الجمعة 10/مايو/2024

البؤر الاستيطانية.. أسلوب جديد قديم لسرقة الأرض وضرب الديموغرافيا

البؤر الاستيطانية.. أسلوب جديد قديم لسرقة الأرض وضرب الديموغرافيا

ما تزال شهية حكومة الاحتلال الإسرائيلي والجماعات اليهودية المتطرفة مفتوحة لالتهام المزيد من الأراضي الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية، في محاولة لفرض وقائع تهويدية وإحداث تغيرات ديموغرافية بالمنطقة.

فمنذ العام 1996 وحتى يومنا هذا تركز بناء البؤر الاستيطانية الإسرائيلية في مناطق الوسط في الضفة الغربية المحتلة، والتي يعدّها الاحتلال مناطق ذات أهمية إستراتيجية كبرى، وحلقة وصل جغرافية بين المستوطنات الإسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.

والبؤر الاستيطانية هي مواقع استيطانية صغيرة تدعي حكومة الاحتلال أنها لم تحصل على الاعتراف بها كمستوطنات شرعية، رغم ما تحظى به من حماية أمنية وتوفير للخدمات، وهي عادة ما تتخذ التلال مكانا لها، ويهدف المستوطنون من خلال إقامتها كأبنية محدودة المساحة إلى توسيع مستوطنة قائمة حيث يتم الربط بينها، ما يعني قضم مساحات شاسعة، أو إقامة مستوطنات جديدة مكانها مستقبلاً.

وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن مئات المستوطنين يستعدون للسيطرة على عدة تلال في الضفة لإقامة بؤر استيطانية عليها، بقيادة منظمة “نحالا” الاستيطانية، التي توعدت بإقامة 28 بؤرة ردًّا على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.

كما نُشر في صحيفة “معاريف” في 20 تموز/يوليو الجاري، بأن حركة “نحالا” شرعت بالفعل في إقامة ثلاث بؤر استيطانية، وبأن رئيسها الناشط اليميني دانييل فايس عندما سئل “ألا يزعجه أن العملية غير شرعية؟”، ردّ فوراً بالقول: “شرعية أم غير شرعية، هذا الأمر لا يهمني؛ ما هو غير شرعي هو التخلي عن الأرض التي تعود إلى الشعب اليهودي”.

150 بؤرة استيطانية

وأفاد مدير البحث الميداني في منظمة بتسيلم كريم جبران، أن هناك حوالي 150 بؤرة استيطانية منتشرة في أنحاء الضفة الغربية مقامة على أراض فلسطينية خاصة، أو أراض حكومية حسب التصنيف الإسرائيلي.

وأضاف في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، أن من هذه البؤر حوالي 50 بؤرة رعوية تسيطر على عشرات آلاف الدونمات من الأراضي التي تحاول تمنع الفلسطينيين من ممارسة حياتهم الطبيعية من رعي وزراعة في هذه المناطق.

وأوضح أن منظمته تعدّ الاستيطان عامةً والبؤر خاصةً غير شرعية وغير قانونية، مشيراً إلى أن القضاء والحكومة في “إسرائيل” تماطل في تطبيق القانون على الرغم من ثبوت أحقية ملكية الأراضي المقامة عليه لفلسطينيين.

وذكر أنه وعلى الرغم من تعريف هذه البؤر في قانون الاحتلال على أنها غير قانونية، إلا أنها تحظى بدعم حكومي مالي، وكذلك تحصل على الخدمات مثل ربطها بالمياه وشبكات الكهرباء وشق الطرق، وتوفير الحماية الأمنية لها.

وتهدف إقامة البؤر الاستيطانية وخاصة الرعوية منها -حسب جبران- إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، لافتاً إلى أن الاحتلال لم يترك طريقة للاستيلاء على الأراضي من خلال قوانين ملتوية وتشريعات غير متطابقة مع القانون الدولي.

ويسعى الاحتلال -وفق جبران- إلى طرق ملتوية للسيطرة على الأراضي من خلال إعلانها مناطق تدريبات عسكرية أو إعلانها مناطق محميات طبيعية ومناطق أثرية أو إعلانها أراضي دولة، من أجل تعميق السيطرة اليهودية على الأراضي، والتي تأتي ضمن منظومة الابارتهايد الإسرائيلي التي تهدف إلى تحقيق تفوق عرقي يهودي في جميع المنطقة.

ونبّه جبران أن البؤر الاستيطانية عبارة عن ذراع من أذرع الاحتلال على الأرض خاصة أنه لا يستطيع أن يشرعن رسميًّا كل ممارساته وبالتالي قسم الاستيطان إلى فئتين؛ الأولي تتمثل في المستوطنات التي يعدّها شرعية، والفئة الثانية مرتبطة بالبؤر الاستيطانية التي يدعي أمام العالم أنها غير شرعية وغير قانونية، لكنه يبحث عن طرق لشرعنتها ودعمها بشتى الطرق والوسائل الالتفافية.

ويؤكد جبران عدم جدية حكومة الاحتلال في التعاطي مع البؤر الاستيطانية خاصة مع سعيها لتشكيل لجنة لدراسة تشريع هذه البؤر، نافيا إزالة أي بؤرة تمامًا؛ “بل تواصل إقامة بؤر استيطانية جديدة وتوسيع بؤر قائمة”.

وأوضح أن عددا من المستوطنات بدأت بكرفان (بيت متنقل) يقيمه أحد المستوطنين أو الاستيلاء على مساحة من الأراضي واتسعت كثيرًا جدا مثل “نيغرون”، وأصبحت بها اليوم عشرات “الكرفانات”، وتحاول التوسع يوميا على حساب الممتلكات الفلسطينية الخاصة.

وبين جبران أن البؤر غير المرخصة تحظى بخدمات حكومية مثل شق الطرق والكهرباء والمياه، وتنفق عليها وزارة الإسكان الإسرائيلية ملايين الشواقل رغم أن حكومة الاحتلال تصنفها بـ”غير المرخصة أو العشوائية”.

أسلوب قديم جديد
من جهته يقول الخبير في شؤون الاستيطان خالد منصور: إن البؤر الاستيطانية هي أسلوب قديم جديد يسعى للسيطرة على الأرض الفلسطينية بدعم المؤسسات الرسمية الإسرائيلية والجمعيات اليهودية التي تعنى بالاستيطان.

وأوضح منصور، في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، أن هذه البؤر تبدأ غير رسمية في البداية عبر الاستيلاء على عشرات الدونمات، ثم تبدأ حكومتها بشرعنتها عبر تقديم البني التحتية والكهرباء والشوارع وتحويلها إلى مستوطنة تسيطر على مئات وآلاف الدونمات.

وأشار إلى أن الأمر الجديد في هذا الأمر هو أن الاستيطان وشرعنته يأتي في سياق التنافس بين الأحزاب الاسرائيلية، والذي يدفع الثمن هو الوجود والأرض الفلسطينية.

وأكد منصور أن إقامة البؤر الاستيطانية يكون عبر مخططات تختارها بدقة الجمعيات الاستيطانية، مستشهداً أن مستوطنة “سيلو” تم توسعتها عبر إقامة بؤرة يجلس بها مستوطن وتبعد مسافة كيلومتر، وبعد مدّة يقومون بفتح شارع بين المستوطنة وهذه البؤرة وتصبح منطقة بناء وتتوسع بشكل أكبر.

وأضاف: “يتم اختيار أماكن البؤر الاستيطانية والمستوطنات عبر أجندة وأهداف سياسية، الهدف الأساسي منها أن تتحول هذه المستوطنات إلى حواجز ومعابر تقطع أوصال الضفة الغربية”.

وشدد منصور أن استمرار الاستيطان بهذه الطريقة يقطع الطريق والأمل لإقامة دولة فلسطينية على أساس “صفقة القرن” التي كانوا ينادون بها، مشيراً إلى أن الإسرائيليين تفوقوا على ما جاء في “صفقة القرن”؛ حيث إن هذه البؤر بمنزلة ضوء أخضر أعطاه بايدن لـ”إسرائيل” خلال زيارته الأخيرة، الأمر الذي زاد من البؤر في المدّة الأخيرة.

وتكمن خطورة هذه البؤر في كونها قابلة للاتساع على حساب الأراضي الفلسطينية، وفق منصور؛ مشيراً إلى أنه حال لم يتوقف الاستيطان وبقي على هذه الوتيرة المتصاعدة فإنه لن تبقى أرض فلسطينية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات