الجمعة 10/مايو/2024

الاستيطان في أريحا والأغوار.. تمدد سرطاني يمزق الأحياء الفلسطينية

الاستيطان في أريحا والأغوار.. تمدد سرطاني يمزق الأحياء الفلسطينية

عبر سلسلة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية والمواقع العسكرية أوجد الاحتلال بيئة جغرافية معقدة مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية في أريحا والأغوار شرق الضفة وحولتها إلى جزر معزولة، يسهل التحكم بها.

وتواجه محافظة أريحا والأغوار الواقعة في الطرف الغربي لغور الأردن، العديد من المخططات الاستيطانية والأمنية، وباتت مؤخرًا في بؤرة استهداف سلطات الاحتلال، ضمن محاولات فرض الأمر الواقع وتكريس الهيمنة الاستيطانية وتهجير أصحاب الأرض والحق.

جزر معزولة

وفي أرجاء المحافظة تنغرس غصبًا 16 مستوطنة، و12 بؤرة استيطانية، و11 معسكرًا، و5 حواجز عسكرية ثابتة، و20 مكبًّا للنفايات الصلبة والسائلة، ما أوجد بيئة جغرافية معقدة، مزقت الأحياء والقرى الفلسطينية، وحولتها إلى جزر معزولة، يسهل التحكم بها.

وفضلاً عن تداعيات التقسيم الذي فرضته اتفاقية أوسلو على الضفة وتوزيعها بين مناطق أ وب و ج دون أي ترابط ومرجعيات إدارية مختلفة؛ يستغل الاحتلال الاتفاقية ويضع 88٪ (524كم) من أراضي أريحا والأغوار تحت سيطرته الأمنية، من خلال تصنيفها مناطق (ج).

وأريحا هي أقدم المدن المبنية عبر التاريخ، وتبلغ مساحة محافظة أريحا مع الأغوار 593 كيلومترًا مربعًا، أي حوالي 10.5٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، وتضم 14 تجمعًا سكنيًا ما بين المدينة والقرى والمخيمات، وفقًا لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني.


null

مستوطنات ومناطق نفوذ
وبحسب مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، معتز بشارات، في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” فقد بلغ عدد المستوطنات في محافظة أريحا والأغوار 16 مستوطنة هي: أرجمان، معالي أفرايم، بيتاف، مسواه، جلجال، جيتيت، بتسائيل، نتيف هجدود، نعران، الموج، متسبي يريحو، تومر، فيرد يريحو، يافيت، بيت هعرفا، نعامي، وتقدر مساحة الأراضي التي تسيطر عليها المستوطنات بنحو 7863 دونمًا.

وتمتد سيطرة المستوطنات إلى جانب الأراضي المقاومة عليها إلى المناطق المحيطة والتي يُمنع الفلسطينيون من الوصول إليها أو استغلالها، ويطلق عليها “مناطق نفوذ أمني”، أو “مناطق عسكرية مغلقة”، وتقدر بآلاف الدونمات، وفقًا لدراسة أعدها مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير.

ويبلغ عدد سكان هذه المستوطنات حوالي 8460 مستوطنا، ويسكن أكثر من نصفهم في مستوطنتي متسبي يريحو ومعالي أفرايم.

يتضح من ذلك اهتمام الاحتلال الكبير بتعزيز وجوده الأمني والعسكري على الأرض في أريحا والأغوار، كما يظهر أن هدفه الأهم من بناء هذه المستوطنات، هو السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي، لأهداف أمنية وعسكرية، وللسيطرة على الموارد، وأهمها المياه.

ويمثل النشاط الاقتصادي الاستيطاني أهمية كبيرة بالنسبة لسلطات الاحتلال في هذه المنطقة، لما تحويه من الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية الخصبة، بالإضافة إلى مزارع الأبقار الضخمة، وعدد كبير من المصانع التي تعتمد على الإنتاج الزراعي والحيواني في تصنيعها.



أنواع المستوطنات
تختلف أنواع المستوطنات المقامة علي الأراضي الفلسطينية، فهناك مستوطنات سكنية وزراعية وصناعية وسياحية وعسكرية، ووفقًا لمعتز بشارات فإن معظم المستوطنات المقامة على أراضي محافظة أريحا والأغوار ذات طابع زراعي، وتتبع المجلس الاستيطاني المعروف باسم المجلس الاستيطاني “أرفوت هياردين” (وادي الأردن).

ويوضح بشارات أن هناك عددا من المستوطنات بنيت معسكراتٍ لجيش الاحتلال، ومن ثم تم جلب المستوطنين إليها، وزراعة أراضيها، مع إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، حتى يمنع أي مواطن فلسطيني يملك أوراق طابو تثبت ملكيته لهذه الأراضي من رفع دعوى قضائية ضد المستوطنين، على أساس أنها منطقة عسكرية مغلقة، يسيطر عليها جيش الاحتلال.

ويبيّن مسؤول ملف الأغوار ومقاومة الاستيطان، أن من يسكن مستوطنات بيت هعرفا والموج ويطاف هم ضباط متقاعدون من جيش الاحتلال، ومعظم المستوطنات تزرع وتنتج لمصلحة جيش الاحتلال.

البؤر الاستيطانية

ويشير بشارات إلى أن سلطات الاحتلال أقامت 12 بؤرة استيطانية في أريحا والأغوار، في منطقة الجفتلك والعوجا والنبي موسى وفصايل.

وهذه البؤر غير معترف بها على أنها مستوطنات شرعية من حكومة الاحتلال، لكنها تخضع لحماية جيش الاحتلال.

الفصل العنصري

لم تخضع محافظة أريحا والأغوار لخطة الفصل العنصري، الممثلة بالجدار الفاصل، الذي بدأ الاحتلال بإقامته حول الضفة الغربية منذ عام 2004 بهدف إقامة “منطقة العزل الغربية” فيها، وذلك بسبب موقعها في الطرف الشرقي للضفة.

لكن هذه المحافظة خضعت قبل ذلك بعقود، لسياسة فصل من نوع آخر، وعدّها الاحتلال منطقة إستراتيجية، وشكلت مع محافظة طوباس “منطقة العزل الشرقية”، وأخضعت معظم أراضيها لسيطرة الاحتلال، وقد أقيم على طول حدودها الشرقية سياج فاصل مع الحدود الأردنية بالقرب من نهر الأردن بطول 50 كم تقريبًا، ويعزلها من الشرق بحدود دولية، ومناطق عسكرية، وألغام.

أما من الجهة الغربية، فيفصلها عن محافظات القدس ورام الله ونابلس، سلسلة من القواعد العسكرية، على امتداد المحافظة، لتشكل ما يشبه منطقة عازلة محاصرة من الشرق والغرب، وفقًا لدراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2021.


null

دوافع الاستيطان
تتمتع محافظة أريحا والأغوار بأهمية إستراتيجية كبيرة، حيث تشكل مع منطقة طوباس، غور فلسطين، الذي يمتاز بجودة أرضه، ووفره مياهه، وصلاحيته لزراعة الكثير من المزروعات، بالإضافة لأهميتها الأمنية والتاريخية والاقتصادية والسياحية، والجيوسياسية.

فمن الناحية الأمنية، تشكل منطقة الأغوار سدًّا منيعًا أمام أي هجوم من جهة الأردن، ومع أن طبيعة الحروب وآلياتها تغيرت، من خلال الهجمات الصاروخية، إلا أن منطقة الأغوار ما زالت تشكل منطقة عازلة جغرافيًّا وزمانيًّا، بين الأردن و”إسرائيل” (فلسطين المحتلة) ومستوطناتها.


null

ومن الناحية الجيوسياسية، يمكن أن تمثل الأغوار ثقلًا حيويًّا لأي دولة فلسطينية مستقبلية محاذية للأردن، حيث إنها تحتوي على مخزون من الأراضي الصالحة للزراعة، والموارد الطبيعية، وأهمها المياه، لذا فإن إمكانية حصول ذلك تعني زيادة المخاوف الأمنية الإسرائيلية على مستقبل المستوطنات داخل الضفة، وكذلك على كيان الاحتلال نفسه، وبالتالي فإن أهمية السيطرة على هذه المنطقة تكمن في منع إقامة أي حكم ذاتي فلسطيني فيها.

وتتمتع منطقة الأغوار كذلك بموقع إستراتيجي، لكونها تشكل امتدادًا طبيعيًّا لتوسع مدينة القدس المحاذية لها، وهذا يعني أن السيطرة على منطقة الأغوار سيسمح للاحتلال بتنفيذ مخططاته الاستيطانية الكبرى، وأهمها مشروع القدس الكبرى.

كما أن التخلي عن هذا المنطقة، يعني بالضرورة، تقلص المشروع الاستيطاني الكلي في الضفة الغربية، وبالتالي زيادة المخاطر على دولة الاحتلال نفسها.

وتمثل منطقة الأغوار أهمية اقتصادية إستراتيجية؛ بسبب الموارد الطبيعية التي تحويها هذه المنطقة، حيث تتميز بأراضيها الزراعية الخصبة، وبمناخها الدافئ شتاءً، والحار صيفًا، ما يجعلها بيئة مناسبة للكثير من المزروعات.


null

وتمثل أراضي المحميات الطبيعية حوالي 27٪ من منطقة الأغوار، وهي منطقة يمنع الاحتلال الفلسطينيين من استخدامها، أو البناء فيها.

وتتميز هذه المنطقة بوفرة المياه، حيث تحتوي على العديد من ينابيع المياه في السفوح الجبلية، وعلى ما يقارب 133 بئرا جوفيًّا، الأمر الذي يساهم في استخراج ما يقارب 16 مليون متر مكعب، وهذا يعني أن منطقة الأغوار تربض على بحيرة من المياه، تشكل ما يقارب ثلث احتياطي المياه الجوفية في الضفة الغربية، بحسب دراسة أعدها مركز رؤية للتنمية السياسية 2019.

إجراءات التهويد
ومنذ عام 1967 عدت حكومات الاحتلال المتعاقبة الأغوار من المناطق الحيوية للأمن والاقتصاد الإسرائيلي، وقد انتهجت هذه الحكومات خططًا متعددة لتهويد الأغوار، بدأت منذ اليوم الأول للاحتلال، وتمثلت بمجموعة من الإجراءات، أهمها:

1-عزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1-5 كم، وبالتالي ترحيل وتشريد آلاف السكان الفلسطينيين من منطقة الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر.

2-عزل وسلب آلاف الدونمات الزراعية المحاذية للسياج الحدودي مع الأردن، وما يعرف بالخط الأخضر، بدعاوى أمنية واهية، مثل سهل القاعون.

3- سلب آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الخصبة لمصلحة إقامة المستوطنات الزراعية والأمنية.

4- منع البناء والتطور العمراني في جميع قرى الأغوار.

5- إغلاق آلاف الدونمات من المراعي أمام الماشية بعد إدراجها ضمن مناطق تدريب عسكري أو مناطق أمنية أو بيئية مغلقة.

6- انتهاج سياسة العزل على جميع الأغوار عن الجسم الفلسطيني، ومنع الدخول والخروج منها إلا في أوقات محددة، ولمن يحمل في بطاقته الشخصية عنوان الأغوار أو تصريحا خاصا.

7- تدمير السياحة وخاصة في أريحا والعوجا والمالح شمالاً نتيجة المنع والإغلاق.

8- السيطرة على مصادر المياة الجارية (نهر الاردن) والمياه الجوفية.

وهذا يندرج تحت سياسة ممنهجة للاحتلال بهدف إفراغ المنطقة من سكانها، وعدها منطقة عسكرية مغلقة، وتنفيذ مخطط ضم (سلب) الأغوار على أرض الواقع، بعدها خط الدفاع الشرقي للاحتلال، والعمل على تهويدها من خلال المشاريع الاستيطانية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات