الجمعة 10/مايو/2024

باب العامود.. معلم مقدسي يتحول لساحة قمع واشتباك

باب العامود.. معلم مقدسي يتحول لساحة قمع واشتباك

ما إن يحل شهر رمضان المبارك حتى يبتكر الاحتلال في مثل هذا الوقت من كل عام العديد من الوسائل الاستفزازية، التي تكون كفيلة بإشعال المواجهات على مدار الشهر في منطقة “باب العامود” بالقدس المحتلة، الأمر الذي يدفع الشبان للاشتباك مع قوات الاحتلال.

وتحوّل “باب العامود”، أشهر بوابات البلدة القديمة، إلى ساحة للاحتجاجات الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث مشهد القمع والسحل والضرب والاعتقال والملاحقة لكل من يكون في المكان.

وبرز اسم “باب العامود” في كانون الأول/ديسمبر عام 2017، عقب إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب رسميا اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من “تل أبيب” إلى القدس، ليتحول المكان إلى مركز الاحتجاجات في القدس ضد القرار.

وتعدُّ ساحة باب العامود من أجمل المناطق التاريخية في القدس المحتلة؛ فهي تتوسط مكانا مهما أمام مدخل البلدة القديمة وأسواقها؛ لتكون مدخلا مهما للوصول إلى المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة.

ويقع باب العامود، الذي يسمى أيضا بباب دمشق أو باب نابلس في الجهة الشمالية من السور المحيط بالبلدة القديمة في القدس، عند بداية انحدار الوادي الذي يقطع البلدة القديمة من الشمال إلى الجنوب، والذي يعرف حاليا باسم طريق الواد.

أما تسميته فجاءت من عامود رخامي أسود يبلغ ارتفاعه 14 مترا، وضع في الساحة الداخلية للباب في الفترة الرومانية والبيزنطية، حيث عن طريقه كان يتم قياس بعد المسافات عن القدس، وبقي هذا العامود موجودا حتى الفتح الإسلامي للمدينة، وتعرض الباب للتدمير خلال الحروب المختلفة، ولكن أعاد بناءه الخليفة المسلم سليمان القانوني؛ وانتهى من بنائه عام 1538 ميلادية.

وتعدُّ المدرجات المؤدية للباب متنفساً لأهالي القدس المحتلة؛ حيث يجلسون فيها ويتبادلون الحديث ويشربون القهوة كأي ساحة رئيسة في أي مدينة، ولكن الاحتلال حاول مؤخرا تغيير ملامح هذه الساحة، وإضفاء الطابع اليهودي عليها عبر خطوات عديدة.


null

ومع دخول شهر رمضان نصبت شرطة الاحتلال سواتر حديدية بطريقة تُقيد مساحة جلوس وحركة المقدسيين، وأتبعت ذلك بنصب مركز متنقل لها قرب باب العامود في الليلة الثانية.

وفي صباح اليوم الثاني، بدأت طواقم متخصصة بتثبيت كشافات إضاءة أعلى غرف المراقبة التي بُنيت بقوة الاحتلال عام 2017 في محيط باب العامود.

وبعد ساعات، اقتحم وزير خارجية الاحتلال يائير لبيد باب العامود والبلدة القديمة برفقة المفتش العام للشرطة كوبي شبتاي، وقائد شرطة لواء القدس دورون ترجمان.

وخلال جولته قال لبيد: “نتحدث عن فترة صعبة يسود فيها التوتر، ولكن لدينا شرطة يمكن أن نثق بها لكي نجتاز هذه الفترة المعقدة.. أفتخر بأفراد الشرطة وحرس الحدود وقوات جيش الدفاع وكل من يقوم بحراستنا في هذه الأيام المتوترة”، حسب وصفه.

وأكد لبيد خلال جولته الاستفزازية “توفير الموارد كافة اللازمة للشرطة لتتمكن من القيام بواجبها على أفضل وجه”.



وفي السياق ذاته أعلنت الشرطة عن نشر 3 آلاف شرطي في محيط المسجد الأقصى وأزقة البلدة القديمة مع التركيز على نشر قوات علنية وسرية في منطقة باب العامود، والتي تحولت وفق ادعاءات الشرطة إلى “حلبة للقيام بأعمال شغب وإخلال بالنظام العام”.


null

أيقونة وطنية واجتماعية

رئيس الهيئة الشعبية المقدسية ناصر الهدمي، قال: إن باب العامود أصبح أيقونة وطنية واجتماعية لدى أهل مدينة القدس خاصة وأهل فلسطين عامة.

وأوضح الهدمي، في تصريح خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، أن باب العامود أصبح حيِّزًا يجرى عليه صراع واضح بين أبناء الشعب الفلسطيني والاحتلال الذي لا يريد أن يرى أي صورة لعروبة وإسلامية المكان.

ويشعر الاحتلال -حسب الهدمي- أن ساحة باب العامود أصبحت أيقونة وطنية واجتماعية لدى المقدسيين ومكان تجمهر وتجمع لهم؛ وأصبحت ثغرة أمنية بالنسبة للمستوطنين الذين يمرون من هذا الباب لاقتحامات الأقصى وأداء الصلوات التلمودية، لذلك يحاول التقليل من عدد الفلسطينيين الموجودين فيه حتى يسمح بمرور المستوطنين المقتحمين بسهولة وسلاسة وأكثر أمنا.

