السبت 20/أبريل/2024

الاعتقال والتعذيب.. جريمة بلا تهمة في سجون السلطة!

الاعتقال والتعذيب.. جريمة بلا تهمة في سجون السلطة!

لم يستطع الشاب أحمد هريش أن يقدم شهادة كاملة حول ما تعرض من تعذيب في أقبية التحقيق في سجون السلطة الفلسطينية في رام الله.

فبعد مرور 7 أيام على اعتقاله لدى عودته إلى بيته في منطقة بيتونيا غرب رام الله المحتلة، لم يكن الأمر متاحاً أمام أسماء هريش لالتقاء أخيها إلا داخل أروقة المحكمة التي عقدت له في مدينة أريحا.

كانت ملامح التعب والإرهاب الشديد تبدو واضحة على شقيقها الذي لم يستطع حبس دموعه أمام محاميه، ليعاجله بالسؤال عن سبب هذا البكاء ليؤكّد أنّه تعرض لصنوف متعددة من العذاب داخل السجن أثناء عملية التحقيق.

حاولت أسماء التحدث لشقيقها لكنه لم يسمح لها بذلك وسط اعتراض محاميه في نهاية المحكمة على طلب النيابة بتمديد اعتقاله لـ15 يوماً، إلا أنّ طلب المحامي لم يلقَ أي قبول أمام المحكمة التي قررت تمديد عملية الاعتقال لأسباب غير واضحة.

ووفقا لما وثقه محضر الجلسة على لسان أحمد قال: “أنا منذ أسبوع في زنازين أريحا حيث كان يتم ربطي من معصم يدي بحبل وكان وجهي مغطى بحيث لم أكن قادرا على رؤية أي شيء وكان يتم تعليقي وضربي بالعصي”، وأضاف إنه تم تعذيبه “بواسطة الطوب والحديد وجرّه إلى الخلف وأساليب تعذيب أخرى”.

وفي المحضر علق القاضي “وبمعاينة المحكمة لجسد المتهم تجد أنه يوجد آثار خدش على كل معصميه اليمين واليسار، كذلك يوجد خدش على قدمه اليمنى، وبسؤالٍ عن هذه الإصابات أفاد أنها من التعذيب الذي تعرض له”.

واعتقل أحمد هريش مع شقيقه محمد في السابع من يونيو/حزيران الحالي، بالإضافة إلى 14 آخرين كانت أرقامهم مخزنة على هاتف صاحب منجرة في بيتونيا في رام الله، التي وقع فيها تفجير قبل أيام من عملية الاعتقال، وجميع هؤلاء أسرى محررون محسوبون على حركة حماس.

وأفادت مصادر مطلعة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّ أجهزة أمن السلطة هوّلت حادث الانفجار داخل منجرة بيتونيا؛ بهدف تبرير حملة الاعتقال الشرسة التي ارتكبتها بحق أبناء حركة حماس المقربين من صاحب المنجرة ومعارفه.

ونفت تلك المصادر صحة ما تداولته مجموعات مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة بأمن السلطة وحركة فتح، والتي روجت بأنّه كشف عن مصنع متفجرات في نفق أسفل المنجرة، الأمر الذي تنفيه الصور الواردة من المكان، والتي تشير إلى أن وقائع الحدث تؤكد انفجار “كمبريسة هواء”، الأمر الذي يتكرر في العديد من ورش النجارة.

وأوضحت المصادر المقربة من عائلات المعتقلين، بأن أغلب المعتقلين العشرة، تربطهم علاقة عمل أو طلب أعمال نجارة في منازلهم من صاحب المنجرة والذي لا ينتمي لأي فصيل، مشيرين إلى أن كل شخص كان موجود على قائمة اتصالات صاحب المنجرة اعتقِل.

اعتقال سياسي
لم تكشف الجهات الرسمية الفلسطينية عن أي تهمة بحق المعتقلين أحمد ومحمد هريش والمعتقلين غيرهم في حادثة المنجرة، سوى بعض تلك الشائعات التي خرجت من مجموعات مجهولة لتتهم أولئك الشبان بتصنيع المتفجرات واستهداف مصالح السلطة.

وخلال جلسات التحقيق، بحسب المحامي المتابع لقضية هريش وشقيقه، لم توجَّه تهم تتعلق بذلك، وكانت التهمة في جلسة المحكمة وفي الملفات الرسمية هي حيازة السلاح.

يقول المحامي مهند كراجة، من مجموعة “محامون من أجل العدالة” -التي تتابع المعتقلين قانونيًّا-: إن اعتقال هريش تم على خلفية سياسية، وهذا واضح من التهمة الموجهة إليه في الملفات الرسمية وهي “حيازة السلاح”.

وتابع كراجة في حديث صحفي: إنّ “90% من المعتقلين السياسيين يتم توجيه تهم لهم تتعلق بحيازة السلاح أو نقل أموال غير مشروعة في حين التحقيق معهم يكون على قضايا سياسية”.

وحول تعرض هريش للتعذيب، قال كراجة: “كثير من المعتقلين يهدَّدون في حال تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب، ولكن في حالة أحمد، هذا مثبت بمحضر جلسة قانونية، ولا يمكن التشكيك فيه”.

وبحسب توثيق مجموعة “محامون من أجل العدالة”؛ فإن 50-70% من حالات الاعتقال التي تابعتها لمعتقلين سياسيين، فإنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في سجون الأجهزة الأمنية.

وقال كراجة: “إن مثل هذه القضايا تدخل في نطاق المناكفة السياسية، ففي المجموعة تمت متابعة قضايا مشابهة سابقا وجميعها لا يتم إدانة المعتقلين فيها”.

تعذيب لا يتوقف
وفي تقريرها السنوي -من الأول يناير/كانون الآخِر وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2021- وثقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ارتفاعا في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة، حيث بلغ عدد الشكاوى 445 شكوى بالضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 252 شكوى بالضفة، و193 شكوى بالقطاع.

إلى جانب ارتفاع في عدد الاعتقالات التعسفية التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون في الضفة والقطاع، لا سيما اعتقال المواطنين بسبب ممارسة حقوقهم وحرياتهم المشروعة، ومعظمها في الضفة.

وقد أبدت عائلة هريش قلقها على حياته، وحياة شقيقه محمد أيضا الذي لم تتمكن حتى الآن من رؤيته في سجنه برام الله، في إطار ما وصفته بحملة التحريض الذي تعرض لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وأشارت شقيقته إلى أن الصور المنشورة تسربت بتعمّد من الأجهزة الأمنية، فهي التقطتها خلال تفتيش منزل العائلة لأغراض التحقيق، إلا أنها انتشرت بشكل كبير، ونسجت حولها روايات من أن الخريطة للمناطق المستهدفة، وأن صورة الحفرة الامتصاصية في منزل جدها القديم لنفق حفر لتنفيذ المخطط وغيرها.

وقالت: “لن ننتظر أن يكون أخي نزار بنات الثاني”؛ في إشارة إلى مقتل المعارض السياسي نزار بنات يوم 24 يونيو/حزيران 2021 على يد الأجهزة الأمنية جراء التعذيب خلال اعتقاله.

غياب الرقابة
غاندي أمين، رئيس مجموعة “الحق بالقانون للمحاماة والاستشارات” في فلسطين، والمحامي المكلف بمتابعة قضية مقتل نزار بنات، قال: إنّ “التعذيب في سجون السلطة لم يتوقف يوما، ولكن تعددت أشكاله رغم توقيع السلطة على اتفاقية “مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” عام 2014.

وبحسب أمين؛ فإن الوضع السياسي العام من تعطيل المجلس التشريعي، وتغول السلطة التنفيذية على القضائية يعدّ بيئة خصبة لانتشار التعذيب في السجون، إلى جانب الأحداث السياسية على الأرض، في إشارة منه إلى تزامن هذه الاعتقالات مع الذكرى الـ 15 للانقسام الفلسطيني الداخلي.

وتوقع المحامي مزيدا من الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان من الأجهزة الأمنية في سياق عدم وجود جهات رقابية على عملها.

وشهدت المدّة من كانون الآخِر/ يناير 2018 وحزيران/ يونيو 2021، تسجيل أكثر من 250 حالة اعتقال حللها التحقيق بالاستناد إلى بيانات مؤسسة الحق، واستبيان ومقابلات مع عدد من المعتقلين السابقين.

لم تخلُ حالة واحدة من انتهاك أو أكثر لأحد إجراءات الاعتقال والاحتجاز والمحاكمة العادلة التي ضمنها قانون الإجراءات الجزائيّة الفلسطيني، والقانون الأساسي الفلسطيني لسنة 2003. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات