عاجل

الثلاثاء 07/مايو/2024

الاقتصاد مقابل الأمن.. غزة قلعة الصراع المنيعة

الاقتصاد مقابل الأمن.. غزة قلعة الصراع المنيعة

لا تزال غزة الحلقة المنيعة التي تعجز حكومات الاحتلال “الإسرائيلي” عن كسر إرادتها فتقدم لها حلولاً مؤقتة وتسهيلات اقتصادية عابرة للقفز عن جوهر قضيتها السياسية.

في خطة “يائير لابيد” وزير الخارجية الإسرائيلي الاقتصادية “الاقتصاد مقابل الأمن” لا جديد يُقال ولا قديم يُعاد سوى رؤية قديمة ولكن بربطة عنق.

وتقوم الخطة على طرح تسهيلات اقتصادية وإنسانية لإعادة بناء غزة المدمرة بعد العدوان في البنية التحية والطاقة والإسكان بإشراف السلطة الفلسطينية مقابل هدوء طويل.

المراقبون للمشهد السياسي بغزة يرون في الخطة تكرارا لخطة السلام الاقتصادي التي وردت منذ عام 1967م حتى صفقة القرن دون حل سياسي حقيقي لمعاناة غزة.

وورد في الخطة “الإسرائيلية” المعلنة التي تقوم على مرحلتين: أولاها، تأهيل إنساني مقابل جهد منسق ضد حماس وإصلاح نظام الكهرباء، وتوصيل الغاز، وتحلية المياه، وتحسينات على الصحة والبنية التحتية.

أما المرحلة الثانية، فتقوم على خطة اقتصادية كاملة للأمن إذا قبلت حماس بمبادئ الرباعية، وتطوير ميناء غزة،  وبناء مناطق صناعية ومواصلات بين غزة والضفة الغربية، وتعزيز الاستثمار الدولي المشترك مع “إسرائيل” ومصر والسلطة الفلسطينية.

تحايل سياسي

ما تقدمه حكومة “نفتالي بينيت” الضعيفة هي بضاعة مستعملة وحلقة مكررة في ظل رغبة الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق الهدوء في الشرق الأوسط الذي باتت غزة أكثر حلقاته توتراً.

صحيح أن غزة لم تجد طوال عقديها الأخيرين أكتافاً دافئة من دول الإقليم؛ خاصّة في زمن التطبيع العربي، وحلول أزماتها من جهة إنسانية واقتصادية حلقة مكررة قابلة للفشل.

وكان “لابيد” وزير خارجية “إسرائيل” قال عن خطة حكومته: “دولة إسرائيل بحاجة للإجابة على سؤال لنفسها: ماذا نريد أن نفعل حيال غزة؟ وتجيب الخطة: “منذ أن غادرت إسرائيل قطاع غزة عام 2005، تم جرنا إلى جولة بعد جولة من العنف تسببت في المعاناة لشعبنا والإضرار باقتصادنا”.

وأضاف: “السياسة التي انتهجتها إسرائيل حتى الآن لم تغير الوضع جوهريا.. الإغلاقات لم توقف تهريب وإنتاج السلاح.. الليلة الماضية ضربنا غزة مرة أخرى بعد ذلك، أطلق صاروخ آخر وهرب السكان إلى ملاجئهم. نحن بحاجة للتغيير”.

ويؤكد د. أحمد رفيق عوض، المحلل السياسي أن “إسرائيل” من عام 1967م تحاول التحايل على الحقوق السياسية الفلسطينية بغزة، واستبدالها بحوافز اقتصادية وتحسين شروط الحياة.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “من وقت حكومة العمل 1967م وحتى اليوم، حاولوا الالتفاف على المطالب السياسية، ثم اعتمدوا الرؤية العشائرية والقيادات التقليدية، وبعد 1970م سهلوا العمل ثم صنعوا روابط القرى، ومع اتفاق أوسلو وضعوا سياسات اقتصادية فقط”.

فكرة السلام الاقتصادي هي وصفة تحايل قزّمت المعاناة التاريخية لغزة في مسائل معيشية للحياة اليومية دون حل سياسي، وقد وردت بألوان مكررة في رؤية “نتنياهو” سابقاً وحتى صفقة القرن في زمن “ترامب” الرئيس الأمريكي.

وتقدم حكومة “بينيت” خطة اقتصادية لتحقيق الهدوء ضمن خطة نزع سلاح المقاومة التي تقدمها من نافذة إعادة تأهيل الحياة الاقتصادية لغزة التي تعرضت لعدوان متكرر دمر مفاصل حياتها الاقتصادية، وأغرقها في أزمات متعاظمة.

الجوهر أمريكي

ويقول طلال عوكل، المحلل السياسي: إن “إسرائيل” لو صدقت في رؤيتها الاقتصادية فعليها فتح كامل معابر غزة، ورفع الحصار كليًّا، وهنا يتقدم سؤال عن كيفية عمل المقاومة للربط في واجبها بين غزة والضفة المحتلة.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الأهداف السياسية متباينة بين كل حكومة إسرائيلية، وآخرها حكومة بينيت، وكلها تتعارض مع هدف الفلسطينيين في وضع حل سياسي لغزة كجزء من الوطن”.

ثمة تناقض قطبي عميق بين رؤية “إسرائيل” الاقتصادية وواقع الحال، فبدون حل سياسي ستظل مطالب غزة الاقتصادية عرضة للشدّ والجذب كلما تغير المشهد الميداني.

خطة “إسرائيل” الاقتصادية هي الابن الشرعي لأحد فصول “صفقة القرن” التي وضعت رؤية اقتصادية للقضية الفلسطينية وعلى رأسها غزة، وأيدها مؤتمر “المنامة” عام 2019م الذي جاء بعنوان الازدهار الاقتصادي في ظل التطبيع.

رؤية استعمارية
ويصف المحلل عوض، خطة “إسرائيل” بأنها رؤية استعمارية واستعلائية تسقط حقوق الفلسطيني وكأن همّه الكبير فقط ماذا يأكل وماذا يشرب؟!.

غزة صداع الرأس المزمن التي حيرت حكومات إسرائيل تباعاً كانت وفق مشاريع قديمة طرحت التوطين والترحيل وأوراق أخرى سقطت كلها، وبقيت غزة محافظة على موقفها الوطني.

ويتابع المحلل عوض: “خطة لابيد أخذت جزءا واحدا من صفقة القرن، وهو الشق الاقتصادي، ولا تتحدث مطلقاً عن مشروع دولة، وغزة مطلبها سياسي بامتياز”.

وأمام قراءة واقعية لمشهد غزة المتدهور قد يكون القبول بحوافز اقتصادية موضعاً للنقاش على قاعدة “القبول بالموجود” لكن القبول لا يعني الذهاب وفق الرؤية الإسرائيلية لتسوية سياسية.

ارتباط الحوافز الاقتصادية بالتسوية بحاجة لرؤية فلسطينية جامعة إذا عبرت عن حسن نيّة إسرائيلية، وهذا أمر بعيد، حيث دأبت “إسرائيل” على تقديم تسهيلات مؤقتة تتراجع عنها متى أرادت.

ويؤكد المحلل عوكل أن حكومة “بينيت” ليست صاحبة المبادرة، بل جوهر ما يُقال هو مفروض من إدارة الرئيس الأمريكي “بايدن” التي تريد هدوءا بواسطة تخفيف الاستيطان ومنع الانفجار.

ويتابع: “لا شيء من تسهيلات إسرائيل الاقتصادية يرى النور أو يصمد طويلاً، فقد تكون تسهيلات لأيام وأسابيع ثم تتراجع حسب تفسيرات خاصّة بها”.

الإعلان الإسرائيلي عن عودة بعض السلع الممنوعة عن غزة منذ عدوان مايو 2021م، والسماح لمئات الفلسطينيين للعمل في “إسرائيل” تتحدث عنه “إسرائيل” كتسهيلات كبيرة، لكنه لا يغير كثيراً من واقع غزة.

غزة الأقرب دوماً للانفجار، والتي تحكمها مقاومة تزيد قوتها في الجرأة والأدوات،  باتت مقنعة أكثر لقيادات الأمن والعسكر في “إسرائيل” أن غزة لا يجب أن تتنفس سوى من عنق الزجاجة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات