الإثنين 06/مايو/2024

لماذا تريد السلطة الآن عقد انتخابات بلدية بالضفة المحتلة؟

لماذا تريد السلطة الآن عقد انتخابات بلدية بالضفة المحتلة؟

لا يشبه اليوم البارحة؛ فرئاسة السلطة الفلسطينية التي عطلت الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل أشهر هي نفسها التي تقرر الآن عقد انتخابات قروية مجتزأة في الضفة الغربية وسط رفض الفصائل الوطنية.

لا يمكن الجمع بين ديكتاتورية الحكم وديمقراطية محلية، فمؤسسة الرئاسة التي انتهت صلاحيتها القانونية عام 2009م ماضية في اتخاذ قرارات أحادية الطرف في ظل حالة الانقسام الفلسطيني وتباين البرامج السياسية الفلسطينية.

ودعت السلطة الفلسطينية لعقد الانتخابات البلدية قبل نهاية العام الجاري على مرحلتين، الأمر الذي لاقى رفضاً من القوى الوطنية الفلسطينية التي تدعو لعقد انتخابات شاملة.

وتسعى السلطة الفلسطينية من دعوتها لعقد انتخابات بلدية إلى التجاوب مع أطراف دولية دعتها مراراً لتجديد شرعيتها ومحاولة امتصاص حالة الاحتقان الشعبي من تعطيلها للانتخابات وممارستها للاعتقال والقمع السياسي بالضفة.

أهداف سياسية

جوقة السياسة الإقليمية المؤثرة في تمويل السلطة الفلسطينية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، كررت في السنوات القليلة الماضية مطالباتها السلطة بتجديد شرعية مؤسساتها.

وعطل محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في إبريل الماضي عقد انتخابات المجلس التشريعي بدعوى صعوبة إجرائها في القدس بعد توصل الفصائل الفلسطينية لصيغة توافق حول إجراء انتخابات التشريعي والمجلس الوطني والرئاسة تواليًا.

ويقول فايز أبو شمالة، المحلل السياسي، إن توقيت دعوة السلطة لإجراء الانتخابات له أهداف عديدة، أولها إشغال المجتمع الفلسطيني بحدث ثانوي يشتته عن برنامجه الوطني الأهم في مواجهة عدوان الاحتلال وفق برنامج وطني مشترك.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “المجتمع الفلسطيني حانق من سلوك عباس بعد اغتيال الناشط السياسي نزار بنات، وإعادة اعتقال أسرى جلبوع، وفشل مشروع التسوية برمته”.

حراس العتبة في مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، يدركون أن نتيجة انتخابات التشريعي والرئاسة المعطلة لن تكون في مصلحة عباس الذي يواصل تولي موقعه رغم انتهاء ولايته دستوريا، حسب مراقبين سياسيين للمشهد الفلسطيني من داخل وخارج فلسطين.

ويرى المحلل أبو شمالة، أن انتخابات البلديات المرتقبة قد يرافقها خلافات ومشاكل تنظيمية وعشائرية وخصم جديد على رواتب موظفي السلطة، مما يعزز تشتيت العمل الوطني والجماهيري في مقارعة الاحتلال.

وتعيش حركة فتح، الفصيل الأكبر والمهيمن على قرارات منظمة التحرير الفلسطينية،  حالة ضعف وانقسامات بعد فشل مشروع التسوية وفرض عقوبات على غزة، وبروز تيار محمد دحلان المخاصم لعباس.

ويؤكد د. محمود العجرمي، المحلل السياسي، أن شرعية عباس رئيس السلطة وفريقه الحاكم من حركة فتح تتآكل شرعيتها بعد أن فقدت قانونيًّا صلاحيتها حسب القانون الأساسي عام 2009م.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “من زاوية شعبية وجماهيرية يحظى برفض من معظم القوى ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية حسب استطلاع جديد أجراه المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية”.

هروب للأمام
على مشجب الخوف من نجاح انتخابات التشريعي والرئاسة، علّق عباس رئيس السلطة سلسلة ذرائع أولها خشيته من منع الاحتلال الانتخابات بالقدس، لكن الترجيحات الميدانية كانت تدلل كلها على خسارته الحتمية.

وتحاول الإدارة الأمريكية ولقاءات إسرائيلية-فلسطينية على مستوى سياسيين وقادة أمنيين، ضخّ الأكسجين في رئة السلطة التي باتت أكثر ضعفاً أمام برامج المقاومة الوطنية التي تنال ثقة الجمهور منذ عدوان مايو الماضي.

كل المناورات السياسية التي تمارسها السلطة الفلسطينية مؤخراً، لا تحسّن صورتها في ظل انسداد أفق التسوية وضعف الثقة ببرامجها وسط رفض المجتمع الفلسطيني لحالة التنسيق الأمني.

ويشير المحلل أبو شمالة أن تفاصيل وظيفة التنسيق الأمني بين الاحتلال و”إسرائيل” لا تقتصر على ملاحقة سلاح المقاومة فقط، بل تشمل جوانب الحياة السياسية من خلال لقاءات سرية مشتركة لإجهاض الرفض الجماهيري للواقع.

ما يروج له الاحتلال “الإسرائيلي” مؤخراً من تسهيلات اقتصادية للفلسطينيين، وإغرائهم بالازدهار الاقتصادي، يمضي وفق متصلة حسب رؤية المحلل أبو شمالة يتقاطع فيها الاحتلال مع السلطة في إضعاف خيار المقاومة الشعبية المتصاعد بثقة شعبية.

بئر السياسة الفلسطينية الذي تقوده السلطة بالضفة مسممة بتناقضات يعاكس فيها رئيس السلطة تطلعات الشعب الفلسطيني الذي فقد الثقة بنيل حقوقه بعد 28 عاماً من اتفاق أوسلو.

ويؤكد المحلل العجرمي أن اتفاق أوسلو لم يكن بإجماع فصائلي فلسطيني، وقد أضحى الآن لا يمثل سوى فريق صغير من حول عباس وصل لحالة تطبيع عربية وضياع أرض الضفة، واغتصاب القدس الموحدة تحت الاحتلال.

ويتابع: “اعترفت السلطة في أوسلو بشرعية الاحتلال، وضاعت قضية اللاجئين، ونالت إسرائيل سيادة فوق فلسطين، ولن تكون الانتخابات البلدية الآن سوى ذر للرماد في العيون”.

إدارة السلطة ظهرها للرؤية الفصائلية، والرغبة الجماهيرية بإصلاح المؤسسات الوطنية، وعقد انتخابات شاملة، يمثل التفافاً سياسيًّا يقدم رؤية فريق عباس السياسي على إجماع فلسطيني باتت السلطة فيها عبئاً على مشروعه الوطني لا خادماً لأجله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات