الأحد 05/مايو/2024

طولكرم.. المحافظة الإستراتيجية يخنقها الاحتلال بالاستيطان

طولكرم.. المحافظة الإستراتيجية يخنقها الاحتلال بالاستيطان

كغيرها من مدن الضفة الغربية المحتلة، تواجه طولكرم غول الاستيطان الإسرائيلي الذي يقضم الأرض رويدًا رويدًا، ويخنق أهلها الأصلاء في مسعى لتهجيرهم.

المحافظة الواقعة شمال غرب الضفة الغربية المحتلة، تواجه مخططات إسرائيلية جمّة، وباتت مؤخرًا في بؤرة استهداف الاحتلال، ضمن محاولات فرض الأمر الواقع.

وفي أرجاء المحافظة تنغرس 4 مستوطنات، و5 بؤر استيطانية، ومعسكران لجيش الاحتلال، و6 حواجز عسكرية ثابتة، و5 مكبّات للنفايات الصلبة والسائلة، وعديد من المصانع الاستيطانية، بالإضافة لجدار الفصل، ما أوجد بيئة جغرافية معقدة، مزقت الأحياء الفلسطينية، وحوّلتها إلى جزر معزولة.

وفضلاً عن تداعيات التقسيم الذي فرضته “أوسلو” على الضفة، وتوزيعها بين مناطق “أ” و”ب” و “ج” دون أي ترابط ومرجعيات إدارية مختلفة، استغل الاحتلال الاتفاقية، ووضع أغلب الأراضي التابعة لطولكرم تحت سيطرته الأمنية من خلال تصنيفها مناطق (ج).

الموقع والتسمية

تقع طولكرم في الجزء الشرقي من السهل الساحلي لفلسطين، في الشمال الغربي من الضفة، وتمتد أراضيها حتى حدود “الخط الأخضر”، وتبعد طولكرم حوالي 15 كم عن البحر المتوسط.

وتتميز أراضيها بخصوبة تربتها ووفرة المياه سواء مطريًّا أو جوفيًّا، وتقع أراضيها السهلية في الجزء الغربي منها، في حين يتميز الجزء الشرقي بوجود المرتفعات الجبلية، وهو ما يعني تنوع إنتاجها الزراعي.

تدل الآثار على أن طولكرم مدينة قديمة ويرجع استيطانها إلى عصر الرومان؛ وبالتحديد القرن الثالث الميلادي، حيث عرفت باسـم “بيرات سوريتا”، وتعنى “بئر كرم مختار”؛ بل تشير بعض المصادر إلى أن استيطان المدينة أقدم من ذلك؛ إذ يعود إلى زمن الكنعانيين، ويستدل على ذلك من ما عثر عليه من آثار في القرى المجاورة، مثل قرى: جت، كرم مجدليون، جلجال، وغيرها.

وقد ورد اسم طولكرم في كتابات المقريزي وياقوت الحموي باسم “طور كرم”، وتعنى “جبل الكرم”، وبالفعل هذا ما تشتهر به طولكرم، وظلت تعرف بهذا الاسم حتى القرن الثاني عشر من الهجرة (السابع عشر للميلاد)، حتى حرّف الاسم إلى طولكرم.

وتبلغ مساحة محافظة طولكرم 246 كم أي حوالي 4.4% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وتضم 35 تجمعًا سكنيًّا.

وبلغ عدد سكان المحافظة نهاية عام 2019 192 ألف نسمة (وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني).

أهمية منطقة طولكرم في المشروع الاستيطاني الصهيوني

ما يميز طولكرم، هو ملاصقتها لقلب الكيان ومراكزه الأساسية؛ فهي لا تبعد عن مراكز مدن الساحل الفلسطيني كالخضيرة وأم خالد “نتانيا” سوى 14 كم، وبسبب قربها من مدن الاحتلال على الساحل، تعدّ مناطق مفضلة للمستوطنين.

وخلال السنوات الماضية شاهدنا توسعًا استيطانيًّا مستمرًّا في المنطقة عبر توسيع المستوطنات القائمة؛ لكونها تمثل في الإستراتيجية الصهيونية منطقة ذات أبعاد أمنية وسياسية بعيدة المدى، وحسب قادة الاحتلال فإن غياب العمق الإستراتيجي لكيانهم، وبالذات في منطقة القلب الحيوي في الشريط الساحلي، الممتد من حيفا شمالًا حتى عسقلان جنوبًا، والذي يقطنه غالبية المحتلين، ويحوي معظم النشاط الاقتصادي، يدفع إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، لا سيما في منطقة “الخاصرة الضيقة لإسرائيل”، والتي لا يزيد عرضها على 14 كم بين الضفة والساحل.

فمثلا يرى يغئال ألون، وهو أبرز مهندسي المشروع الاستيطاني في الضفة، “أن حدود الدولة التي لم يستوطن اليهود على امتدادها، ليست حدودًا آمنة”، ويعدّ الجنرال في جيش الاحتلال عوزي ديان أن “السيطرة الإسرائيلية” على مناطق الضفة الغربية القريبة من القلب الحيوي لكيان الاحتلال هي من مقتضيات تحقيق الأمن القومي الصهيوني.

وتبعًا لذلك، فإن الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في طولكرم، تهدف إلى إِحداث تغيير جغرافي وديمغرافي، يحقق لمركز الكيان عمقًا سكانيًّا يوفر له الحماية على أطرافه، ويحصر المواطنين العرب في المنطقة على مساحات محاصرة ومعزولة ومسيطر عليها، وبما يضمن عدم تمددهم.

سياسة الاستيطان في طولكرم

كانت طولكرم تمتد من نابلس غربًا حتى البحر المتوسط شرقًا، بمساحة 836 كم عام 1945، منها 141كم سيطر عليها الصهاينة بمساعدة الاحتلال البريطاني وفي عام 1948 احتل الصهاينة نصف مساحة المحافظة تقريبًا، وبالتحديد المناطق الساحلية المطلة على البحر المتوسط، وهجّر سكانها منها، وباتت اليوم جزءًا أساسيًّا مما يعدّ القلب الحيوي للكيان.

وبلغ عدد القرى التي كانت تتبع للمحافظة، ودمرها الاحتلال 21 قرية، باتت اليوم ضمن الأراضي المحتلة، وهي: قاقون، والجلمة، وأم خالد، وبيّارة حنّون، وبصّة الفالق (بركة رمضان)، ووادي الحوارث، ووادي قبّاني، وخربة الزبابدة، وخربة المجدل، وخربة المنشيّة، وخربة بيت ليد، وخربة زلفة، وخربة خريش، وكفر سابا، مسكة، والنصيرات، وغابة كفر صور، وغابة عبابيش، وفرديسيا، ورمل زيتا/ قزازة، وتبصر (خربة عزون).

وقد أقيمت على أراضي قرى المحافظة المدمرة في المناطق التي احتلها الكيان عام 1948، عشرات المستوطنات والمدن الاستيطانية في المنطقة الساحلية، وهي: يكوم، وغنوت هدار نتانيا، وكفارسابا، وجفعات إشكول، وهداريم، ونفيه هداريم، وبيت فنوف، وجاني هشرون، وجئوليم، نفيه يمين، وجفعات هإيروسيم، ونئوت جولدا، ونئوت بيجين، ورمات يدين، ونئوت شكيد، ونفي عوز.

وجان ياشياه، وأومتس، وعولش، وحنيئيل، وجيئولي تيمان، وسديه وربورغ، ورعنانا، وكريات شريت، وليف هبارك، وكفار بتيا، وسدي يتسحاق الخضيرة، وهعوجن، وأليخين، وحيرف ليئات، وأحيطوف، ونوريت، وعين سريد، وأزور تعشيوت، وكريات رامز، وكريات شور، وكريات بن تسفي. (وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية، عام 2020).

وبعد 1967 كانت طولكرم عرضة للنهب الصهيوني مرة أخرى، بفعل المشاريع الاستيطانية؛ حيث بدأت موجة الاستيطان على أراضيها في العام 1977، بوحي من  مشروع (آلون- شاروف الاستيطاني).

ونصت خطة آلون على إقامة كتل استيطانية على السفوح والتلال الشرقية للضفة؛ لتطويقها وفصل شمالها عن جنوبها، أما بالنسبة لشارون، فإن مشروعه يتمثل بإقامة سلسلة من المستوطنات على طول “الخط الأخضر”، تبدأ من منطقة المطرون وحتى جنين، وقد أطلق على هذا المشروع “خطة النجوم السبعة”.

وتمثل مشروع ألون- شارون، بإنشاء حزامين استيطانيين بمسارين: الأول بإقامة كتل استيطانية في عمق الضفة تمتد وتتوسع باتجاه “الخط الأخضر”، والآخر تمثل بإقامة كتل استيطانية تبدأ من داخل الكيان الصهيوني، وتمتد وتتوسع باتجاه الضفة الغربية.

في حين يتم ربط الأحزمة الاستيطانية بشبكة ضخمة من الشوارع الاستيطانية؛ ما يضمن الاستيلاء على المزيد من الأراضي وضمها للكيان الصهيوني وتطويق الضفة الغربية عسكريًّا، وفصل شمالها عن جنوبها، ومنع التواصل الفلسطيني-الفلسطيني على جانبي “الخط الأخضر”، وهو ما عمل جدار الفصل العنصري على تحديد معالمه، (وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 2018).

المستوطنات المقامة

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” قال مدير مركز أبحاث الأراضي في نابلس، محمود الصيفي: يوجد على أراضي محافظة طولكرم 3 مستوطنات، بلغت مساحتها ما يزيد على 4950 دونمًا، بالإضافة لمستوطنة حرميش المقامة على أراضي طولكرم وجنين، والمستوطنات الثلاث المقامة بالكامل على أراضي محافظة طولكرم هي:

مستوطنة سلعيت
وهي مستوطنة زراعية أقامتها عام 1977 منظمة بيتار اليمينية الاستيطانية، على أراضي قريتي كفر صور وكفر جمال جنوب محافظة طولكرم، تبعد 1 كم فقط عن الأراضي المحتلة عام 1948 باتجاه الشرق، وتقع في الجنوب الغربي لمدينة طولكرم على مسافة 12 كم منها.

وقد أدى وجودها إلى عزل 4000 دونم لأهالي قرية كفر صور، بعد بناء جدار الفصل العنصري عام 2002، وأقام الاحتلال بوابة زراعية واحدة لعبور المزارعين منها إلى هذه الأراضي، تفتح في مواسم محددة كموسم قطف الزيتون، ويتكبد المزارعون عناءً كبيرًا للدخول إلى أراضيهم، كما شقّ المستوطنون طريقًا من أراضي كفر صور لربط المستوطنة بالداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 بطول 2 كم وعرض 20 مترًا، ثم أقاموا شبكة صرف صحي للمستوطنة تصب المياه العادمة في أراضي كفر صور، كما يقول الصيفي.

وتعدّ سلعيت مع مستوطنة ياعريت، ومستوطنة تسورناتان، من المجموعات الرئيسة جنوب مدينة طولكرم، التي أقيمت بهدف إلغاء “الخط الأخضر”، ومحاصرة المدن والقرى الفلسطينية، وخاصة مدينتي نابلس وطولكرم، (وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 2018).

مستوطنة عيناب
يوضح مدير مركز أبحاث الأراضي، أن هذه المستوطنة أنشأتها عام 1981 حركة غوش أمونيوم “حركة دينية متطرفة”، وهي مستوطنة زراعية، تجثم على أراضٍ فلسطينية مسلوبة من قرى كفر اللبد ورامين وبيت ليد وعنبتا، في الجهة الشرقية لمحافظة طولكرم، وتبعد عن مدينة طولكرم حوالي 10 كم، كما أنها تقع شرق جدار الفصل  العنصري.

وتشكل مستوطنة عيناب مع مستوطنة أفني حيفتس طوقًا عسكريًّا على مدينة طولكرم من جهتي الشرق والجنوب، كما أنها تتصل بـ”الخط الأخضر” عبر شارع التفافي طوله 12 كم، شقه الاحتلال على حساب أراضي قرى شوفة وسفارين وبيت ليد ورامين، وتعدّ المناطق الجانبية على طول هذا الشارع مناطق عسكرية، بدعوى استعمالها كارتداد أمني، (وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 2018).

مستوطنة أفني حيفتس
هي مستوطنة زراعية، أقامتها سلطات الاحتلال عام 1987، على أراضٍ مسلوبة من قرية شوفة، في منطقة “خربة الحفصي” بين قرية الشوفة وقرية كفر اللبد، في الجنوب الشرقي لمدينة طولكرم، ولا تبعد سوى 4 كم عن مدينة طولكرم، و6 كم عن “الخط الأخضر” باتجاه الشرق منه، (وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، عام 2018).

تطورت هذه المستوطنة بسرعة؛ فقد بدأت بـ 12 بيتًا متنقلًا، لتتوالى بعدها عمليات توسيع المستوطنة، وبالذات بعد عام 2000 عندما اندلعت انتفاضة الأقصى، حيث استخدم الاحتلال المستوطنة كقاعدة انطلاق عسكرية للدبابات والآليات العسكرية باتجاه المدن والبلدات الفلسطينية، (وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية، عام 2020).

البؤر الاستيطانية
بلغ عدد البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية مع نهاية العام 2017 حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 116 بؤرة.

والبؤرة الاستيطانية حسب تعريف الجهاز: “بناء مدني أو شبه عسكري لم تقر السلطات الإسرائيلية إنشاءه، وغالبًا يُقَر فيما بعد، وذلك باختيار توقيت سياسي مناسب”، ومن هذا التعريف يتضح أن البؤرة الاستعمارية قد تتحول إلى معسكر أو مستوطنة.

يشير محمود الصيفي إلى أن سلطات الاحتلال أقامت 5 بؤر استيطانية في محافظة طولكرم، وهذه البؤر غير معترف بها على أنها مستوطنات شرعية من حكومة الاحتلال، لكنها تخضع لحماية جيش الاحتلال.

جدار الفصل العنصري
يقول الصيفي: يمتد الجدار على طول الجهة الغربية من طولكرم بمحاذاة “الخط الأخضر”، بطول 32 كم، مخترقًا حدود المحافظة بأعماق متفاوتة، أقصاها 6 كم عند قريتي الرأس وخربة جبارة، ويقطع الجدار بمساره حدود 17 قرية من المحافظة، إضافة إلى المدينة، مدمرًا 6043 دونم

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

اشتباكات ومواجهات مع الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- الفلسطيني للإعلامشهدت الضفة الغربية الليلة الماضية وفجر اليوم الأحد، اشتباكات ومواجهات مع قوات الاحتلال التي نفذت عمليات اقتحامات...