السبت 27/يوليو/2024

متوالية الفشل لجهاز الموساد بين بارنياع وكوخافي

حازم عيّاد

لم تمضِ أسابيع قليلة على إعلان وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة؛ القبض على عميل الموساد الإسرائيلي الذي شارك في اغتيال الدكتور المهندس فادي البطش في ماليزيا عام 2018؛ حتى أعلنت وزارة الداخلية اللبنانية الكشف عن 17 شبكة تجسس إسرائيلية تنشط في لبنان والإقليم.

تحقيقات ومتابعات قادها فرع المعلومات في جهاز الأمن اللبناني على مدى أربعة أسابيع، وألقي فيها القبض على 35 شخصا، من ضمنهم 20 ينتمون إلى 15 شبكة في لبنان، والاثنان المتبقيان أحدهما في دمشق، والآخر في صيدا بقبضة حزب الله اللبناني.

استقالات في جهاز الموساد

المعلومات التي كشفت عنها داخلية غزة، ومن بعدها داخلية لبنان، مثّلت صفعة قوية لرئيس الموساد (ديفيد بارنياع)، الذي تولى منصبه خلفا ليوسي كوهين، قبل أشهر قليلة، وتلقى خلالها العديد من الصفعات، كانت أولاها في كانون الأول/ديسمبر من العام الفائت 2021؛ حيث كشفت الداخلية التركية شبكة تجسس إسرائيلية، مكونة من 16 شخصا، تبعها إعلان “حماس” القبض على المتورط في قتل فادي البطش بماليزيا في 9 كانون الثاني/يناير 2022.

بارنياع تلقى بذلك ثلاث صفعات في أقل من شهرين، لتنقل القناة 13 العبرية خبر استقالة قائد وحدة “قيساريا” المسؤولة عن العمليات الخاصة من منصبه فوراً، قبل ساعات من تأكيد الحكومة اللبنانية على لسان وزير الإعلام اللبناني بالوكالة القاضي عباس الحلبي، خبر تفكيك شبكات التجسس الاسرائيلية الـ17.

المسؤول الذي لم يكشف عن اسمه استقال، وإلى جانبه نائبه، مع عدد من العملاء، بعد خلافات لم يكشف عن طبيعتها مع رئيس جهاز الموساد، إلا أن القناة 13 أكدت أن هذه الخلافات تتعلق بعمليات تطوير الجهاز التي لم تفلح في وقف نزيفه وسلسة الفشل التي عانى منها خلال الأسابيع القليلة الفائتة.

الفوضى داخل جهاز الموساد ليست جديدة، فهي تعود إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2021، عندما أعلن ثلاثة من قادة الجهاز استقالاتهم، وهم رئيس قسم التكنولوجيا، ورئيس قسم مكافحة الإرهاب، ورئيس قسم المفرق (القسم المركزي في الجهاز المسؤول عن تشغيل العملاء) والذي لم تفلح استقالته التي سعى لها بارنياع، في تطوير الجهاز، أو منع الكوارث التي لحقت به خلال الشهرين الفائتين.

كوخافي والاحتفاء بالهزيمة مجدداً

الصدمة والارتباك لم يقتصرا على جهاز الموساد الإسرائيلي، فالأنباء عن تفكيك شبكات التجسس الإسرائيلية جاءت بعد أيام قليلة من احتفاء قائد هيئة الأركان في جيش الاحتلال “افيف كوخافي” أثناء مشاركته في احتفالية بالقرب من الحدود اللبنانية، بتوغل قواته داخل حدود إحدى الدول المجاورة، دون وقوع أضرار أو إصابات في صفوف القوات الإسرائيلية.. إعلانٌ قدمه كوخافي للجمهور الإسرائيلي في 26 كانون الثاني/ يناير الحالي، باعتباره فتحاً كبيراً؛ سرعان ما تبدد بعد انكشاف شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان.

رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الذي قدم نفسه وجيشه بأنه الأفضل والأكثر تطوراً في التعامل مع البيئة الأمنية المتغيرة المحيطة به؛ تلقى ضربة قوية ستدفعه إلى التفكير كثيراً قبل إرسال قواته إلى أراضي الدول المجاورة، فالكشف عن الشبكات المتعاونة التي تقدم التسهيلات لقواته على الأرض؛ مثّل كارثة حقيقية؛ الأجدى أن تدفعه إلى مراجعة حساباته في الإقليم.

توسع فضاء المواجهة الاستخبارية مع الاحتلال

الإعلان الذي قدمته داخلية غزة وداخلية لبنان، ومن قبلهما داخلية تركيا، كشف عن حرب استخبارية مستعرة يقودها الاحتلال في الإقليم؛ امتدت على مساحة شاسعة من ماليزيا إلى لبنان فتركيا، وإلى ما هو أبعد من ذلك، فشبكات التجسس المكتشفة في تركيا ولبنان لها امتدادات واضحة في أوروبا بشقيها الشرقي والغربي، وأمريكا بشقيها الجنوبي والشمالي.

المواجهة الاستخبارية لا تقل عنفاً وشراسة عن المعارك والمواجهات المباشرة مع الاحتلال الاسرائيلي؛ فالحرب لم تضع أوزارها بمجرد توقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، أو بمجرد توقف الغارات الجوية والعمليات البرية الكبرى للاحتلال.. المواجهة امتدت إلى كافة الفضاءات الإقليمية، بل والسيبرانية؛ عبر هجمات الكترونية متبادلة بين دول الإقليم والمقاومة والاحتلال.. مواجهة شاركت فيها أكثر شركات التكنولوجيا والمعلومات تقدماً، ومن ضمنها شركة (IOS) المطورة لبرنامج بيغاسوس.. مواجهة لم تعد تعرف حدوداً جغرافية أو أخلاقية.

ختاماً.. الفوضى التي تصنعها “إسرائيل” الأجدر أن تدفع الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية إلى مراجعة سياستها تجاه التوسع والتمدد الأمني الإسرائيلي الذي يتهدد الاستقرار الإقليمي والدولي، فأمريكا مطالبة بتدارك الفوضى التي تتهدد “إسرائيل” بنشرها في الإقليم والفضاءات الدولية، بما فيها الفضاء السيبراني.. فوضى لم تحقق الأمن لـ”إسرائيل”، ولم تعكس تطور جهازها الأمني، فالثقة لدى شركائها الإقليميين الجدد اهتزت بعد سلسلة الانهيارات المتتابعة لشبكات التجسس الإسرائيلية من إيران إلى تركيا، وليس انتهاءً بلبنان وسوريا، فالنشاط الاستخباري الإسرائيلي لم يمنع المقاومة من مواصلة نشاطاتها في مقارعة الاحتلال، وفي الوقت ذاته؛ بات يهدد بتوسع دائرة المواجهة في الإقليم وغيره من الساحات والفضاءات الدولية.. مفارقة إقليمية باتت متوقعة، يسهل استشرافها في ضوء الأحداث المتسارعة والمضطربة في الإقليم.

قدس برس

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات