السبت 18/مايو/2024

في غزة.. العدوان موجود والردع مفقود

في غزة.. العدوان موجود والردع مفقود

في “إسرائيل” يطلون التصريحات السياسية بالعسل، وهم يتذرعون بمحاولة استعادة الردع المتآكل عقب انتهاء العدوان الأخير على غزة، فما تنطق به شفاه السياسيين تكذبه صور الأبراج السكنية التي دمرتها طائرات حربية.

قبل أيام تحدثت رئاسة الموساد عن عجزها عن معرفة ما يدور في رأس قادة المقاومة بغزة التي قدمت لها المفاجآت في معركة سيف القدس، وهي تضرب العمق بغزارة وقوة تفجير صادمة حملتها رؤوس قذائف محلية الصنع.

المشهد الضبابي الذي يظلّل مسرح الميدان والسياسة يحاول الاحتلال في عهد حكومته الجديدة ربط كل ملفات الإعمار والحصار بملف جنوده الأسرى لدى المقاومة.

تآكل قوة الردع والعجز الأمني بدأت ملامحه تتضح منذ عام 2006 عقب أسر الجندي “شاليط” الذي أخفته المقاومة 5 سنوات، لتنتهي فصول القصة بصفقة وفاء الأحرار بعد فشل عدوان 2008 الذي لم يحرره ولم يقفز عن قوة حماس بغزة.

وأدى العدوان إلى ارتقاء 274 شهيدا، منهم 70 طفلا، و40 سيدة، و17 مسنًّا، إضافة لأكثر من 8900 إصابة، منها 90 “شديدة الخطورة”، مقابل مقتل 12 إسرائيليا وإصابة عدد آخر بجروح بفعل نيران المقاومة.

مراكمة القوة
تكمن قوة غزة في ضعفها؛ فهي حتماً خارج كلاسيكية المواجهة مع جيش إسرائيلي محصّن بأدوات قتالية وتكنولوجيا متطوّرة. هكذا نجحت إرادة مئات المقاتلين في ضرب العمق الإسرائيلي والتجرّؤ لكفّ يد معتدٍ متجاوز.

تآكل قوة الردع الإسرائيلية معناه أن يدها لم تعد طليقة لتبادر بفتح النيران وتجني ثمار ما تخطط له بل على العكس راكمت المقاومة نقاطًا إيجابية في معادلة الرعب وإبطال مفعول السلوك العسكري لجيش لم يخدم أهداف قيادته السياسية.

لم ينجح الاحتلال في اغتيال معظم كبار القادة العسكريين للمقاومة الفلسطينية خاصة قائد الجناح العسكري لحماس محمد الضيف، أو تدمير شبكة الأنفاق بما يؤثر عليها، والتي قالت حماس إنها تمتد لـ500 كيلومتر تحت غزة، دمر منها الاحتلال 5%، حسب تصريح يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة عقب العدوان.

ويؤكد اللواء يوسف شرقاوي، الخبير في الشئون العسكرية، أن مقاومة غزة حققت نقاطًا إيجابية في معركة سيف القدس، وفاجأت الاحتلال بقصفٍ مركّز وغزير لعمق مدنه الحيوية، ونالت من بعض الأهداف الإستراتيجية وأهمها تعطيل مطاره الرئيس.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “ظهرت قوة المقاومة من ملف إخفاء الجندي شاليط، وامتدت لنجاح إخفاء 4 جنود الآن، وفشل الاحتلال في معرفة أماكن إنتاج القذائف والأنفاق عمومًا؛ ما يعني أن هناك معضلة أمام منظومة الاحتلال الأمنية في تتبع المقاومة”.

ولم ينفرد رئيس الشاباك بالحديث عن عجز الاحتلال في معرفة مفاجآت المقاومة أو التغلب عليها، فقد سبقه حديث لمسؤولين سابقين منهم “جونين بن يتسحاق”، أحد كبار ضباط “الشاباك”، الذي قال: “مهما فعلنا لن نحقق النصر هذه المرة. لقد هزمنا”.

العنف يتجلّى في أيام العدوان والمواجهة لكن بقية الأيام تشهد صراعاً أمنياً خفياً على المعلومة في غزة التي أثبتت أن آلة الاحتلال العسكرية كثيراً ما تكون فيها عمياء وتضرب أهدافاً مدنية أحرجت الاحتلال لاحقاً.

ويقول محمد مصلح، الخبير في الشئون الإسرائيلية: إن أجهزة أمن وجيش الاحتلال أخطأ في تقدير المشهد بشكل تكرر في العدوان الأخير، وتآكل قوة الردع يرافق أزمة قيادة سياسية اتجهت بيئتها نحو الانهيار.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “يشهد الاحتلال ضعف في الانتماء السياسي والتفكير الأمني القومي خاصّة مع حكومة بينيت التي ولدت بائتلاف بعد 4 انتخابات أسقطت نتنياهو بصعوبة”.

وكان وزير الحرب السابق في حكومة الاحتلال، “ليبرمان” الذي يشغل الآن منصب وزير المالية، أكد أن الهدف الإستراتيجي من العدوان هو “تحسين صورة نتنياهو أمام الجمهور”، مشيراً أن: “نتنياهو يتلاعب بالجيش، ومن الناحية الأمنية هذه العملية برمتها غير ضرورية، وحماس ستخرج فيها منتصرة”.

 مفاجآت المقاومة
التكتيكات لدى المقاومة في العدوان الأخير أسقطت سلسلة مفاجآت بالتقسيط على الميدان؛ ما أشعل أضواءً حمراء لقيادات عسكرية حول إمكانية وجود المزيد من المفاجآت مع ميلاد كل يوم جديد من العدوان.

وتتركز مفاجآت المقاومة في نجاحها بعملية قصف مركزة وغزيرة لقلب المدن خاصّة تل أبيب وإسدود وعسقلان وإغلاق المطار والوصول للقدس كرمز للصراع حتى أصبح التوّعد على شاشة التلفاز من الناطق باسم القسام “أبو عبيدة” محط أنظار ملايين الإسرائيليين وهم في الملاجئ.

ويرى الخبير شرقاوي أن قيادة الاحتلال لم تتوقع أن تنال معاناة القدس المحتلة إسناداً من مقاومة غزة؛ ما شكل صدمة كبيرة لهم، ولم يتوقعوا التحايل على القبة الحديدية وسقوط عشرات القذائف دفعة واحدة على تل أبيب وتدمير جزء مهم من عسقلان.

ويتابع: “الخوف من مفاجآت المقاومة منعهم ولا يزال من خوض عملية بريّة كبيرة لاحتلال غزة. تراجعت المواجهة مع حزب الله وإيران، وبقيت غزة العقبة الأهم ومقاومتها غير مردوعة، ولم ينجح تكتيك الدفاع خلف الأسوار بحل معضلة غزة”.

 دبلوماسية إيران قيدت كثيرًا من سلوكها الميداني المتوقع في كثير من المناسبات وهي تدافع عن ملفها النووي وتقلل من جرأة حلفائها في الإقليم سوى من نيران مقيدة تضرب أحياناً أهداف محسوبة، في حين تجرّأت غزة -على تواضع قدراتها- في تخفيض قوة الردع الإسرائيلية.

ويقول المختص “مصلح”: إن المفاجآت تجسدت في قصف العمق والمدن المهمة، وكذلك عدد وقوة تفجير لقذائف، في حين انتهت حواجز الجغرافيا بعد وصول مديات القذائف لأكثر من 250كم.

 ويضيف: “الاحتلال يحاول ترميم صورته من جهة أمنية لاستعادة الردع بعد انتهاء خيار الحسم الكامل في المواجهة، ومن جهة علاقاته الدولية يجرى الآن تبادل للحذر وتفكير عميق بين الاحتلال والمقاومة فالنتائج غير محسومة بسبب مفاجآت فاقت توقع إسرائيل”.

وحاولت حكومة “بينيت” بعد انتهاء العدوان تثبيت جزء من معادلة الردع؛ فكررت قصف مواقع المقاومة بعد إطلاق بالونات من غزة تعد أحد أشكال المقاومة الشعبية، لكنها والمقاومة غير معنييْن الآن بفتح طريق مواجهة جديد.

مشهد تشديد الحصار بإغلاق المعابر وربط الإعمار والحالة الاقتصادية بملف جنود الاحتلال قبل الوصول لتثبيت وقف العدوان هدفه الأساسي إجهاض نتائج العدوان الأخير الذي كشف عن هشاشة الردع الإسرائيلي المتعاظم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال

ارتقاء قائد من كتيبة جنين بقصف للاحتلال

جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية مساء اليوم الجمعة عن ارتقاء شهيد وثمانية إصابات، حيث وصلت إصابة بحالة مستقرة وصلت إلى...