الإثنين 29/أبريل/2024

لقاء عباس-غانتس لماذا الآن؟

محمد بلور

قبل تكرار انتقاد لقاء عباس-غانتس الذي قتلته وسائل الإعلام بحثاً ونقاشاً لابد من معرفة مبررات اللقاء لماذا الآن؟ ولمصلحة من؟ لابد من قراءة دوائر المشهد السياسي الثلاثة المحلية والإقليمية والدولية، فهي تعاند نجاح أي عملية تسوية مقبلة بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، فمحليًّا الانقسام الفلسطيني مستمر والحياة السياسية غائبة بالكامل فكيف ستنجح أي مفاوضات في ظل الانقسام وإصرار “إسرائيل” على تجاهل الحقوق الفلسطينية وممارسة التفرقة العنصرية و”الأبارتهايد” بحق الفلسطيني أينما حلّ؟!.

وعلى صعيد الإقليم لم تعد القضية الفلسطينية مدخلاً لضبط إيقاع الصراع العربي-الإسرائيلي في زمن التطبيع وانشغال الدول المؤثرة في التسوية تاريخيًّا بملفات تهزّ القارب تحت أمنها القومي وأزمات داخلية لدول عربية مؤثرة في المشهد السياسي الفلسطيني، أما على الصعيد الدولي فإن الولايات المتحدة الأمريكية الراعي التاريخي لعملية التسوية لا ترى في القضية الفلسطينية الآن أولوية تستحق دفع عجلة التسوية المتعثّرة وسط انشغالها بملفات كبرى على رأسها الصراع مع الصين والمصالح الاستراتيجية في الشرق الأدنى وتقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي مع دول مؤثرة في إقليم الشرق الأوسط خاصّة ملف غاز شرق المتوسط وحرص الولايات المتحدة الأمريكية المتكرر مع كل الإدارات على استمرار “إسرائيل” آمنة وقوية وقد أعلنت إدارة بايدن استراتيجية عملها للإدارة الحالية بصراحة.

نصح جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في آخر أسابيع من إدارة أوباما  رئيس السلطة الفلسطينية عباس أن يتحلى بالصبر على الإدارة الجديدة القادمة ويقصد إدارة ترامب بمعنى أن الديمقراطيين لن تطول غيبتهم وقد عادوا بعد 4 سنوات في إدارة بايدن لكننا لم نلمس حتى الآن اهتمام إيجابي إلا عندما كانت الزاوية تخص “إسرائيل”.

بدأت متغيرات عملية التسوية التي حررت لها “إسرائيل” شهادة وفاة أوسلو مراراً وصراحةً على لسان عدة مسئولين في حكومة نتنياهو السابقة وبينيت الحالية تتحول إلى شأن إسرائيلي داخلي تمسك “إسرائيل” فيه الخيوط كافة فلماذا البكاء على اللبن المسكوب؟!.

معذورة هي الفصائل الوطنية الفلسطينية التي غابت عنها الممارسة السياسية الفاعلة في ظل تعطّل مؤسسات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني مثل المجلس التشريعي والمجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية وهي تعلّق انتقاداتها لأداء رئاسة السلطة الفلسطينية على مشجب التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، فالتنسيق كان ولا يزال مهمة وظيفية خدمت “إسرائيل” ولم تحقق شيء للفلسطيني منذ ربع قرن.

لماذا الآن؟. ولد التنسيق الأمني مع اتفاقية القاهرة واتفاقية طابا بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” عامي 1994م و1995م في ظل مشروع كبير لمكافحة الإرهاب ومرّ التنسيق الأمني باضطراب بعدهبّة النفق عام 1996م وكذلك بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000م ولعل جهود الجنرال الأمريكي كيث دايتون من عام 2005م حاولت دفع الدماء في شريان التنسيق الأمني بل واللعب على تحريف عقيدة أجهزة السلطة الأمنية ومع ذلك تواصل فشل التسوية وبرز عام 2020م بإعلان رئيس السلطة الفلسطينية نفسه وقف التنسيق الأمني لكنه إعلان لم تؤيده شواهد عملية.

 لقاء عباس رئيس السلطة الفلسطينية مع غانتس وزير جيش “إسرائيل” يأتي الآن في ظل تصاعد الهبّة الشعبية بالضفة المحتلة واحتمال انفجار جبهة غزة المحاصرة وتوجيه ضربة لإيران واستمرار فشل عملية التسوية فالتوقيت هو قطعاً لضخ الأكسجين في رئة التنسيق الأمني الذي يعاند المزاج الشعبي والوطني الفلسطيني خاصّة بعد عدوان غزة في مايو 2021م الذي أكثر ما أقلق “إسرائيل” فيه وحدة الغضب الشاملة التي عمت كل أرض فلسطين التاريخية ويجري إجهاض مستقبل عودة الصراع للمربع الأول في كافة مؤسسات الفكر والسياسية الإسرائيلية وما سيجري الآن من لقاءات لن يخدم إلا “إسرائيل” وحدها ولن تجني السلطة أي مكاسب وطنية وما كذبة السلام الاقتصادي سوى مساحيق تجميل لوجه الاحتلال الذي يرفض دفع أي ثمن سياسي.

المفاوضات مع “إسرائيل” لم تحقق شيء مهم للسلطة الفلسطينية ومع ذلك آمالها مستمرة فيها رغم تنكّر ومراوغة “إسرائيل” لمخرجاتها السابقة وواقعها المتعثّر وهي بالأساس لا يجب أن تكون الخيار الوحيد للفلسطيني وقد شكلت سوريا على اختلاف مشهدها السياسي نموذجاً للأمر وولدت مفاوضاتها مع “إسرائيل” ميتة من أيامها الأولى وانتهت حتى الآن.

وفي ضوء عدم تكافؤ طرفي التسوية السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” تعمل النظرية الواقعية في العلاقة بينهما بامتياز فـ”إسرائيل” تعتمد على قوتها العسكرية والسياسية والاقتصادية لإضعاف متراكم لكل شأن فلسطيني يخص مؤسساته العامة والخاصّة.

المصلحة في لقاء عباس-غانتس بالمطلق تميل بالكفة لصالح “إسرائيل” فأي خدمات تتعلق بالشأن المدني الفلسطيني لن تعد إنجازاً في وقت تهوّد فيه “إسرائيل” وفق خطة الضمّ بوتيرة متسارعة منطقة ج التي تشكل 61% من أرض الضفة المحتلة وهي مستقبل دولة فلسطينية كان ممكن أن تولد وجرى الإجهاز على مستقبلها مع تصاعد الإستيطان.

ما تريده “إسرائيل” فقط الشق الأمني الذي يوفر لها الهدوء في ظل تصاعد رحى الصراع بين الفلسطيني والمستوطن فوق أرضه مع تضرر سمعة “إسرائيل” الأخلاقية والقانونية في الرأي العام الدولي وهو يكرر انتقاد الاستيطان المخالف لكل القوانين الدولية والإنسانية وهي عاجزة عن كبح جماح مواجهة تمتلك فيها قوة تدميرية هائلة لكنها تفتقد عامل التفوق أمام صدور الشبان العارية التي تغضب في القدس والضفة المحتلة وغزة المحاصرة.

كم كنت أتمنى أن يحتفل عباس رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح الفصيل الوطني الأكبر بذكرى انطلاقة حركته مطلع العام الجديد 2022م بالإعلان عن خطوات وطنية شاملة توقف نزيف الانقسام وتمد يدها لتجاوز خلافات الماضي مع الكل الفلسطيني وتأسيس برنامج وطني شامل للمقاومة الشعبية التي لا تقلق فيها إسرائيل فقط من إطلاق النار بل تقلق أيضاً من عودة الموقف الموحد وفقدانها أي ورقة تخصف فيها على سوءتها أمام المجتمع الدولي وهي تقتل الأطفال وتدمر المنازل وتواصل الاستيطان وتهود المقدسات في كل فلسطين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات