الإثنين 29/أبريل/2024

صحراء النقب..جوهر صراع ومخزن أسرار

صحراء النقب..جوهر صراع ومخزن أسرار

هذا الجزء المنسي من فلسطين التاريخية ليس مجرد صحراء بل يخفي الاحتلال في فضائه أسراره الأمنية والعسكرية التي يلوّح من خلالها دوماً بهراوته الغليظة على المنطقة.

تشغل صحراء النقب أهمية خاصّة في الجغرافيا السياسية لفلسطين، فقد شكلت جوهر الصراع منذ بدء النكبة؛ نظراً لاتساع مساحتها وأهمية مشاريع كيان الاحتلال الاستراتيجية في فضائها.

وتبلغ مساحة النقب 14 ألف كيلو متر مربع،  وتحتل 46% من مساحة فلسطين التاريخية، وتقطنها عشائر عربية ترتبط بقبائل سيناء وشبه الجزيرة العربية والأردن؛ أهم مدنها بئر السبع، ورهط.

قبل أيام أعلن الاحتلال عن إقامة مشاريع استيطانية جديدة في النقب والجليل الأعلى دون الكشف عن كامل تفاصيل المخطط الذي يتخذ عادةً مسار إقامة مدن استيطانية، ويجنح نحو إقامة مناطق يغلب عليها الطابع الأمني والعسكري.

وأقام الاحتلال منذ احتلال فلسطين في صحراء النقب أهم مشاريعه الاستراتيجية، وعلى رأسها مفاعل “ديمونا” النووي وقواعد عسكرية وأمنية، وسجون ومحطات تجسس هي الأضخم في الشرق الأوسط.


null

مخزن أسرار

لا أحد بإمكانه منذ نكبة فلسطين عام 1948م حتى الآن الكشف عن أسرار النقب الذي ظلّ رغم اتساع مساحته المترامية بعيداً عن تفاصيل البحث الجغرافي لعلماء من غير جنسية الاحتلال “الإسرائيلي”.

وأعلنت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون الإسكان (كابينيت الإسكان) أنها صدّقت قبل أيام على إقامة أربع بلدات استيطانية يهودية جديدة، وأخفت تصديقها على إقامة بلدة استيطانية خامسة مخصصة للأثرياء.

والبلدات الاستيطانية الأربع التي أعلن “كابينيت الإسكان” عن إقامتها هي “دانييل” و”عير أفوت” و”نيتسانيت”، في النقب، و”شيبولت” بالقرب من قرية طرعان في الجليل الأسفل من أجل طرد المواطنين العرب في القرى مسلوبة الاعتراف في النقب.

ويؤكد د. غسان وشاح، أستاذ التاريخ في الجامعة الإسلامية، بغزة أن النقب يشغل 46% من مساحة فلسطين، وهي مساحة شاسعة بجغرافية معقدة يحتاجها الاحتلال لصناعة حزام أمني يوفر له الحماية.


د.غسان وشاح،

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “معظم مواقع الاحتلال العسكرية الحساسة في النقب، وكذلك مفاعلاته النووية، وسجونه المهمة، وقواعد أمنية وعسكرية كبيرة في النقب”.

وشكل احتلال النقب عاملاً حاسماً في سيطرة الاحتلال على فلسطين عام 1948م فقد شهدت صحراء النقب عدة معارك لمقاتلين من دول عربية، ولم ينجح الاحتلال في إحكام سيطرته على فلسطين إلا عند احتلاله النقب.

وكانت المقاومة العربية التي هبت لنجدة فلسطين أحكمت سيطرتها على العصابات الصهيونية في عدة مناطق، وعندما انتهى حصار مدينة القدس والرملة، قامت طائرات الاحتلال بالقصف والسيطرة على النقب، فانقلب ميزان المعركة.

ولا تزال صحراء النقب من الجهة الجيوسياسية فضاءً بكراً لم تكتشف كامل كنوزه ولا معظم موارده الطبيعية؛ خاصّة بعد أن حوله الاحتلال لمنطقة يمارس فيها أعماله العسكرية والأمنية الخاصّة.

وفي عام 2019 صدّقت حكومة الاحتلال “الإسرائيلي” على مخطط “رامات بيكاع”، الذي ستُنقل بموجبه مصانع عسكرية ومصانع كيماويات خطيرة من شمال فلسطين المحتلة إلى منطقة النقب، أدت حسب الصحافة العبرية لارتفاع درجات التلوث في المناطق الساحلية.

ويقول د. جمال عمرو، الخبير في شئون الاستيطان، إن النقب منطقة واسعة طقسها حارّ، وتتمتع بموارد للطاقة فوق الأرض وتحتها، ويضم مشاريع اقتصادية؛ خاصّة زراعية لإنتاج ثمار غير موسمية.


د. جمال عمرو

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “يضم النقب قاعدة عسكرية أمريكية كبيرة،  ومحطات تجسس عالية الجودة، فهو المكان الأنسب لممارسة المهمات الأمنية والعسكرية”.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أكدت في تقريرها الصادر عام 2020 أن “السياسة الإسرائيلية، تعامل البلدات داخل حدودها بغياب فاضح للمساواة؛ حيث تحشر الفلسطينيين في أماكن مكتظة، بينما تمنح أراضي واسعة للبلدات اليهودية”.

استيطان خاص

عندما يعلن الاحتلال عن إقامة مشاريع استيطانية في النقب لا يكون المراد غالباً إقامة مدن أو بلدات يجوب رحابها مستوطنون جاؤوا من عمق أفريقيا أو شرق وغرب أوروبا، فللاستيطان هناك مآرب مختلفة.

وبلغ عدد العرب في النقب قبل عام 1948 مائة ألف نسمة، تعرّضوا لسياسة التهجير ومصادرة الأراضي وهدم البيوت بدعوى أن قراهم غير معترف بها، مع أنهم كانوا موجودين فيها قبل تأسيس كيان الاحتلال، لكن وضعهم الاقتصادي اليوم أكثر صعوبة.

يسكن في النقب الآن قرابة 270000 مواطن عربي منهم 100000 نسمة في القرى غير المعترف بها من حكومة الاحتلال التي أقامت 7 بلدات حضريّة ونقلت لها نصف السكان البدو في العقدين الماضيين.


null

وعلّق غالانت وزير “الإسكان الإسرائيلي” على إقامة مشاريع استيطانية جديدة بالنقب قبل أيام قائلاً: “أرحب بمصادقة كابينيت الإسكان على إقامة بلدات جديدة في النقب، وهذه خطوة مهمة أخرى في الخطة الاستراتيجية التي نقودها كجزء من تطبيق حلم بن غوريون، وهو حلم الاستيطان اليهودي في النقب.

ويشير وشاح، أستاذ التاريخ، إلى أن الاحتلال مهتم في ممارساته السياسية والأمنية أن يكون النقب منطقة خالصة من السكان العرب الذين يعزلهم في بلدات يحكم السيطرة عليها.

وبعد نزاع مستمرّ بين حكومة الاحتلال “الإسرائيلي”  والسكّان العرب، اعترف الاحتلال بـ 11 قرية من أصل 46، لكن بقيت هناك 35 قرية غير معترف بها حتى اليوم لا تحظى بالخدمات الأساسية.

ولا يحصل سكان البلدات غير المعترف بها على رخصة للبناء أو إقامة مشاريع، ولا تصلهم خطوط الكهرباء والمياه وشبكات الاتصالات، ما حوّل الحياة في بلداتهم لواقع مرير.

ويصادر مشروع “برافر” الذي أقرته حكومة الاحتلال عام 2013م نحو 700 ألف دونم، ويحصر العرب الذين يشكلون 30% من سكان النقب في 1% فقط من أرض النقب بهدف تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم.


null

ويقول د. عمرو الخبير في شئون الاستيطان: إن الاحتلال ليس في عجلة من أمره عندما يعلن عن إقامة مشاريع استيطانية في النقب، وأنه في الوقت ذاته حريص على هدم تجمعات عربية مثل قية العراقيب.

ويضيف:”يحاول الاحتلال صناعة مستوطنات تخدم أمنه وتأخذ طابعاً أمنيًّا سكانيًّا وليس طابع إقامة مدن، فلديهم مخزون كبير لمشاريع الاستيطان فوق أرض الضفة الغربية المحتلة”.

وتتقاطع حدود النقب الجغرافية مع كامل الجزء الجنوبي من فلسطين التاريخية، وقد حوّل الاحتلال آلاف الدونمات منها لمحميات طبيعية، وأخفي في عمق الصحراء مراكزه العسكرية والأمنية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات