الجمعة 10/مايو/2024

الصراع الديمغرافي.. انتصار مرتقب للفلسطينيين

الصراع الديمغرافي.. انتصار مرتقب للفلسطينيين

هذه المعركة لا يسمع فيها صوت إطلاق نار لكنها تشكِّل كابوساً دائماً يخشى فيه الاحتلال “الإسرائيلي” من وقوع المحظور في صراعه مع الفلسطينيين على كامل رقعة فلسطين ما بين البحر إلى النهر مع حلول ذكرى النكبة الرابعة والسبعين.

ورغم محاولات الاحتلال تعزيز الاستيطان في فلسطين، خاصة بالقدس المحتلة، بتقديم مغريات اقتصادية واجتماعية للوافدين من الخارج، إلا أن السنوات الماضية شهدت هجرة عكسية من الكيان الصهيوني إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع تنامي الصمود والمقاومة الشعبية الفلسطينية.

يشعل مفكرو الاحتلال وعلماء التاريخ والسياسة أضواءً حمراء، وهم يدعمون رؤيتهم لهزيمة كيانهم الديمغرافية قريباً في ثغرة لا تفلح معها الإمكانات العسكرية والسياسية والتكنولوجية للقفز عن خطر وشيك.

وكان رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود باراك كشف في مقال صحفي نشر قبل أيام، عن مخاوفه من قرب زوال “إسرائيل” قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهدا في ذلك بـ”التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة إلا في فترتين استثنائيتين”، محذرا مما أسماه العواقب الوخيمة للاستخفاف بالتهديدات ومضيفا: “إسرائيل أبدت قدرة ناقصة في الوجود السيادي السياسي”.

يأخذ كثير من المفكرين كلام “باراك” على محمل الجد الخطير، فهو لا يعد دغدغة للمشاعر لاستنهاض وتحريض الإسرائيليين في الصراع بقدر ما هو حقيقة دامغة جرى بحثها مطوّلاً وصولاً لجدار الواقع الأكيد الذي لا تنفيه التحليلات وتدعمه الأرقام.

نحو النهاية

هذا الصعود الهادئ في كفة الفلسطينيين الديمغرافية رغم مخطط التهجير الذي بدأ عام 1948م تغيرت دفته مع تمسك الفلسطينيين بحقهم التاريخي في الأرض والمقدسات، وتواصل النمو السكاني بتزايد عجزت “إسرائيل” عن مجاراته طوال 74 سنة من النكبة.

المؤرخون الجدد في “إسرائيل” كشفوا بالتقسيط الخجول حقائق المشروع الصهيوني الذي زعم وجود رواية تاريخية وتوراتية باطلة، احتل بعدها فلسطين، وطرد أهلها منها، بدعم غربي صريح اعتمد ازدواجية المعايير عندما تذكر فلسطين المحتلة وجرائم “إسرائيل” المتوالية.

وكان الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء نشر تقريره نهاية عام 2021 لتقدير أعداد الفلسطينيين حول العالم مع نهاية عام 2021 المنصرم، مشيرا أن أعدادهم حول العالم 14 مليون فلسطيني 37.8% منهم فقط يعيشون في دولة فلسطين.

وحسب تقرير الإحصاء، يعيش 5.3 ملايين فلسطيني على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما يتوقع أن يصل عدد الفلسطينيين على أراضي فلسطين التاريخية إلى 7.1 ملايين فلسطيني في نهاية العام الجاري 2022.

ويؤكد سهيل خليلية،  مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد (أريج)، أن الهاجس الديمغرافي يشغل حيزاً كبيراً من اهتمام “إسرائيل” بعد أن وصلوا لنتيجة مفادها هي أن التفوق الديمغرافي سيكون مستقبلاً لمصلحة الفلسطينيين عندما يصبح عددهم السكاني أكبر في فلسطين التاريخية بين البحر والنهر، بما في ذلك غزة والضفة المحتلة.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” “اتخذ الاحتلال في السنوات القليلة الماضية نهجًا وآليات جديدة لتثبيت حكمه وسيادته فوق أرض فلسطين بواسطة سن قوانين جديدة، أهمها قانون يهودية الدولة في سعي لتكون المواطنة اليهودية فقط من حق الجنسية اليهودية لكل من له جذور يهودية فقط،  وعدا ذلك لن يكون لهم حقوق سياسية ويقصد فلسطيني 48”.

الحديث عن منع منح الجنسية “الإسرائيلية” لمن يسكن في مدن وبلدات كيان الاحتلال، والمقصود أولاً عرب 48 وما رافقه من مخطط قديم متجدد لتبادل الأراضي مع فلسطينيي الضفة حلقة سميكة في سلسلة الخوف من تحوّل العرب في الداخل المحتل لأكثرية مع مرور الزمن.

وتقول بيانات مركز الإحصاء الفلسطيني، إن معدل الخصوبة الكلية في أراضي عام 1948 للنساء الفلسطينيات 2.8 مولود لكل امرأة في عام 2020 فيما متوسط الأسرة 4.4 أفراد وأن 3.2 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، أي ما نسبته 59.6%، فيما 2.1 مليون فرد يعيشون في قطاع غزة، بنسبة تبلغ 40.4%.

ويرى د. غسان وشاح أستاذ التاريخ والحضارة في الجامعة الإسلامية بغزة، أن علماء التاريخ وظاهرة المؤرخين الجدد في “إسرائيل” تكشف صراحة عن عدالة القضية الفلسطينية في تاريخ الإنسانية؛ حين ثبت أن الصهاينة ليس لهم ذرة تراب في فلسطين، وأن ما جرى تسويقه ليس إلا حزمة مبررات لدعم الاحتلال الصهيوني.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الفلسطينيون أثبتوا جدارة وحيوية في أرض 1948م التي هجّر منها الاحتلال في النكبة مليون فلسطيني هم ثلثا الشعب تحولوا للاجئين في الشتات، ومن بقي أثبت صمودا ومقاومة وزيادة سكانية وتمددا ديمغرافيا، والإحصاءات الرسمية تثبت الآن تفوقا مرتقبا لعددهم عن عدد اليهود، وسيكونون مستقبلاً غالبية”.

ولعل الآذان في المحافل الدولية باتت تألف سماع وصف “إسرائيل” بدولة فصل عنصري “أبارتهايد” وفق جرائمها المدعومة بالأدلة الواقعية التي تخالف القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، وميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في زمن بات فيه اليمين واليمين المتطرف هو المهيمن على تشكيل الائتلاف الحكومي في العقدين الماضيين.

الاستيطان الكبير

تحاول “إسرائيل” حسم ملفات دسمة في السنوات الأخيرة، وتطرح برامج متطرفة وهي تتعامل مع سكان فلسطين التاريخية بدءًا من أقصى الجنوب في النقب المحتل، وصولاً إلى أصبع الجليل الأعلى، وما يجري من تعزيز الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس المحتلة غني عن الشرح وهي تحول كل تفاصيلها لليهودية الصرفة.

ذروة الصراع الديمغرافي تتجلى في ملف القدس المحتلة التي تعد ساحة مواجهات يومية، وليس المقصود هنا تطورات الميدان، فقط بل حملة مستعرة من تفريغها من الوجود الفلسطيني، وتهويد شوارعها وأحيائها، وعدوان على المقدسات الإسلامية والمسيحية لتحقيق صبغة يهودية استفزت الفلسطينيين ووحدتهم بشكل غير مسبوق.

وأثبتت تطورات القضية الفلسطينية وصراع الفلسطيني مع الاحتلال الصهيوني في العام الماضي، شعوراً متنامياً بين فلسطينيي غزة والضفة والداخل المحتل بوحدة الهوية والمصير، ووجدت “إسرائيل” نفسها خلال معركة سيف القدس أمام ما أسمته حربا أهلية في مدن الاحتلال المختلطة وذات الأكثرية العربية، وأخرى بدرجات متفاوتة.

ويشير سهيل خليلية، الخبير في شئون الاستيطان، أن ملف القدس المحتلة يفتقر لدعم جديٍّ شامل ومتواصل، وأن 120 ألف مقدسي اضطروا لترك الجزء الشرقي من المدينة والسكن خارجها بسبب مضايقات الاحتلال في العمل والسكن، وأن أهم ما يخص الصراع الديمغرافي يتجسد في ملف القدس حتى لا يحقق اليهود أكثرية، بينما الاستيطان بالضفة لن يحقق للاحتلال أغلبية بكل الطرق.

الترويج لمشاريع الاستيطان يجري بتقديم “إسرائيل” تخفيضات ضريبية ومغريات اقتصادية واجتماعية في السكن والعمل، وهذا كله حسب رؤية الخبير خليلية لتشجيع قدوم مستوطنين جدد من خارج “إسرائيل” إلى الضفة المحتلة، وتعتمد في ذلك على شق طرق وتكثيف بناء وحدات سكنية، وإقامة مراكز اقتصادية وتجارية للمستوطنين.

وكان “ليبرمان” الوزير الإسرائيلي داعم فكرة يهودية الدولة، ألمح أنه يرفض منح دولة للفلسطينيين في أرض 67، وأن ازدياد النمو السكاني العربي في أرض 48 قد يؤسس لدولة أخرى بها أكثرية عربية مستقبلاً، وهذا مهدد وجودي لـ”إسرائيل” من الصعب القفز عنه إذا استمر الواقع السياسي والجغرافي على نسقه الحالي.

ويؤكد د. وشاح، أن الفلسطيني يجدد في هذه المرحلة من الصراع تمسكه بالأرض والهوية في مقابل هجرات عكسية من إسرائيل للخارج، وأن الإيقاع واحد بين فلسطينيي الضفة وغزة وأرض 48، وهذا تطور في الوعي والموقف لم يحدث منذ نكبة فلسطين عام 1948م، سيغير قواعد اللعبة الديمغرافية مستقبلاً.

ويتابع: “الأولويات هي تعزيز صمود المقدسيين من فلسطينيي الداخل والشتات، والمسلمين عامة، حتى يثبتوا في أرضهم، ودعمهم اقتصادياً واجتماعياً بطرق نوعية حتى يعيش وينمو الصغار بواقع آمن ويستمر إنجاب الفلسطينيين ليحافظوا على وجودهم في القدس المحتلة وبقية مدن وبلدات فلسطين”.

وتلعب عقارب الزمن دوراً إيجابيًّا في تفاصيل الصراع الديمغرافي بين “إسرائيل” والفلسطينيين، فالأولى تريد إطالة أمد عمرها بالهيمنة السياسية والعسكرية، والفلسطيني يزيد من مقاومته الشعبية فوق كامل أرض فلسطين التاريخية كخيار قسري وأكيد للحفاظ على هويته واستمرار وجوده الأزلي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات