الإثنين 06/مايو/2024

انتفاضة الحجارة.. تحول استراتيجي في المقاومة الشعبية

انتفاضة الحجارة.. تحول استراتيجي في المقاومة الشعبية

أكثر ما يُتوّج أحداث ديسمبر في ذاكرة القضية الفلسطينية هو اندلاع انتفاضة الحجارة علامة فارقة في تاريخ المقاومة الشعبية مع الاحتلال.

كل شيء كان يبدو على ما يرام في الثامن من ديسمبر عام 1987م، حتى تعمّد مستوطن إسرائيلي يستقل شاحنة ثقيلة دهس 4 عمال فلسطينيين من مخيم جباليا، استُشهدوا على الفور.

في اليوم التالي للحادثة، اندلعت تظاهرات شعبية في أنحاء قطاع غزة والضفة الغربية كافة، قمعها الاحتلال، أدت لاستشهاد طالب فلسطيني وإصابة العشرات.

بدأت المقاومة الشعبية باستخدام الحجارة تجاه دوريات الاحتلال، ثم الزجاجات الحارقة والسكاكين، وانتهت بالعمليات الفدائية المسلحة التي أربكت حسابات الكيان الأمنية.

أهم ما ميز انتفاضة الحجارة أو الانتفاضة الأولى كما يسميها البعض، أنها تسللت إلى مخيلة شعوب العالم كعمل شعبي وثوري شكل نموذجاً للغضب من آخر احتلال واستعمار كولونيالي.

وقتل الجيش الإسرائيلي والمستوطنون خلال سنوات الانتفاضة السبع أكثر من 1500 فلسطيني، واعتقلوا أكثر من 100ألف آخرين.

تحوّل استراتيجي

التحق عشرات الآلاف من الفلسطينيين في العقد السابع والثامن من القرن العشرين للعمل في مجالات مختلفة داخل مدن وبلدات الكيان، كونها فرصة الرزق شبه الوحيدة.

حالة الهدوء المؤقتة في المجتمع الفلسطيني قبيل اندلاع الانتفاضة عام 1987م، واكبت زيادة في الاستيطان، وملاحقة كل من يشارك في أي عمل وطني، حتى انفجر صاعق الانتفاضة.

ويؤكد تيسير محيسن، المحلل السياسي، أن انتفاضة الحجارة تُعدّ محطة مهمة في تاريخ النضال الشعبي بعد فترة اطمئنان عاشها الاحتلال من غياب نجم العمل الثوري.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “إسرائيل كانت مطمئنة للأمور في الداخل المحتل، لكن انطلاق الانتفاضة كان تحوّلا استراتيجيًّا في العلاقة بين شعب ومحتله في غزة والضفة وأرض48”.

استدعى الشبان الغاضبون من اليوم الأول للانتفاضة مخزون الغضب من نكبة فلسطين حتى عام 1987م، وتحولت الشوارع لساحة مواجهات بينهم وبين دوريات الاحتلال.

بعد أشهر من اندلاع انتفاضة الحجارة، تشكلت قيادة موحدة من قادة العمل الوطني والشعبي في الداخل والخارج، ووُلِدت واحدة من أهم الحركات الفلسطينية، وهي حركة حماس في 14 ديسمبر عام 1987م.

ويرى إبراهيم حبيب، المحلل السياسي، أن الانتفاضة شكَّلت حالة إلهام ثوري للشعب الفلسطيني بعد استراحة للاحتلال ضعفت فيها الثورة الفلسطينية.

كانت الأحوال الاجتماعية والاقتصادية لسكان غزة والضفة جيدة، مع رفضهم الفكري والسياسي لواقع الاحتلال؛ لذا اندفع الفلسطينيون بزخم كبير للمشاركة في الانتفاضة من يومها الأول.

ويتابع المحلل حبيب لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “المشاركة الشاملة في كل أرض فلسطين، أكدت أن الشعب متحد في المصير الذي لا يمكن تجزئته، ثم جرى تنظيم العمل من الفصائل الوطنية، فظهرت حماس كنواة عمل عسكري تطوّر لاحقاً”.

إجهاض الانتفاضة

ردت “إسرائيل” بيمين القوة على انتفاضة الحجارة من أيامها الأولى، وأعلن “إسحاق رابين” وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق عن سياسة تكسير العظام لترويع الفلسطينيين.

الغضب الشعبي في المدن والمخيمات الفلسطينية تسلل لوسائل الإعلام التي نقلت الحدث لدول العالم، وحظي الفلسطيني بتعاطف كبير دخلت معه كلمة “انتفاضة” قاموس من يرفض ظلم الاستعمار والاحتلال.

ويشير المحلل محيسن، أن اندلاع الانتفاضة انعكس على توجهات السياسة الإسرائيلية في التعامل مع القضية الفلسطينية، وانعكس على توجهات دولية بسبب تحول مفاجئ.

وحاولت منظمة التحرير الفلسطينية، توظيف ما يجري في الداخل المحتل لمخرجات عمل نضالي، في وقت ركّز فيه الاحتلال على توصيف ما يجرى بحالة عنف وإرهاب تخدم رؤيته الأمنية.

ويقول المحلل محيسن، إن الانتفاضة لم تحقق مكسبا استراتيجيًّا كبيرا، لكنها أسست نواة صلبة للعمل المقاوم بغزة التي تشكل اليوم جزءًا مهمًّا في معادلة الصراع.

بعد أقل من سبع سنوات، ولد اتفاق “أوسلو” لمحاولة إجهاض الثورة الشعبية، التي لم يجد الاحتلال لها حلًّاَ سوى الهروب للأمام من بوابة ملف التسوية التي سجلت فشلاً من مرحلتها الأولى.

ويوضح المحلل حبيب، أن الاحتلال كان مهتم بالالتفاف على الانتفاضة، فجاء باتفاق “أوسلو” بعد عجزه في مواجهة أطفال وشبان غاضبين أدواتهم بدائية.

ويتابع: “لو تُرك الفلسطينيون في الانتفاضة، ولم توقع اتفاقية أوسلو، لكانت النتائج أفضل، لأن الوقت كان يمضي وتزداد معه أزمة الكيان من حالة الغضب الشعبي”.

ولم تكن انتفاضة الحجارة عام 1987م حدثاً عاديًّا في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ فقد أنعشت العمل الوطني وهي تدفع بآلاف الفلسطينيين للمشاركة الوطنية نصرةّ لقضية حملها الأجداد إلى الأحفاد.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات