الإثنين 06/مايو/2024

لماذا تستدعي إسرائيل خطاب انهيارها وزوالها؟!

لماذا تستدعي إسرائيل خطاب انهيارها وزوالها؟!

صورة تمددها الجيوسياسي الكبير، والانخراط في التحالفات السياسية والعسكرية حول العالم، لم يخفِ الحقيقة المرّة عن كيان “إسرائيل” ومخاوف الاندثار، حتى بات عدد من قادة “الدولة المزعومة” يتحدثون بصوت عالٍ عن فكرة الانهيار والزوال.

مسؤولون إسرائيليون منهم بينت وغانتس وباراك، استدعوا أحداثا تاريخية، فيها سقوط ممالك لليهود، وشككوا في بقاء “إسرائيل” واجتيازها العقد الثامن، حتى بات يطلق على هذه التوجسات بـ”عقدة القرن الثامن”.

ورقة تحليلية للكاتب والمختص بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر، بعنوان “الاستدعاء الإسرائيلي لخطاب الانهيار والزوال: أسبابه ودلالاته”، تناولت بإسهاب هذا الاستدعاء لخطاب الانهيار.

إعلام الاحتلال غصّ بجملة تحذيرات صادرة عن أبرز  قادته من مختلف المستويات السياسية والعسكرية والصحفية، وأجمعت على أنها تعيش لحظات حاسمة، وتوشك أن تصل للمصير ذاته الذي وصلت إليه دولة يهودية سابقة.

بينت ولابيد وباراك ونتنياهو، تطرقوا جميعًا إلى تهديدات داخلية ستعمل على تفكيك الكيان من الداخل، أبرزها حرب أهلية وتفكك سياسي، وسوء الأداء الحكومي، وإمكانية تراجع القومية اليهودية داخل الدولة وتنامي التهديدات العسكرية والأمنية المحيطة، إضافة لاستدعاء أحداث تاريخية قديمة أدت لتفكك ممالك يهودية قبل أن تبلغ العقد الثامن.

هذه التصريحات الصادرة عن أقطاب الدولة لاقت صدى واسعًا لدى الإسرائيليين، منهم من أبدى تأييده لهذه المخاوف، بل وأمضى بعيدًا في تفسيرها، ومحاولة شرحها، حتى ذهب الكاتب يغئال بن نون، إلى القول: إن “المزيد من الإسرائيليين تظهر عليهم علامات القلق الدالَّة على اليأس، ويتقدم الكثير منهم للحصول على الجنسية الأجنية، حرصًا على مستقبل أطفالهم، لأن بعضهم يقول بصوت عالٍ: إن “إسرائيل” لن تكون موجودة لمدّة طويلة، وإن إقامتها من الأساس كانت مغامرة فاشلة، ولذلك يعيشون حالة متشائمة، ويحثون أنفسهم وغيرهم على الهروب قبل وقوع الكارثة.

 

المخاوف الداخلية:
تلخصت المخاوف الداخلية في غياب ملوك “إسرائيل” عن الساحة، فيما بات يعرف بـ”غياب جيل التأسيس”، وهو التخوف الداخلي الأول، خصوصا مع موت آرئيل شارون وشمعون بيرز؛ هنا بدأ الحديث عن نهاية عهد المؤسسين الأوائل.

وانتقل كاتب الورقة إلى الفساد وحالة التردي والتدهور التي ضربت “إسرائيل” بعد غياب المؤسسين الأوائل؛ فمن قضايا الفساد التي لاحقت أولمرت، كان عهد نتنياهو الأطول نسبيًّا ملئيا بالإخفاقات الأمنية والعسكرية حتى إن أغلب الإسرائيليين يعتقد أن عهده فاسد.

والتخوف الثاني هو الانقسام الداخلي، وما يمكن أن يفضي له، خصوصا مصطلح “الحرب الأهلية”، وتعود بدايات استخدامها بهذا الشكل إلى مرحلة اغتيال إسحق رابين، في نوفمبر/تشرين الآخِر 1995، على يد ناشط يميني، ومنذ ذلك الوقت لم تعش أي حكومةإسرائيلية مدّتها القانونية المحددة، بأربع سنوات، وآخر الحكومات كانت حكومة بينت التي لم تعش سوى عام واحد.

كما أن الورقة أوضحت أن حكومات الاحتلال المتعاقبة منذ ربع قرن من الزمن لم تقدر على إيجاد حالة من الانسجام بين مختلفمكوناتها، فضلا عن رؤية توحدها، فقد زاد عدد الأحزاب في كل حكومة، بعد أن اقتصرت حكومات العقود الأربعة الأولى على عدد محدود من أحزاب الائتلاف، لكن السنوات الأخيرة شهدت تكاثرًا للأحزاب ممن اختلفت توجهاتها وأيديولوجياتها، ولم تصمد أي منها أربع سنوات كاملة.

المخاوف الخارجية: 
من المخاطر الخارجية التي افترض “درور”، وهو مستشار في وزارة الحرب، وقوعها نشوب حرب مدمرة مع حزب الله، وتنفيذ هجمات صاروخية متعددة المصادر في آن واحد باتجاه “إسرائيل”، وتعرضها لهجمات كيماوية وبيولوجية، ونشوء ميليشيات مسلحة قوية تهددها، وتعرضها لهجمة معلوماتية ضارية تشوِّش أنظمتها المعلوماتية، وتنامي دعوات إقامة “دولة واحدة لشعبين” بسبب فشل المفاوضات مع الفلسطينيين، وتغيير الولايات المتحدة لسياستها الخارجية، وتخفيف تدخلها في الشرق الأوسط، وتقليل دعمها لـ”إسرائيل”، ورحيل جيشها عن المنطقة.

وتشير تحذيرات درور إلى أن الخوف على “إسرائيل” من المخاطر الخارجية آخذ في التصاعد بدلا من التراجع وتحديدًا في السنوات الأخيرة، وسببه الخوف من أداء المستويين السياسي والعسكري معًا.

والتخوف الثاني في هذا السياق، عودة “المقاومة الفلسطينية” واستمرارها؛ حيث اعتقد الإسرائيليون أنهم تخلصوامن المقاومة الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد بعد حرب لبنان الأولى، إلا أن الناظر اليوم يرى المقاومة الفلسطينية بغزة كيف تشكل ردعا للكيان وتقصف عمقه بمئات الصواريخ، وكيف تحولت إلى جيش شبه نظامي.

أما التخوف الثالث فيتركز في “الجبهة الشمالية”؛ حيث يشعر الإسرائيليون بمزيد من الضغط والقلق، رغم أن جيشهمدمَّر لبنان من أقصاه إلى أقصاه خلال الحرب الثانية 2006، وكبح جماح حزب الله عن إطلاق صواريخ باتجاه المستوطنات الشمالية طوال ستة عشر عامًا، إلا أن الأخير راكم قوته.

والتخوف الرابع هو من “الجبهة الشرقية” وتحديدًا من إيران؛ حيث تخشى “إسرائيل” من دخول طهران النادي النوويوحيازتها للقنبلة، ما زاد من جرعة التحذيرات الإسرائيلية المتشائمة من التسبب باستهداف الدولة في وجودها،خاصة أن التصنيف الإسرائيلي للتهديد الإيراني يصل حدَّ “الوجودي”.

والتخوف الخامس سياسي، وهو الأبرز، ويتمثل بعدم التوصل إلى حل نهائي للصراع مع الفلسطينيين، الذي يتطلبمن الإسرائيليين دفع أثمان بالانسحاب من أراض فلسطينية، وهو محل انقسام إسرائيلي، ما دفع “إسرائيل” إلى نظرية”إدارة الصراع، وليس حلَّه”، وأسفر ذلك عن استمرار “الجرح النازف يف الخاصرة الإسرائيلية” بلا نهاية.

أما التخوف السادس، فهو من فقدان دعم ورعاية الحليف الأمريكي لـ”إسرائيل” في المنطقة خاصة بعد تراجعه النسبيمؤخرًا، لاسيما عقب ولايتي الرئيس الأسبق باراك أوباما، بين 2008-2016، وما تبعهما من تراجع التأييد لـ”إسرائيل”، في أوساط الحزب الديمقراطي وباطّراد.

يقول كاتب الورقة: من الصعوبة بمكان استنتاج أن “إسرائيل” تذهب لهذا الخطاب طواعية؛ أي إنها تتحدث عن مخاوفها انطلاقا من ترف فكري أو نقاش ثقافي بحت، بل إن الدافع لإثارة مثل هذه التساؤلات الوجودية نابع من مخاوف ذاتية حقيقية،تستشعر أن هناك خطرًا داهمًا على الدولة، قد يتسبب بانهيارها.

يتابع: “هذا يعني أن إسرائيل ربما دخلت طورًا من التطلعلحماية بقائها على أفضل تقدير، والعمل على ترحيل ما ترى أنها أسباب فنائها، ما قد يعمل على تأخير تطلعها إلىمزيد من التوسع والتمدد الإقليمي والدولي”.

ووضع الكاتب ملاحظة أخيرة هي أن التحذيرات والمخاوف من انهيار الدولة، صادرة عن نخب قيادية من صفها الأول -وتتجاوزلعبة الاستقطاب السياسي والمزايدة الحزبية- ما يؤكد جديتها وجدية أصحابها، وتضفي مصداقية على مخاوف مناحتمال وقوع الدولة في فخ الاحتراب الداخلي. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات