الأحد 19/مايو/2024

صلاح شحادة.. قائدٌ استثنائي ومؤسس للعمل المقاوم في فلسطين

صلاح شحادة.. قائدٌ استثنائي ومؤسس للعمل المقاوم في فلسطين

توافق هذه الأيام الذكرى الـ19 لاستشهاد صلاح شحادة، مؤسس الجهاز العسكري الأول لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في عملية اغتيال “إسرائيلية” وسط مدينة غزة.

وفي ذكرى الاغتيال، قالت كتائب القسام عبر موقعها الإلكتروني: لا يمكن أن تمر هذه الذكرى مروراً عابراً؛ فنحن لا نتحدث عن رجل مرّ كعابر سبيل على هوامش تاريخ الجهاد والمقاومة لشعبنا الفلسطيني، بل إننا نتحدث عن رجل وضع اللبنة الأولى للمقاومة المسلحة في فلسطين.

قائد عمل على تطوير مسيرة العمل الجهادي دون كلل أو ملل، حتى أصبح “المطلوب الأول” للعدو الصهيوني المحتل الذي سخَّر كل عملائه وأجهزته المخابراتية والأمنية وكل الإمكانات التكنولوجية من أجل تحديد مكان هذا “العقل المدمر لكيانهم” والقضاء عليه باستخدام “طن” من المتفجرات أدى لإبادة مربع سكني كامل في مدينة غزة.

الولادة والنشأة
ولد صلاح الدين مصطفي محمد علي شحادة في 2/4/ 1953 في مخيم الشاطئ للاجئين بمدينة غزة بعد أن هُجّرت عائلته من مدينة يافا بعد احتلالها عام 1948.

تلقى شحادة تعليمه الأساسي في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، قبل أن يتوجه إلى مصر بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة بتفوق، ويدرس في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية، وكانت ظروفه المادية عائقًا أمامه لدراسة الطب والهندسة رغم حصوله على قبول في جامعات تركيا وروسيا.

ووفق موقع القسام؛ فإن شحادة “بدأ العمل في الدعوة إلى الله فور عودته من مصر إلى قطاع غزة، وعمل باحثاً اجتماعياً في مدينة العريش المصرية، وعيّن لاحقاً مفتشاً للشؤون الاجتماعية هناك، وتزوج في 10-9- 1976 من زوجته التي استشهدت معه، وأنجب منها ست بنات”.

بعد أن استعادت مصر مدينة العريش من الاحتلال عام 1979 انتقل شحادة للإقامة في بيت حانون، واستلم منصب مفتش الشؤون الاجتماعية لقطاع غزة.

في بداية العام 1982 استقال من عمله في الشؤون الاجتماعية، وانتقل للعمل في دائرة شؤون الطلاب في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة.

وذكر موقع القسام أن شحادة “كان شعلة من النشاط، وعقلا مدبراً مخططاً يلجأ إليه الجميع عند الكروب والشدائد، ويلوذ به جنوده الأوفياء عند طلب النصح والمشورة والحكمة، كما تميز بالشخصية العسكرية الحكيمة التي تستطيع التدبير والموازنة بين الخيارات واتخاذ القرارات المناسبة”.

السجن والتحقيق

اعتقل الاحتلال الإسرائيلي شحادة عام 1984 بتهمة تشكيل خلايا عسكرية وتدريب أفرادها على استعمال السلاح، وإصدار أوامر بشن هجمات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، لكنه لم يعترف بشيء، ولم يستطع الاحتلال إثبات أي تهمة ضده، وأصدر لائحة اتهام بحقه وفق قانون الطوارئ لسنة 1949، وأمضى عامين في السجن.

بعد خروجه عام 1986 شغل منصب مدير شؤون الطلبة في الجامعة الإسلامية، إلى أن قررت سلطات الاحتلال إغلاق الجامعة في محاولة لوقف الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في العام 1987، غير أن الشيخ شحادة واصل العمل في الجامعة حتى اعتقل في آب/ أغسطس 1988.

استمر التحقيق مع شحادة أكثر من 10 أشهر في سجن السرايا، ثم انتقل من زنازين التحقيق إلى غرف الأسرى، قبل أن يُعاد إلى زنازين التحقيق عقب الاعتراف عليه بمسؤوليته عن الجهاز العسكري لحركة حماس. ووُجهت لشحادة تهم المسؤولية عن الجهاز العسكري لحماس، وإصدار أوامر باختطاف الجنديين “سبورتس”، و”سعدون”، ومسؤولية حركة حماس، والجهاز الإعلامي لها في شمالي القطاع، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات، أضيفت إليها ستة أشهر بدل غرامة رفض شحادة دفعها.

تعرض شحادة لأقسى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي خلال مدّة اعتقاله، وذكر أن المحققين نتفوا لحيته شعرة شعرة، عدا عن أساليب الشبح والضرب المبرح.

لكن، كان السجن “فرصة للتفكير العميق والتخطيط الدقيق لابتكار أساليب جديدة في العمل العسكري المقاوم لشحادة”، وفق القسام.

وأضاف موقع الكتائب: “كان شحادة أباً حنوناً للمعتقلين من كل التنظيمات الفلسطينية يُعلمهم الدين، ويعينهم على الصبر والمصابرة، ويشغل أوقات فراغهم بالنافع المفيد من حفظ للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وسيرة النبي محمد، وتاريخ الإسلام العظيم، ورجاله الأفذاذ، وحب فلسطين وواجب الجهاد لتحريرها، إلى جانب تسليتهم وتقوية أجسادهم بفنون الرياضة المختلفة ومنها المصارعة اليابانية التي كان يجيدها”.

خرج الشيخ صلاح شحادة من سجنه بعد أن هدده ضباط المخابرات الإسرائيلية بالاغتيال حال قيامه بأي نشاطات ضد “إسرائيل”، لكنه بعد أشهر قدم استقالته من عمله وتفرغ لمقاومة الاحتلال.

عملية الاغتيال

في 22-7-2002 ارتكب جيش الاحتلال مجزرة اغتال خلالها القائد العام لكتائب القسام صلاح شحادة ومساعده زاهر نصار وأكثر من 15 مدنيًّا، وأصاب أكثر من 150 آخرين، بفعل تدميره حيًّا سكنيًّا كاملًا في حي الدرج وسط مدينة غزة.

وردًّا على سؤال حول ما الذي سيجنيه الاحتلال من اغتيال شحادة في وقت أعلنت حماس أن الاحتلال أصبح كله هدفًا مشروعًا لها، قال ما يسمّى منسق أعمال الحكومة في المناطق وقتها الجنرال عاموس غلعاد: “لقد كان شحادة ينوي أصلًا تحويل حياة الإسرائيليين إلى جهنم”.

ظنّ العدو أنه إذا قضى على القائد شحادة سيقضي على الجهاد والمقاومة في فلسطين، وأن كتائب القسام -الإعصار الذي لا يهدأ- قد انتهى أمرها بعد القضاء على رأس الهرم فيها، لكن كتائب القسام فاجأته بأن الشيخ -رحمه الله- أسسها لتكون كالأخبطوط متشعبة في كل مكان لا يُقضى عليها باستشهاد قادتها ومؤسسيها.

وضع أسس التطور

فبعد مرور أعوام على استشهاد القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الشيخ “صلاح شحادة” تتربع كتائب القسام على عرش الجهاد والمقاومة في أرض فلسطين، بعد أن أصبحت أشد قوة وأكثر عنفواناً وأتقن تنظيماً، وتطورَ أداؤها العسكري نوعيا باطّراد؛ ما يثبت أن الشيخ صلاح قد وضع أسس التطور في لبناتها الأولى وأهلها وأعدها لتكون “جيشاً منظماً” بوحداتها ومؤسساتها وهيئاتها المتخصصة، وقادرةً على خوض أشرس المعارك والحروب، والثبات بل والانتصار فيها.

ولعل الكثير من العمليات والمعارك التي نفذتها كتائب القسام -بعد استشهاد الشيخ صلاح شحادة- تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذا الغراس الذي بدأه الشيخ صلاح ومجموعة من إخوانه، قد أصبح اليوم أسطورةً ومثلاً يضرب لمقدرة المقاومة الفلسطينية على التطور ومواجهة التحديات والوقوف في وجه أعتى قوى الظلم والإرهاب في العالم.

أسّس كتائب القسام

أسس الشيخ “صلاح شحادة” كتائب القسام لتكون “معجزة وأسطورة” في تاريخ الجهاد والمقاومة، فلقد استطاعت كتائب القسام تصنيع أسلحتها التي أثبتت قوتها ونجاعتها في المعارك مع العدو الصيوني؛ فهي التي قهرت المستحيل وصنعت الصواريخ التي تضرب عمق الكيان الصهيوني والتي لم يستطع العدو -ومن خلفه كل دول العالم- أن تجد حلا لها ولا طريقة لصدها وإيقافها.

وما جاء هذا الإنجاز والإعجاز إلا بالثقة التي بثها الشيخ صلاح في نفوس جنوده الذين هيأهم للتعامل مع كل الظروف ومواجهة كل التحديات والإبداع في جميع المجالات.

يشهد على هذا ما قاله القائد الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي حين قال: “لقد استطاع الشيخ صلاح أن يحقق من الإنجازات ما عجز الكثير عن فعله في سنوات عديدة؛ نجح في تطوير الجهاز العسكري لحركة حماس كمًّا وكيفًا، ومدّ الجهاز بأعداد كبيرة من الشبان، ودرّبهم وجهّزهم، وطوّر الصناعة العسكرية المتواضعة خلال عامين.. بدأ بالهاون ثم الصواريخ مثل القاذفات ومضادات الدبابات، كما يعود للشيخ صلاح فضل الإبداع في التخطيط لاقتحام المغتصبات، والانطلاق بالجهاز العسكري من قيود السرية التي تكبل الحركة”.

ولقد استطاع الشيخ الجنرال أن يكسب الاحترام والتقدير من أعدائه؛ حيث قال عنه “يكوف بيري” الرئيس الأسبق لجهاز الشاباك الصهيونيّ: “هذا الرجل هو اليد اليمنى للشيخ أحمد ياسين، رجلٌ يثير انطباع من يلتقيه ويجبرك على احترامه حتى لو كنت تحتفظ تجاهه بكلِّ مشاعر الكراهية. إن شحادة رجل لا يعرف الانكسار”.

ولقد قال الإرهابي الهالك “شارون” يوم أن أشرف بنفسه على تنفيذ عملية اغتيال الشيخ الجنرال “صلاح شحادة”: “ضربنا أكبر ناشطٍ في حماس، الشخص الذي أعاد تنظيم حركة حماس في الضفة من جديد، إضافةً إلى النشاطات التي نفّذها في قطاع غزة، هذه العملية هي واحدة من أكثر العمليات نجاحًا”.

وبعد أعوام من استشهاد الشيخ أضحت كتائب القسام بارقة أمل لعهدٍ جديد يخلص الأمة من ذلها وخنوعها، ويعيد لها أمجادها الأولى، فطوبى للشيخ المجاهد الذي ما تزال بصمات جهاده مغروسة في ذاكرة التاريخ.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات