عاجل

الثلاثاء 07/مايو/2024

الإرباك الليلي.. موروث حركات التحرر في مقاومة المحتل

الإرباك الليلي.. موروث حركات التحرر في مقاومة المحتل

قطعًا لم يكن المستعمر والمحتل تاريخيًّا أقل قوة عسكرية أو سياسية من شعوب اُحتلت؛ فاكتملت تعبئتها الشعبية والسياسية وهي تقاوم حتى رحل المعتدي على حقوقها دون رجعة. 

تتلون أشكال المقاومة الشعبية في موروث حركات التحرر بالإرادة الصلبة، وجسارة التضحية، مبتكرةً أساليب مزعجة لمحتلها على طريق إزعاجه ورفع كلفته في البقاء فوق أرض وشعب جرى العدوان عليهما بالهيمنة والآلة العسكرية.

من مشكاة واحدة؛ أبدعت الشعوب المحتلة في مقارعة الاحتلال، سواء في الجزائر أو فيتنام والهند ولبنان وصولاً إلى فلسطين، التي تعيش أطول وآخر احتلال في العصر الحديث.

ليل ومشاعل

هذا هو الليل لم يعد هانئاً للمستوطنين والجنود الإسرائيليين على حدود غزة، والنقب الغربي، أو في قلب المستوطنات بالضفة والقدس المحتلة، وفق معادلة الإرباك الليلي التي تعيش حالة تصاعد وتطوير في المقاومة الشعبية.

عندما انطلقت مسيرة العودة بغزة قبل 3 سنوات، احتشدت الجماهير الغاضبة على الحدود الشرقية لغزة ليلاً، وأشعلت النيران احتجاجا، بدأت روحه تنتقل منذ أسابيع للضفة المحتلة، وخاصّة بلدة بيتا قرب جبل صبيح.

وقمعت قوات الاحتلال بغزة مئات الشبان الغاضبين على حدود غزة الذين أوقدوا المشاعل، وأطلقوا ألعاباً نارية وبالونات، وأصدروا أصواتا مزعجة احتجاجا على حصار غزة في تجربة وصلت حديثاً للضفة المحتلة.

ويؤكد اللواء يوسف شرقاوي، الخبير العسكري، أن أنشطة المقاومة الشعبية في الليل نموذج تكرر مع حركات التحرر والشعوب التي وقعت تحت الاحتلال في الجزائر وفيتنام وجنوب لبنان.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “اعتادوا في تلك الدول التي تعرضت للاستعمار والاحتلال، إشعال النيران ليلاً، والحشد بكمية بشرية ضخمة قرب مواقع ومعسكرات ومستوطنات القوات المحتلة، وفي جنوب لبنان مضت مواكب سيارات الأفراح ليلاً مطلقةً أصواتا عالية احتجاجاً على الاحتلال”.

تمكنت غزة من جني ثمار أنماط جديدة للمقاومة الشعبية، أهمها؛ الإرباك الليلي، وفق ما يعرف الآن بالتفاهمات بتخفيف الحصار، وإدخال منحة المساعدة المالية القطرية، وفتح المعابر التي تتنكّر لها “إسرائيل” بين حين وآخر. 

أما في الضفة المحتلة التي عاشت ذات التجربة مع شبان على جبل صبيح في قرية بيتا جنوب نابلس، فقد ظهر انزعاج واضطراب لحياة المستوطنين بفعل الإرباك؛ ما أغرى الشبان الغاضبين بمواصلة العمل ليلاً.

ويرى تيسير محيسن، المحلل السياسي، أن وسيلة الإرباك الليلي تعد شكلا إبداعيا للمقاومة، وقد دخل مصطلح “الإرباك الليلي” قاموس أدوات المقاومة الشعبية كما دخلت كلمة “انتفاضة” من قبل زمن انتفاضة الحجارة عام 1987م.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الإرباك احتجاج ذكي وأداة قوة وتكتيك تفرضه المقاومة الشعبية وفق الظرف والأسلوب في الصراع، وهو أداة بسيطة غير مكلفة”.

استخدام العدوان وإطلاق النار مباشرة على الحشود في الإرباك الليلي؛ يعكس حالة الإزعاج التي يعيشها الجندي والمستوطن أمام كتلة بشرية تحركها إرادة الغضب ليلاً، وهو ما تطور بعد وقت قصير إلى حالة عجز شبه كاملة مع حالة غضب سلمية. 

ويقول المحلل محيسن، إن الإرباك ليلاً وما يشبهه لم يكن موجه فقط للمحتل أو المستعمر، بل توجه أيضاً خلال كل أشكال الاعتراض على السلطات القمعية توجها شعبيا. 

فلسطين أولاً

في مطلع التسعينات، مارس المحتجون في دول أوروبا الشرقية التي عانت من الفقر وأزمات الغذاء، الطرق فوق آنية الطعام في إشارة لفشل السلطات تأمين الغذاء لشعوب أنهكها الفقر.

وشكل الليل كابوساً للاحتلال رغم امتلاكه قوة تدميرية هائلة، فقد كان الليل مطلع السبعينات من القرن الماضي بغزة ملكاً للفدائي الفلسطيني الذي قاوم محتله بقوة، بينما انتظر جيش “إسرائيل” ضوء النهار ليجول بدورياته.

يتوقع الخبير شرقاوي أن يتطوّر الإرباك الليلي وأنماط المقاومة الشعبية التي أزعجت الاحتلال بغزة والضفة إلى مسيرات سلمية بمحاذاة المستعمرات والحواجز العسكرية، وإغلاق الطرق بأرتال السيارات تطلق أبواقها.

تطوير أنماط الاحتجاج السلمي قرب الاحتلال ومستوطنيه، أو حتى في الشوارع الالتفافية، تراكم حسب ترجيح الخبير شرقاوي وصولاً لحالة العصيان المدني السلمي.

وتعد الفترة الممتدة بين ثورة البراق 1929م إلى ثورة 1936 بقيادة الشيخ عز الدين القسام، التي تعمدت في العصيان المدني خلال الإضراب العام الذي استمر 6 أشهر متواصلة، أهم محطات المقاومة الشعبية في تاريخ فلسطين.

ويتابع: “المشهد الفلسطيني مركَّب، فلا يمكن المزاوجة بين مقاومة شعبية وتمسك السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني، قوة الحشود السلمية ليل نهار، لن يستطيع الجنود معها إطلاق النار، ولكنها عملية تحتاج لتنظيم وخطة وليس الارتجال حتى لا يسيطر عليها الاحتلال، ويجد ثغرة لإبطال قوتها”.

ويشير المحلل محيسن إلى أن الهدف من أشكال المقاومة الشعبية، وأهمها مؤخراً الإرباك الليلي، هو عدم إعطاء الاحتلال فرصة للهدوء أو الراحة، وقد يتطور الشكل للمكوث طويلاً في الطرقات، وإصدار أصوات مزعجة لن يتمكن الاحتلال من قمعها بالمطلق.

أشكال المقاومة الشعبية المبتكرة، لن تحقق إنجازات على صعيد استراتيجي في وقت قصير، لكن الحشود المشاركة في تلك الاحتجاجات تراهن على تراكمية طويلة الأمد تمضي وفق إعداد مخطط له مسبقاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات