتوفر الأموال ستتم المباشرة بإنجاز جميع مهمات المشروع، وفق قوله.

غير ملائمة

أحد سكان المخيم تحدث لمراسلنا أن بعض المنازل التي سلمت لم تكن على درجة من الإتقان، وألقى اللوم على أونروا أساسًا، ثم على المتعهدين الذين وصفهم بـ”حيتان متغولة لا تلتزم بشروط هندسية أو متابعة أو توجيهات”.

وأضاف اللاجئ الذي رفض الكشف عن اسمه أنهم يقومون بالبناء وفقا لأقل الخسائر، حسب قوله.

وأكد أنهم صدموا حيث إن البيوت صغيرة وتعاني من الرطوبة وتسرب مياه الأمطار.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات