الأربعاء 24/يوليو/2024

جُدُرُ إسرائيل.. ما يدعيه الأمن تكذبه جغرافيا فلسطين

جُدُرُ إسرائيل.. ما يدعيه الأمن تكذبه جغرافيا فلسطين

نظرية الجدر في العقلية اليهودية وموروثها التاريخي والديني ضاربة بعمق ممتد منذ آلاف السنين وصولاً لزماننا الحالي الذي يشتد فيه الصراع فوق أرض فلسطين التاريخية.

اعتاد اليهود تاريخياً العيش منعزلين وبطقوس منغلقة، وشيدوا الجدر حول مناطقهم لتوفير الأمن وتعزيز خصوصية مجتمعاتهم، وحماية ديمغرافيا مناطق سيطروا عليها.

تقيم “إسرائيل” منذ عشرين عامًا جدار الفصل العنصري الذي قضم معظم أراضي الضفة المحتلة وحجب عن الفلسطينيين التواصل الجغرافي، وعلى حدود غزة أنهت عام 2021 جداراً آخر يطوق غزة المحاصرة من الشرق.

 وفّر جدار الفصل العنصري الأمن بالتدريج للاحتلال بعد عدوان “السور الواقي” 2002، لكن اشتداد موجة المقاومة الحالية بدخول الفلسطينيين في أراضي الداخل المحتل عام 48 على الخط، وبقاء احتمال انفجار جبهة غزة يتجاوز الآن نظرية الجدر ويتخطى تحصيناتها.

انعزال وأمن
ليس عبثاً أن تطلق “إسرائيل” على عدوانها بغزة مايو 2021 اسم “شُومير هَحُومُوت” أي “حامي الأسوار”، فالعيش خلف الأسوار جزء لا يتجزأ من ثقافة اليهود الانعزالية.

يتكرر مشهد أكثر ضراوة يومياً في جدار الفصل بالضفة المحتلة؛ فهناك معاناة الفلسطيني في الحركة والعمل يومية ومعاناته عززت خيار المقاومة والحرية.

وأعلن الاحتلال مؤخراً أنه بات يعاني من فتحات جدار الفصل العنصري بالضفة المحتلة، زاعمًا أن هذا يشكل تهديداً لأمنه، وسط تصاعد عمليات المقاومة في الداخل المحتل.

ويؤكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية ناجي البطة، أن ثقافة اليهود منذ الخليقة تعتمد الانغلاق والانكفاء، مبيناً أن اليهود عاشوا زماناً طويلاً في أوروبا بمناطق مغلقة سميت بـ”الجيتو”.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “كانت الجدر تعزل مناطقهم من زمن، وكانت زمن يهود خيبر واليهود يفضلون الحفاظ على مجتمعاتهم وديانتهم بشكل مغلق”.

وتجددت فكرة بناء جدر لحماية أمن “إسرائيل” وعزلها عن الفلسطينيين عام 1984، حين طرح أستاذ جامعة حيفا “أرنون سوفير” خطورة البعد الديمغرافي على مستقبل “إسرائيل” المهدد عام 2020، فالتقط الأمر -حسب الخبير البطة- مستشارو حكومة الاحتلال.

على غرار جدار برلين الذي فصل جزأها الشرقي عن الغربي في ألمانيا وانهار عام 1986، اتخذت دولة الاحتلال قرار بناء جدار الفصل العنصري عام 2002.

وطرح الفكرة رئيس وزراء الاحتلال السابق “رابين”، بعد اشتداد عمليات المقاومة منتصف التسعينيات فكرة للفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وانتقلت لبرنامج خليفته الانتخابي “أيهود باراك” عام 2000، ثم أقرها “شارون” وبدأ تنفيذها في حزيران 2002.

ويقول الخبير في الشؤون العسكرية اللواء يوسف شرقاوي: إن جدار الفصل العنصري يضم الآن ثغرات يصعب السيطرة عليها مهما كانت تكنولوجيا الاحتلال.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “عمليات المقاومة الأخيرة أثبتت وجود ثغرات أمنية واضحة لدى الاحتلال، وأنه من الصعب السيطرة المطلقة على الميدان في الضفة وأرض 48”.

ويربط نماذج الجدران من حول غزة والضفة بنموذج خط “بارليف” الذي يعد نسخة مقاربة في حرب الاحتلال مع مصر عام 1973م يعيد تكرارها.

ووفق مشاهد التوتر اليومية على فتحات جدار الفصل العنصري بالضفة المحتلة قمعت قوات الاحتلال اليوم العمال الفلسطينيين عند فتحات الجدار في عدة مناطق ومنعتهم من دخول الداخل المحتل للعمل.

وأطلق جنود الاحتلال قنابل صوتية وغازا مسيلا للدموع، تجاه العمال فتحات الجدار والثغرات في السياج الأمني عند فتحات الجدار في بلدة فرعون، وخربة جبارة عند طولكرم.

كابوس دائم
سكنت نظرية الجدر لتوفير الحماية العقليةَ اليهودية من قديم، وتقاطعت معها نماذج احتلال في التاريخ الحديث احتلت دول العالم الثالث، وشيدت الجدر العازلة لحماية القادم من خلف البحار.

وعلاوة على كابوس الأمن والحماية تستوطن العقلية الصهيونية فكرة تفوق اليهود على جميع المجتمعات من حولهم في العالم، وتستعين بمقدرات اليهود المالية والسياسية لوضع مسافة كبيرة مع الناس كافة.

ويؤكد الخبير “البطة” أن بناء جدار الفصل العنصري بالضفة لم يحقق الأمن المطلق للاحتلال، بل أغلق عليها منافذ، ولم ينجح في منع مقاومة فلسطينيي 48 سكان الأرض الأصليين.

ويبين أن الجدار حقق رغبة الانغلاق، ولم يحقق هدف توفير الأمن الكامل، مشيراً إلى وجود ثغرات بالجدار تربط بين مناطق 48 والضفة وبعضها ربط بين مناطق تماس وأخرى مكتظة على الجانبين من أرض الضفة المحتلة.

تلوّى جدار الفصل بالضفة كثعبان لم يتبع خط الهدنة عام 1949، بل تحايل ليضم مناطق واسعة من مناطق “سي” التي تشكل 60% من الضفة، لتكون خاضعة للسيطرة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.

ويشير الخبير “شرقاوي” إلى أن الاحتلال في دول مثل الجزائر ولبنان وأمريكا في القرن الماضي استخدم الجدر لجسر الفروق الديمغرافية بين الاحتلال والشعب المحتل وتحقيق تعادل سكاني.

وظهرت في حروب الجيل الرابع وسائل للتغلب على جدران أي احتلال بتوجيه كتلة بشرية كبيرة تقتحم الجدار العازل والموانع المحصنة، وهي أسلوب قد يجرى اتباعه مستقبلاً، حسب ترجيح الخبير “شرقاوي”.

وتعاني غزة المحاصرة من جدار جديد أقامه الاحتلال قبل شهور على حدودها الشرقية، وهو جدار إسمنتي طوله 65 كيلومتراً، وارتفاعه 6 أمتار، وله حاجز تحت الأرض بأجهزة استشعار.

وتبدو “إسرائيل” ماضية في تشييد الجدر في غزة والضفة؛ فالأول انتهى عام 2021، والثاني بدأ عام 2002، ما يدلل أن هاجس الجدران والأمن ضارب في عمق عقيدة الاحتلال الأمنية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

احتجاجات ضخمة ضد نتنياهو في واشنطن

احتجاجات ضخمة ضد نتنياهو في واشنطن

واشنطن – المركز الفلسطيني للإعلام ملأ آلاف المؤيدين لفلسطين، شوارع العاصمة الأمريكية واشنطن، للاحتجاج ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،...