وحول أهمية هذا الباب، فقد اعتاد المقدسيون -وفق الهدمي- أن يدخلوا إلى البلدة القديمة عبره؛ فهو مدخل لأسواق البلدة القديمة، وكان معروفا باكتظاظه وكثرة تزاحم الناس عليه واستخدامهم له في الدخول للأسواق أو الدخول للمسجد الأقصى المبارك، حيث بات مشهوراً عالميًّا باسم “باب العامود” أو “باب دمشق، باب نابلس”

وذكر أن “أهل مدينة القدس اعتادوا ويصرون على الاحتفال بهذه العادة، من خلال الاحتفال والتجمهر والجلوس والاحتفال في شهر رمضان المبارك في باب العامود وإحياء ليالي رمضان المبارك في هذا المكان”.


null

مكان متنازع عليه

وأضاف: “بالتالي أصبح باب العامود حيزًا متنازعا عليه، والمواجهة فيه دائمة، حيث تحتدم في فترات المناسبات والنشاطات العربية، كما تحتدم في فترات نشاطات الاقتحام الاحتلالي مثل: مسيرة الأعلام وتجمهر المستوطنين في باب العامود”.

وأشار إلى أن الاحتلال يحاول التقليل من التجمهر في باب العامود أو حتى منعه، لافتاً إلى أن الاحتلال لن يستطيع أن يمنع هذا التجمهر، الأمر الذي سيؤدي إلى الانفجار.

وأكد أن الاحتلال يحاول بممارساته في باب العامود، ووحشية قمعه للموجودين فيه استعادة كرامته وهيبته وقوته للردع التي فقدت في العام الفائت، مضيفاً: “الاحتلال يريد أن يؤدب المقدسيين، ويفرض عليهم أمراً جديداً لم يستطع أن يفرضه عليهم العام الفائت، وبالتالي يريد أن يعيد الكَرة هذا العام أيضاً”.

الانفجار في أي لحظة

ويوضح أن الأوضاع الآن متهيئة للانفجار أكثر بسبب الاستفزازات والقمع الوحشي الذي يُمارس في باب العامود، مؤكداً أن الاحتلال يسابق الزمن لفرض سيادته على المكان، ويريد أن يستغل أولاً الواقع العربي والفلسطيني السيئ الذي يسمح له بذلك، وأيضاً يريد أن يستغل موسم الأعياد الذي يمثل له مدّة ذهبية لإرضاء المتطرفين.

وأشار إلى أن أهل القدس ليس لديهم سوى الوقوف متّحدين في وجه هذه الهجمة الصهيونية، مشدداً على أن “السكين وصلت إلى العظم” بالنسبة لهم؛ فالأمر يستهدف مقدساتهم ووجودهم وهويتهم، وليس أمامهم سوى وقفة جادة في وجه الاحتلال.

وأضاف: “شهدنا بالأمس وحشية واضحة من الاحتلال في التعامل مع المواطنين في القدس وباب العامود. هذه الوحشية تستفز باقي أطياف الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأيضاً الداخل الفلسطيني، الأمر الذي يقرب من الانفجار في أي لحظة”.

من جهته قال رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى، عكرمة صبري: “منذ احتلال المدينة عام 1967 عمدت دولة الاحتلال إلى استهداف منطقة باب العامود وباقي أبواب البلدة القديمة لمحاصرة البلدة القديمة حاضنة المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية”.

وأضاف الشيخ صبري، في تصريح صحفي: “منطقة باب العامود مصدر تغذية رئيس للبلدة القديمة التي يقطنها أكثر من 33 ألف مقدسي، فالاحتلال لا يريد لهذه المنطقة أن تبقى الرافد الرئيس للبلدة القديمة والمسجد الأقصى وباقي المقدسات”.

وتابع “يتم تحويل سور المسجد الأقصى قرب باب العامود إلى شاشة لعرض الرسومات والرموز التوراتية التهويدية بتعمد من بلدية الاحتلال وجماعات الهيكل المزعوم، لتغيير طبيعة المنطقة”.


null

وقائع جديدة كما أدان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قمع قوات الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين، ومحاولتها فرض إجراءات أمر واقع جديدة تقيّد حركة وتجمع الفلسطينيين في منطقة باب العامود بالقدس المحتلة.

وقال المركز، في بيان وصل “المركز الفلسطيني للإعلام“، نسخة عنه: هذا الإجراء بدأ بوضوح من بداية شهر رمضان، عبر نصب الأسلاك الشائكة وإقامة مركز متنقل جديد لإحكام السيطرة على المنطقة.

وحذر من التداعيات الخطيرة لهذا العنف الإسرائيلي المتصاعد، والذي تحاول خلاله تلك القوات فرض أمر واقع جديد يمس بالحقوق الفلسطينية.

وذكّر أن اعتداءات مماثلة ضمن سياق آخر من الانتهاكات الإسرائيلية في رمضان العام الماضي، تطورت إلى مواجهة وعدوان واسع على غزة أسفر عن آلاف الشهداء والجرحى.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات