الإثنين 29/أبريل/2024

كيف بدا المشهدان الإسرائيلي والفلسطيني بعد 74 عامًا على النكبة؟!

كيف بدا المشهدان الإسرائيلي والفلسطيني بعد 74 عامًا على النكبة؟!

ربما لم يكن الفلسطينيون الذين عايشوا النكبة يتوقعون استمرار القضية الفلسطينية 74 عامًا، لكن مؤسسي الكيان الصهيوني لم يكونوا كذلك يتوقعون أن يبقى الشعب الفلسطيني صامدًا لا ينسى وينجب أجيالًا جديدة يتجدد وعيُها وكفاحها وتمسكها بحقها.

فلولا مقاومة الفلسطينيين طوال هذه السنوات وصمودهم في أرضهم وتمسكهم بحقهم لما وقف المشروع الصهيوني اليوم مأزومًا.

فمن المفارقات اليوم أن مخيم جنين واحد من التعبيرات عن النكبة، وهو الذي يتصدر المقاومة الفلسطينية في هذه اللحظة.

وللضفة الغربية موقع أساسي في الصراع؛ فهي جوهر المطامع والدعاية الصهيونية، وهي التي تمثل العمق الإستراتيجي للاحتلال؛ فمقاومة هذه الساحة جوهرية في إفشال المشروع الصهيوني.

قاومت الضفة الغربية في الانتفاضة الأولى، وألقت بثقلها كاملًا في الانتفاضة الثانية، وقاومت بالهبات الشعبية والعمليات المنظمة والفردية، وبالزحف للمسجد الأقصى وتقديم آلاف الأسرى.

المشهد الفلسطيني في مواجهة الاحتلال

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي: “منذ أن أقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي كيانها وحتى هذه اللحظة لم تستطع الوصول إلى المرحلة التي يمكنها أن تقول فيها إنها هزمت الشعب الفلسطيني”.

وأضاف: “وهذا ليس حديثًا رومانسيًّا يراد منه تجميل صورة الوضع على المستوى الفلسطيني؛ فالفلسطينيون لم ينتصروا لكنهم لم يهزموا بعد، والدليل على ذلك هو أن الصراع مع الاحتلال لا يزال مفتوحًا، وأن المواجهات لا تزال قائمة، وتتجدد كل مدّة، بشكل يجعلنا نقول إنها لم تنقطع منذ عام 1948”.

وتابع: “بمعنى أننا ومنذ ذلك التاريخ وحتى يومنا هذا شهدنا أشكالًا مختلفة من المواجهة، كما استطاع الفلسطينيون أن يكوّنوا أطرهم السياسية وحركاتهم الوطنية، وتطور العمل النضالي، إلى أن وصلنا إلى هذه المرحلة التي أصبحت فيها حركات المقاومة الفلسطينية قادرة على التأثير على مجرى الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي، فبالرغم من مرور أكثر من 7 عقود على النكبة فإن الشعب الفلسطيني لم يستسلم”.

من جانبه وفي حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، قال الباحث في مؤسسة “يبوس” للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، سليمان بشارات: إن الاحتلال راهن الاحتلال على الزمن في أن تنسى الأجيال الفلسطينية ما قامت به العصابات الصهيونية من عمليات تهجير ومجازر منذ تاريخ النكبة وحتى اليوم، وأن الأجيال الفلسطينية ستعيش حياتها وفقا لمتغيرات عامل الزمن أو الواقع السياسي.

واستدرك قائلا: “هذا الرهان لم يتحقق، والاحتلال قد يكون متخوفًا أكثر بأن حالة الارتباط الوطني والوجداني الفلسطيني للأجيال الحالية ربما نمت فيها روح الارتباط بالأرض وبالهوية أكثر من أي مدّة أخرى، ودليل ذلك كيف أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 رفضوا مفهوم الانصهار بالكيان رغم محاولات كثيرة لمحو هويتهم”.

بالإضافة إلى أن الفلسطينيين المهجّرين سواء في مخيمات اللجوء بالضفة أو غزة أو حتى في الشتات، لا تزال الأجيال تتابع وتتواصل في الارتباط الوطني وترفض القبول بأي حلول تعويضية أو تسويات لقضيتهم على حساب التنازل عن حقهم بالعودة، يقول بشارات.

المشروع الصهيوني بعد 74 عامًا

ويرى سليمان بشارات أن المشروع الصهيوني اليوم، ورغم أنه بالمنظور الظاهر وصل لحالة نضوج وانتشار وفرض واقع، إلا أنه بالموازي لهذا المستوى المنظور هو يمرّ بأزمة؛ فالاحتلال حتى الآن لم يستطع أن يوجد هوية له.

ويشير في حديث لمراسلنا إلى أنه ولهذا السبب لجأ إلى كثير من الخطوات أو القوانين منها قانون القومية اليهودية الذي يحاول من خلاله أن يمنح ذاته هذه الهوية التي لم يستطع هو مشروعًا يهوديًّا إيجادها، لأن استخدامه بوتقة الصهر في دمج الجماعات اليهودية التي يتم استجلابها من أصقاع العالم كافة فشلت في أن تحقق التجانس داخل الكيان، وبالتالي هو يتشكل الآن من مجتمع داخلي مركب ومبنيّ على الفئات الدينية والأيدولوجية، وهذا بحد ذاته ستجعل منه كيانًا غير قابل للاستمرارية.

أما بلال الشوبكي فيرى أنه وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن هناك تراجعًا عند الصهاينة فيما يتعلق في استكمال مشروعهم، لكن وخلال السنوات الأخيرة حدثت تحولات جوهرية في داخل الكيان الإسرائيلي، وهذه التحولات بدأت مع فقدان هذا الكيان للرموز والشخصيات التاريخية المؤسسة له، والتي كانت تحظى بشبه إجماع عليها على مستوى الشارع الإسرائيلي.

ومضى يقول: “وبالتالي أصبحت دولة الاحتلال على المستوى الرسمي تشبه الكثير من دول العالم، إذ بدأ الفساد يظهر في حكوماتها كثيرًا جدًّا، وهناك حالة من التباين الكبير داخل المجتمع الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن السياسات التي باتت تتبعها حكومات الاحتلال المتعاقبة في السنوات الأخيرة سواء على المستوى الداخلي الإسرائيلي، أو على مستوى العلاقة مع الفلسطينيين، أو على المستوى الدولي، لم تعد تخدم بالضرورة الكيان الإسرائيلي، بقدر ما تخدم استمرار الحكومة وبقاءها”.

“لننتقل من المرحلة التي كانت تقدم فيها الأحزاب الإسرائيلية على خطوات تقدم فيها مصلحة الكيان على أي مصلحة أخرى، إلى المرحلة التي باتت فيها الأحزاب الإسرائيلية تقدم على خطوات تخدم النخب السياسية، ومصالح الأحزاب والحكومات، وبالتالي وصلنا إلى مرحلة جديدة بات فيها الكيان الإسرائيلي أضعف من قبل، وإن كان على المستويات العسكرية والتقنية لا يزال متفوقًا، لكن على مستوى البناء الإنساني للكيان الإسرائيلي نشهد شرخًا كبيرًا في السنوات الأخيرة”.

الضفة الغربية ساحة محورية في مقاومة الاحتلال

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي أن الضفة تتعرض لجملة من السياسات الخطرة؛ لأنها لا تمس فقط البنى التنظيمية للفصائل الفلسطينية، وإنما تهدف لإيجاد أنماط حياتية للمواطن الفلسطيني، مدفوعة بأنماط اقتصادية واجتماعية، من أجل إعاقة انخراط الفلسطيني في الضفة في أعمال نضالية ضد الاحتلال، وهذه السياسات بدأت منذ تأسيس السلطة في منتصف تسعينيات القرن الماضي، لكن الانتفاضة الفلسطينية الثانية شكلت انتكاسة لهذه السياسات، لكنهم استأنفوا هذه السياسات بعد انتهاء الانتفاضة الثانية.

ويضيف: لكن هذه السياسات لم تؤتِ أكلها، فبالرغم من صرف مليارات الدولارات من أجل إعادة بناء المجتمع الفلسطيني في الضفة، بحيث يكون مجتمعًا منشغلًا بقضايا معيشية واقتصادية، -من يتابع المشهد في الضفة يشاهد أنه وكل مدّة لا تتجاوز الشهرين يتم إثارة قضايا من نوع عدم توفر الميزانية لدفع رواتب الموظفين، أو دفع نسبة معينة منها، أو احتجاز الاحتلال أموال المقاصة، أو قانون تضامن اجتماعي جديد، وكلها سياسات ممنهجة ومخطط لها بدقة؛ بهدف إيجاد أنماط جديدة للمواطن الفلسطيني في الضفة الغربية-، لكن هذه السياسات كانت مؤثرة على جيل معين من فلسطينيي الضفة، وهو الجيل المرتبط بالتزامات مالية واجتماعية، لكنها لم تؤثر على الجيل الشاب المتحرر من كل هذه القيود، والذي انخرط في الأعمال النضالية ضد الاحتلال.

في حين يعتقد الباحث في مؤسسة “يبوس” للاستشارات والأبحاث الإستراتيجية، سليمان بشارات أنه لا يمكن أن نفصل الواقع الفلسطيني بالضفة عن أي نقطة وجود فلسطيني، فجميع الساحات بقيت بحالتها المتمسكة بالقضية الفلسطينية. قد تختلف كل ساحة عن أخرى بشكل ومعطيات هذا التعبير نتاج العديد من المعطيات والمحددات، لكنها في النهاية فالارتباط بالقضية الفلسطينية قائم وتنافسي على استمرارية المقاومة ورفض المشروع الاستيطاني والاحتلالي.

ويضيف: جميع الساحات الفلسطينية هي مهمة للحالة المستقبلية، ومن يقول إن أي من هذه الساحات لا يمثل ساحة محورية هو مخطئ في التقدير؛ لأن تعريف المحورية تجاه القضية الفلسطينية لا ترتبط فقط بشكل واحد من أشكال المقاومة، بل إن نجاحها هو في التنوع والتشكل وأن يكون هناك عمل موازٍ ما بين الساحات، وهذا ربما ما أكدت عليه المواجهة التي حدثت في العام الماضي عقب أحداث الشيخ جراح، فلو لم يكن هناك تكاملية لما تحققت النتيجة بالشكل المطلوب. 

ويواصل: الضفة الغربية قد يكون العمل عليها من الاحتلال كثيرًا منذ الانتفاضة الثانية بهدف عدم السماح لإحداث نوع من العمل المقاوم المؤسسي، ولهذا السبب كثير من الخطط التي فرضت وجرى تنفيذها ابتداءً بالسلام الاقتصادي ثم تحويلها لجغرافيا مقطعة الأوصال وتعزيز المشروع الاستيطاني ومحاولة عزلها وغير ذلك، إلا أنها في المقابل تؤكد استمرارية حالة الانتماء، وأن الاجيال الفلسطينية تعود في كل مرحلة لتؤكد أنه من الصعب اجتثاثها، وهذا ربما ما يجعل الاحتلال يتخوف أكثر في المدّة الحالية كيف أن جميع الجهود المبذولة فشلت.

أما الكاتب والباحث ساري عرابي، مدير مركز القدس للدراسات، فقال: إنّ الضفة الغربية ساحة الصراع الرئيسة، لأسباب متعددة، منها ما هو متعلق بالأيديولوجيا والدعاية الصهيونية التي تعدّ الضفّة الغربية أرض “إسرائيل” التاريخية وعنوان الاستقطاب الاستيطاني، ومنها ما هو متعلق بالجغرافيا السياسية لكونها العمق الإستراتيجي لكيان الاحتلال، بالإضافة إلى كونها المساحة الأوسع وعدد السكان الأكبر من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وفيها قضايا القدس والاستيطان والأسرى والحدود والمياه.

لهذه الأسباب يرى عرابي، ضرورة تعزيز العمل المقاوم في هذه الساحة، مستحضرًا الفعالية الكبيرة لها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكونها كانت الفاعل الأكثر قدرة على النكاية في الاحتلال في الانتفاضة الفلسطينية الثانية؛ لكونها الأكثر تداخلاً معه من الناحية الجغرافية والبشرية.

كما أنها مثلت متنفسًا للمقاومة بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، ولاسيما في أواسط التسعينيات، واليوم، كما يرى عرابي فإنّ الضفّة الغربية هي ساحة الفعل المقاوم اليومي، وعلى نحو متنوع بين أنماط المقاومة الشعبية والمنظمة والعمليات الذاتية، وهي التي منحت الزخم للموقف الكفاحي الحالي منذ مطلع العام 2022، وكانت تملك الخزان البشري الذي يمكنه السعي للاحتشاد إلى جانب المقدسيين لحماية المسجد الأقصى، بالرغم من كل إجراءات الاحتلال لعزل المدينة المقدسة عن فضائها في الضفة الغربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات