عن مركزية فلسطين في الوعي العربي
ليس مستغرباً ذلك التفاعل العفوي وتلك الحماسة البالغة التي استقبلت بهما جماهير عربية النشيد الوطني الفلسطيني خلال مراسم افتتاح كأس العرب لكرة القدم 2021 في الدوحة، مساء يوم الثلاثاء الماضي.
على الرغم من الخلافات والواقع الآسن عربياً وكثرة الجراحات والنكبات التي حلَّت وعمّت في أرجاء هذا الجسد مترامي الأطراف، إلا أن فلسطين تبقى بوصلة الوعي العربي، وضميره الجمعي، وهي جاهزة للاستدعاء، دائماً وأبداً، في تأكيدٍ لمركزيتها التي قد تخفت بين حين وآخر، ولكنها لا تتلاشى ولا تنقضي.
عندما تحضر فلسطين عربياً، فإنها تستدعي من مخزون الذاكرة تراثاً دينياً لا يمكن تجاوزه، وعمقاً قومياً لا يمكن إلغاؤه، وأهمية استراتيجية لا يمكن تجاهلها، وتعاطفاً جماهيرياً، قد يُشَوَّهُ، فترة، في مكان ما وفي زمان ما، ولكنه لا يلبث أن يعود نقياً خالصاً.
فقط في فلسطين لا يختلف الضمير الجمعي لأمة العرب على هوية العدو، حتى وإن تاهت الأنظمة في دهاليز السياسة، وثملت من عار التواطؤ. وفقط في فلسطين تجمع الأمة على مقاومتها، ما دامت فوهة البندقية موجهة نحو العدو الصهيوني المحتل، الرابض لا على أرضها فحسب، بل ويمثل تهديداً استراتيجياً لأمن واستقرار وازدهار ومستقبل المنطقة بأسرها.
فلسطين قلب آلام العرب وأحلامهم التي يُراد وأدها، ولا ينبغي، أبداً، أن نتواطأ في مساعي تحويلها إلى ثقبٍ أسود يمتصّ طموحاتنا
لكن، حتى تستمر هذه المكانة الخاصة بفلسطين في وعي الأمة، وحتى لا تتعرّض لهزّات مرحليةٍ هنا وهناك، فإن هذا يتطلب من أصحاب القضية أن لا يجعلوا منها قضية خلافية، وأن لا يضعوها في حالة تناقضٍ مع جراحات الأمة الأخرى، الغائرة والنازفة. مركزية القضية الفلسطينية لا تعني أحاديتها في فضائنا، ولا تسفيه عدالة تطلعات شعوب عربية أخرى تسعى إلى الانعتاق من ربقة القمع والظلم والاستعباد. صحيحٌ أن فلسطين تملك حضوراً تلقائياً يجدّد نفسه بنفسه، وهي تختزن قدرة ذاتية على تنقية المشاعر العربية نحوها من أي سمومٍ قد تلحق بها، لكن هذا ينبغي أن يكون مدعاة وحافزاً أكبر لدى الفلسطيني كي يكافئ جميل مشاعر الجماهيرية العربية الجياشة والصادقة بالمحبّة والحرص والتعاطف. بكلمة، فلسطين قلب آلام العرب وأحلامهم التي يُراد وأدها، ولا ينبغي، أبداً، أن نتواطأ في مساعي تحويلها إلى ثقبٍ أسود يمتصّ طموحاتنا، ومحاولات تلويث وعينا، كعرب، للرضوخ لِقَدَرٍ مزعوم من الدكتاتوريات المتخلفة، الفاشلة والفاسدة، أو لغضّ الطرف عمَّا يقوم به بعضهم، من دول وأنظمة وتنظيمات، من جرائم بحق شعوبٍ عربيةٍ أخرى، بذريعة دعم المقاومة والعداء لإسرائيل.
فقط في فلسطين لا يختلف الضمير الجمعي لأمة العرب على هوية العدو، حتى وإن تاهت الأنظمة في دهاليز السياسة، وثملت من عار التواطؤ
ما سبق لا ينفي وجود تعقيداتٍ في هذا السياق، والموازنة بين الحسابات المتعارضة والمتضاربة أمر عسير. ومن أسف، لا يتردّد بعض المتصارعين في فضاء العرب وساحتهم في محاولة توظيف فلسطين درعاً يتمترسون وراءه، أو استخدامها ورقة توتٍ علّهم يسترون بها عوراتهم، أو حتى اعتبارها كبش فداء لنيل رضا أعداء هذه الأمة ودعمهم. لكن الكارثة تكون أكبر حين يتواطأ أصحاب الشأن من الفلسطينيين أنفسهم في مثل هذه المساعي المبتذلة. مثلاً، من المفهوم أن تلجأ المقاومة الفلسطينية لإيران ضمن حسابات الضرورة، التي هي بالمناسبة مشتركة بين الطرفين، ولكن من غير المقبول أن يتحوّل تحالف الضرورة إلى عداء نحو الشعوب العربية في سورية والعراق واليمن ولبنان، وإلى التشكيك في آمالها وعدالة قضاياها. أيضاً، مرفوضٌ تماماً ما تقوم به القيادة الرسمية الفلسطينية من تماهٍ مع ديكتاتوريات عربية، وتحوّلها هي نفسها إلى امتداد عضويٍّ للنظام الرسمي العربيِّ الفاسد، وجسرٍ له للعبور نحو إسرائيل. أما ثالثة الأثافي، فتتمثل بتبنّي مفكرين وكتّابٍ وصحافيين ونشطاء فلسطينيين خطاباً شوفينياً إلغائياً بحق الشعوب العربية الأخرى وحقوقها بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، بذريعة التركيز على “القضية المركزية”، فلسطين!
باختصار، لا يمكن أن تتحرّر فلسطين من دون عمقها العربي ورافده الإسلامي. هذا معطى استراتيجي، اعترف به بعضهم أو لا. ولكن، لا يمكن هذا العمق أن يكون حاضراً وفاعلاً في صيرورة التحرير من دون أن يكون هو نفسه حرَّ الإرادة، متحللاً من القيود والأغلال التي تكبله بها أنظمة قمعية مجرمة. ومن ثمَّ، تستلزم القضية المركزية للأمة، وهي فلسطين هنا، أن تكون نقطة التكثيف الأعلى لما يتوخّاه العرب من مستقبل واعد وزاهر، غير هذا الواقع الكئيب الذي نحياه جميعاً.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
“هيومن رايتس ووتش”: الردود على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين صادمة
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت منظمة حقوق الإنسان الدولية "هيومن رايتس ووتش"، الاثنين، أن "الرد على المظاهرات الطلابية الداعمة لفلسطين...
مشاهد جديدة لتفجير كتائب القسام نفقا في قوة إسرائيلية
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام بثت قناة الجزيرة مشاهد حصرية حديثة لعناصر من كتائب عز الدين القسام في أحد الأنفاق بغزة وهم يقومون بتفخيخ نفق قبل دخول...
جيش الاحتلال يعترف بمقتل ضابطين وإصابة جندي بجراح خطيرة في “كمين نتساريم”
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، مقتل ضابطين وإصابة جندي آخر بجروح خطيرة في كمين ممر...
منظمة إنقاذ الطفولة: خان يونس أصبحت “مدينة أشباح”
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قالت منظمة "إنقاذ الطفولة الدولية"، الاثنين، إن "مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، ثاني أكبر مدينة في القطاع، والتي...
“حزب الله” يعلن استهداف جنود إسرائيليين بمستوطنة المطلة
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن "حزب الله" الاثنين، أنه استهدف مواضع لجنود إسرائيليين في مستوطنة المطلة شمال إسرائيل، وإصابتها بشكل مباشر....
هنية: كل ما يؤدي لحماية المنطقة من الاختراق الصهيوني جهدٌ حيويٌ مهمٌ
استقبل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، اليوم الإثنين، في مكتبه في إسطنبول وفداً جزائرياً ضم رؤساء مجموعات برلمانية عن المجلس الشعبي...
المجلس اليهودي الأسترالي: مظاهرات الطلاب ضد الإبادة بغزة ليست معاداة للسامية
إسطنبول - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المجلس اليهودي الأسترالي رفضه بشدة اعتبار مخيمات التضامن التي أقيمت في الجامعات لدعم الفلسطينيين في غزة...